الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [31 - 32] سنفرغ لكم أيه الثقلان فبأي آلاء ربكما تكذبان

                                                                                                                                                                                                                                      سنفرغ لكم أيه الثقلان قال القرطبي: يقال: فرغت من الشغل أفرغ فراغا وفروغا، وتفرغت لكذا واستفرغت مجهودي في كذا أي: بذلته. والله تعالى ليس له شغل يفرغ منه، وإنما المعنى: سنقصد لمجازاتكم أو محاسبتكم، فهو وعيد لهم وتهديد، كقول القائل لمن يريد تهديده: إذا أتفرغ لك، أي: أقصدك.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 5623 ] وقال الزجاج : الفراغ في اللغة على ضربين: أحدهما الفراغ من الشغل، والآخر القصد للشيء. والإقبال عليه، كما هنا، وهو تهديد ووعيد، تقول: قد فرغت مما كنت فيه، أي: قد زال شغلي به. وتقول: سأفرغ لفلان، أي: سأجعله قصدي. فهو على سبيل التمثيل، شبه تدبيره تعالى أمر الآخرة، من الأخذ في الجزاء، وإيصال الثواب والعقاب إلى المكلفين، بعد تدبيره تعالى لأمر الدنيا بالأمر والنهي، والإماتة والإحياء، والمنع والإعطاء، وأنه لا يشغله شأن، بحال من إذا كان في شغل يشغله عن شغل آخر، إذا فرغ من ذلك الشغل، شرع في آخر. وجازت الاستعارة التصريحية أيضا. وقد ألم به صاحب (المفتاح) حيث قال: الفراغ الخلاص عن المهام؛ والله عز وجل لا يشغله شأن عن شأن، وقع مستعارا للأخذ في الجزاء وحده.

                                                                                                                                                                                                                                      لطيفة:

                                                                                                                                                                                                                                      ترسم أيها بغير ألف، وأما في النطق فقرأ أبو عمرو والكسائي : أيها بالألف في الوقف، ووقف الباقون على الرسم أيها بتسكين الهاء، وفي الوصل قرأ ابن عامر أيه برفع الهاء، والباقون بنصبها.

                                                                                                                                                                                                                                      و الثقلان تثنية (ثقل) بفتحتين، فعل بمعنى مفعل، لأنهما أثقلا الأرض، أو بمعنى مفعول، لأنهما أثقلا بالتكاليف. وقال الحسن: لثقلهما بالذنوب.

                                                                                                                                                                                                                                      والخطاب في " لكم " قيل للمجرمين، لكن يأباه قوله: أيه الثقلان نعم! المقصود بالتهديد هم، ولا مانع من تهديد الجميع بقوله، أفاده الشهاب ، ولا يفهم من هذا اللفظ الكريم وعيد بحت، بل هو حامل للوعد أيضا، لأن المعنى: سنفرغ لحسابكم، فنثيب أهل الطاعة، ونعاقب العصاة، وهو جلي؛ ولذا اعتد ذلك نعمة عليهم بقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان أي: من ثوابه أهل الطاعة، وعقابه أهل معصيته.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 5624 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية