القول في تأويل قوله تعالى:
[32] الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى
الذين يجتنبون كبائر الإثم يعني ما كبر الوعيد عليه من المناهي والفواحش يعني ما فحش منها. والعطف إما من عطف أحد المترادفين أو الخاص على العام إلا اللمم أي: الصغائر من الذنوب. ومثله بالقبلة والغمزة والنظرة، فيما رواه أبو هريرة ، [ ص: 5581 ] وأصل معناه: ما قل قدره. ومنه: لمة الشعر، لأنها دون الوفرة. وقيل: معناه الدنو من الشيء دون ارتكاب له. والاستثناء منقطع على ما ذكر. وقيل: اللمم بما دون الكبائر والفواحش، فإنه عفو. وقيل: متصل، والمراد مطلق الذنوب. وقيل: إنه لا استثناء فيه أصلا. و إلا صفة بمعنى غير وتفصيله في (العناية). ابن جرير
وحكى عن ابن جرير وغيره، أن معنى اللمم ما قد سلف لهم مما ألموا به من الفواحش والكبائر في الجاهلية قبل الإسلام، وغفرها لهم حين أسلموا. ابن عباس
وعن أيضا قال: هو الرجل يلم بالفاحشة ثم يتوب ولا يعود. قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن عباس
« إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما »
وقال : الحسن
اللمم أن يقع الوقعة ثم ينتهي . وكل هذا يتناوله اللفظ الكريم والأقوى في معناه هو الأول؛ ولذا استدل بالآية على كما قال تعالى: تكفير الصغائر باجتناب الكبائر إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم
إن ربك واسع المغفرة قال : أي: واسع عفوه للمذنبين الذين لم تبلغ ذنوبهم الفواحش وكبائر الإثم ابن جرير هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض قال : أي: أحدثكم منها بخلق أبيكم آدم منها ابن جرير وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم أي: حيثما يصوركم في الأرحام، فلا تزكوا أنفسكم أي: تشهدوا لها بأنها زكية بريئة من الذنوب والمعاصي، والمراد به الثناء تمدحا أو رياء هو أعلم بمن اتقى أي: بمن اتقاه [ ص: 5582 ] فعمل بطاعته، واجتنب معاصيه وأصلح، وهذا كقوله تعالى: ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا
وفي الصحيحين عن قال: أبي بكرة . مدح رجل رجلا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ويلك! قطعت عنق صاحبك » مرارا « إذا كان أحدكم مادحا صاحبه لا محالة، فليقل: أحسب فلانا، والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدا، أحسبه: كذا وكذا إن كان يعلم ذلك »