القول في تأويل قوله تعالى:
[15] سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا .
سيقول المخلفون أي: بعذر الاشتغال بأموالهم، وأهليهم بعد طلبهم الاستغفار لهم: إذا انطلقتم أي: قصدتم السير: إلى مغانم أي: أماكنها. قال : وذلك ما كان الله وعد أهل الحديبية من غنائم خيبر: ابن جرير ذرونا أي: اتركونا في الانطلاق إليها: نتبعكم أي: نشهد معكم قتال أهلها: يريدون أي: بعد ظهور كذبهم في الاعتذار، وطلب الاستغفار: أن يبدلوا كلام الله قال : أي: وعد الله الذي وعد [ ص: 5413 ] أهل ابن جرير الحديبية ، وذلك أن الله جعل غنائم خيبر لهم، ووعدهم ذلك عوضا من غنائم أهل مكة ؛ إذ انصرفوا عنهم على صلح، ولم يصيبوا منهم شيئا.
وقال آخرون: بل عنى بقوله: يريدون أن يبدلوا كلام الله إرادتهم الخروج مع نبي الله صلى الله عليه وسلم في غزوة. وقد قال الله تبارك وتعالى في سورة التوبة: فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا والأكثرون على الأول. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة ست، وأقام بالمدينة بقيتها وأوائل المحرم، ثم غزا خيبر بمن شهد الحديبية ، ففتحها وغنم أموالا كثيرة، فخصها بهم.
قال الشراح: وكان ذلك بوحي. ثم كانت غزوة تبوك بعد فتح خيبر ، وبعد فتح مكة أيضا. وفي منصرفه من تبوك نزل قوله تعالى: فاستأذنوك للخروج الآية. فكيف يحمل على ما كان في غزوة الحديبية، وقد نزل بعدها بكثير؟ -والله أعلم- قل لن تتبعونا أي: إلى خيبر إذا أردنا السير إليها. وهو نفي في معنى النهي. قال الشهاب : فالخبر مجاز عن النهي الإنشائي، وهو أبلغ.
كذلكم قال الله من قبل قال : أي: من قبل مرجعنا إليكم. إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية معنا، ولستم ممن شهدها، فليس لكم أن تتبعونا إلى خيبر، لأن غنيمتها لغيركم: ابن جرير فسيقولون بل تحسدوننا أي: أن نصيب معكم مغنما إن نحن شهدنا معكم، فلذلك تمنعوننا من الخروج معكم. قال الشهاب : وهو إضراب عن كونه بحكم الله. أي: بل إنما ذلك من عند أنفسكم حسدا.
بل كانوا لا يفقهون أي: عن الله تعالى ما لهم وما عليهم من أمر الدين: إلا قليلا [ ص: 5414 ] أي: فهما قليلا، وهو ما كان في أمور الدنيا، كقوله تعالى: يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا.