القول في تأويل قوله تعالى:
[11 - 12]
nindex.php?page=treesubj&link=31914_32063_33179_34513_29037nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=11وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين nindex.php?page=treesubj&link=19513_31979_31981_34513_29037nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=11وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين أي: من عملهم وعذابهم
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها أي: حفظته وصانته
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12فنفخنا فيه من روحنا يعني
جبريل عليه السلام، أو من روح خلقناه بلا توسط، وهو
عيسى عليه السلام
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12وصدقت بكلمات ربها أي: بصحفه المنزلة من عنده
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12وكتبه أي: الموحاة. والعطف للتفسير، أو الكلمات أعم من المكتوب والمحفوظ من أوامره ووصاياه المتوارثة، والكتب خاصة بالمخطوط من الأسفار.
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12وكانت من القانتين أي: من المواظبين على الطاعة لله، والخضوع لأحكامه. والتذكير للتغليب.
تنبيهات:
الأول: قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : مثل الله عز وجل حال الكفار في أنهم يعاقبون على كفرهم
[ ص: 5870 ] وعداوتهم للمؤمنين معاقبة مثلهم، من غير إبقاء ولا محاباة ولا ينفعهم مع عداوتهم لهم ما كان بينهم وبينهم من لحمة ونسب، أو وصلة صهر؛ لأن عداوتهم لهم، وكفرهم بالله ورسوله، قطع العلائق، وبت الوصل، وجعلهم أبعد من الأجانب وأبعد، وإن كان المؤمن الذي يتصل به الكافر نبيا من أنبياء الله، بحال امرأة
نوح وامرأة
لوط لما نافقتا وخانتا الرسولين لم يغن الرسولان عنهما، بحق ما بينهما وبينهما من وصلة الزواج، إغناء ما من عذاب الله، ومثل حال المؤمنين في وصلة الكافرين لا تضرهم، ولا تنقص شيئا من ثوابهم وزلفاهم عند الله بحال امرأة
فرعون ومنزلتها عند الله تعالى مع كونها زوجة أعدى أعداء الله، الناطق بالكلمة العظمى.
ومريم ابنة عمران ، وما أوتيت من كرامة الدنيا والآخرة والاصطفاء على نساء العالمين، مع أن قومها كانوا كفارا. وفي طي هذين التمثيلين تعريض بأمي المؤمنين المذكورتين في أول السورة، وما فرط منهما من التظاهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بما كرهه، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشده، لما في التمثيل من ذكر الكفر. ونحوه في التغليظ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97ومن كفر فإن الله غني عن العالمين وإشارة إلى أن من حقهما أن تكونا في الإخلاص والكمال فيه كمثل هاتين المؤمنتين، وأن لا تتكلا على أنهما زوجا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن ذلك الفضل لا ينفعهما إلا مع كونهما مخلصتين. والتعريض
nindex.php?page=showalam&ids=41بحفصة أرجح؛ لأن امرأة
لوط أفشت عليه كما أفشت
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة على رسول الله. وأسرار التنزيل ورموزه في كل باب، بالغة من اللطف والخفاء حدا يدق على تفطن العالم ويزل عن تبصره. انتهى.
الثاني: قال الإمام
ابن القيم في "أعلام الموقعين" اشتملت هذه الآيات على ثلاثة أمثال: مثل للكفار، ومثلين للمؤمنين.
فتضمن مثل الكفار
nindex.php?page=treesubj&link=30551_30539أن الكافر يعاقب على كفره وعداوته لله ورسوله وأوليائه، ولا ينفعه مع كفره ما كان بينه وبين المؤمنين من لحمة نسب، أو وصلة صهر، أو سبب من
[ ص: 5871 ] أسباب الاتصال؛ فإن الأسباب كلها تنقطع يوم القيامة، إلا ما كان منها متصلا بالله وحده على أيدي رسله، فلو نفعت وصلة القرابة والمصاهرة أو النكاح، مع عدم الإيمان، لنفعت الوصلة التي كانت بين
نوح ولوط وامرأتيهما. فلما لم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل: ادخلا النار مع الداخلين قطعت الآية حينئذ طمع من ركب معصية الله، وخالف أمره، ورجا أن ينفعه صلاح غيره من قريب أو أجنبي، ولو كان بينهما في الدنيا أشد الاتصال، فلا اتصال فوق اتصال البنوة والأبوة والزوجية، ولم يغن
نوح عن ابنه، ولا
إبراهيم عن أبيه، ولا نوح
ولوط عن امرأتيهما من الله شيئا; قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=3لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=19يوم لا تملك نفس لنفس شيئا
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=48واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق وهذا كله تكذيب لأطماع المشركين الباطلة، أن من تعلقوا به من دون الله، من قرابة أو صهر أو نكاح أو صحبة ينفعهم يوم القيامة، أو يجيرهم من عذاب الله أو يشفع لهم عند الله. وهذا أصل ضلال بني آدم وشركهم وهو الشرك الذي لا يغفره الله، وهو الذي بعث الله جميع رسله، وأنزل جميع كتبه، بإبطاله، ومحاربة أهله ومعاداتهم.
وأما المثلان اللذان للمؤمنين: فأحدهما
امرأة فرعون، ووجه المثل أن
nindex.php?page=treesubj&link=30531_29468اتصال المؤمن بالكافر لا يضره شيئا إذا فارقه في كفره وعمله، فمعصية الغير لا تضر المؤمن المطيع شيئا في الآخرة، وإن تضرر بها في الدنيا بسبب العقوبة التي تحل بأهل الأرض إذا أضاعوا أمر الله، فتأتي عامة. فلم يضر
امرأة فرعون اتصالها به، وهو أكفر الكافرين، ولم ينفع امرأة
نوح ولوط اتصالهما بهما، وهما رسولا رب العالمين.
المثل الثاني للمؤمنين:
مريم، التي لا زوج لها، لا مؤمن ولا كافر.
[ ص: 5872 ] فذكر ثلاثة أصناف النساء: المرأة الكافرة التي لها وصلة بالرجل الصالح، والمرأة الصالحة التي لها وصلة بالرجل الكافر، والمرأة العزب التي لا وصلة بينهما وبين أحد، فالأولى لا تنفعها وصلتها وسببه، والثانية لا تضرها وصلتها وسببها، والثالثة لا يضرها عدم الوصلة شيئا.
ثم في هذه الأمثال من الأسرار البديعة ما يناسب سياق السورة؛ فإنها سيقت في ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، والتحذير من تظاهرهن عليه، وأنهن إن لم يطعن الله ورسوله، ويردن الدار الآخرة، لم ينفعهن اتصالهن برسول الله صلى الله عليه وسلم، كما لم ينفع امرأة
نوح ولوط اتصالهما بهما، ولهذا إنما ضرب في هذه السورة مثل اتصال النكاح دون القرابة.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=17317يحيى بن سلام : ضرب الله المثل الأول يحذر
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة ، ثم ضرب لهما المثل الثاني يحرضهما على التمسك بالطاعة. وفي ضرب المثل للمؤمنين بمريم اعتبار آخر: وهو أنها لم يضرها عند الله شيئا، قذف أعداء الله اليهود لها، ونسبتهم إياها وابنها إلى ما برأها الله عنه، مع كونها الصديقة الكبرى المصطفاة على نساء العالمين، فلا يضر الرجل الصالح قدح الفجار والفساق فيه.
وفي هذه تسلية
nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة أم المؤمنين إن كانت السورة نزلت بعد قصة الإفك، وتوطين نفسها على ما قال فيها الكاذبون، إن كانت قبلها. كما في ذكر التمثيل بامرأة
نوح ولوط تحذير لها
nindex.php?page=showalam&ids=41ولحفصة مما اعتمدتاه في حق النبي صلى الله عليه وسلم. فتضمنت هذه الأمثال التحذير لهن، والتخويف والتحريض لهن على الطاعة والتوحيد والتسلية وتوطين النفس لمن أوذي منهن وكذب عليه. وأسرار التنزيل فوق هذا وأجل منه، ولاسيما أسرار الأمثال التي لا يعقلها إلا العالمون. انتهى.
الثالث: قال
القاشاني: بين تعالى أن الوصل الطبيعية، والاتصالات الصورية غير معتبرة في الأمور الأخروية، بل المحبة الحقيقية، والاتصالات الروحانية، هي المؤثرة فحسب. والصورية التي بحسب اللحمة الطبيعية والخلطة والمعاشرة لا يبقى لها أثر فيما بعد الموت، ولا تكون إلا في الدنيا، بالتمثيلين المذكورين. وإن المعتبر في استحقاق الكرامة عند الله هو العمل الصالح، والاعتقاد الحق، كإحصان مريم، وتصديقها بكلمات ربها، وطاعتها المعدة إياها
[ ص: 5873 ] لقبول نفخ روح الله فيها. وقد يلوح بينهما أن النفس الخائنة التي لا تفي بالطاعة، ولا تحفظ الأسرار، وتبيح المخالفة، داخلة في نار الحرمان، وجحيم الهجران مع المحجوبين، ولا تغني هداية الروح عنها شيئا من الإغناء في باب العذاب، وأن القلب المقهور تحت استيلاء النفس الأمارة الفرعونية، الطالب للخلاص بالالتجاء إلى الحق الذي قويت فيه قوة محبة الله لصفائه، وضعفت قوة قهره للنفس والشيطان لعجزه وضعفه، لا يبقى في العذاب بمجاورتها حينا، وتألم بأفعالها برهة. وأن النفس المتزينة بفضيلة العفة المشار إليها بإحصان الفرج، هي القابلة لفيض روح القدس المتنورة بنور الروح المصدقة بكلمات الرب، من العقائد الحكمية، والشرائع الإلهية، المطيعة لله مطلقا، علما وعملا، سرا وجهرا. انتهى ملخصا.
الرابع: في "الإكليل": استدل بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=11امرأت فرعون على
nindex.php?page=treesubj&link=11447_11448صحة أنكحة الكفار. أقول: ويستدل بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=10امرأت نوح وامرأت لوط إلى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=10فخانتاهما على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=26107استدامة الرجل الصالح نكاح امرأته الفاسقة العاصية، وعلى أن استبقاءها بدون مفارقة لا يعد من قلة التورع، وهو جلي. ويستدل بذلك أيضا على أن
nindex.php?page=treesubj&link=11005نكاح المشركات كان جائزا في شرع من قبلنا، وقد حظره الإسلام أشد الحظر، كما مر في آيات عديدة.
الخامس: قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير في قوله تعالى عن حكاية امرأة فرعون:
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=11رب ابن لي عندك بيتا في الجنة قال العلماء: اختارت الجار قبل الدار، وقد ورد شيء من ذلك في حديث مرفوع.
السادس: قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : في دعاء
امرأة فرعون دليل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=17408_32498_28970الاستعاذة بالله، والالتجاء إليه، ومسألة الخلاص منه عند المحن والنوازل من سير الصالحين، وسنن الأنبياء والمرسلين
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=118فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=85ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=86ونجنا برحمتك من القوم الكافرين
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
[11 - 12]
nindex.php?page=treesubj&link=31914_32063_33179_34513_29037nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=11وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=treesubj&link=19513_31979_31981_34513_29037nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=11وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أَيْ: مِنْ عَمَلِهِمْ وَعَذَابِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا أَيْ: حَفِظَتْهُ وَصَانَتْهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا يَعْنِي
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَوْ مَنْ رُوحٍ خَلَقْنَاهُ بِلَا تَوَسُّطٍ، وَهُوَ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا أَيْ: بِصُحُفِهِ الْمَنَزَّلَةِ مِنْ عِنْدِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12وَكُتُبِهِ أَيِ: الْمُوحَاةِ. وَالْعَطْفُ لِلتَّفْسِيرِ، أَوِ الْكَلِمَاتُ أَعَمُّ مِنَ الْمَكْتُوبِ وَالْمَحْفُوظِ مِنْ أَوَامِرِهِ وَوَصَايَاهُ الْمُتَوَارَثَةِ، وَالْكُتُبُ خَاصَّةٌ بِالْمَخْطُوطِ مِنَ الْأَسْفَارِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ أَيْ: مِنَ الْمُوَاظِبِينَ عَلَى الطَّاعَةِ لِلَّهِ، وَالْخُضُوعِ لِأَحْكَامِهِ. وَالتَّذْكِيرُ لِلتَّغْلِيبِ.
تَنْبِيهَاتٌ:
الْأَوَّلُ: قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : مَثَّلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَالَ الْكُفَّارِ فِي أَنَّهُمْ يُعَاقَبُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ
[ ص: 5870 ] وَعَدَاوَتِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ مُعَاقَبَةَ مِثْلِهِمْ، مِنْ غَيْرِ إِبْقَاءٍ وَلَا مُحَابَاةٍ وَلَا يَنْفَعُهُمْ مَعَ عَدَاوَتِهِمْ لَهُمْ مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ مِنْ لُحْمَةٍ وَنَسَبٍ، أَوْ وَصْلَةِ صِهْرٍ؛ لِأَنَّ عَدَاوَتَهُمْ لَهُمْ، وَكُفْرَهُمْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، قَطْعُ الْعَلَائِقِ، وَبَتُّ الْوَصْلِ، وَجَعْلُهُمْ أَبْعَدَ مِنَ الْأَجَانِبِ وَأَبْعَدَ، وَإِنْ كَانَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ الْكَافِرُ نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ، بِحَالِ امْرَأَةِ
نُوحٍ وَامْرَأَةِ
لُوطٍ لَمَّا نَافَقَتَا وَخَانَتَا الرَّسُولَيْنِ لَمْ يُغْنِ الرَّسُولَانِ عَنْهُمَا، بِحَقِّ مَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُمَا مِنْ وَصْلَةِ الزَّوَاجِ، إِغْنَاءً مَا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَمَثَّلَ حَالَ الْمُؤْمِنِينَ فِي وَصْلَةِ الْكَافِرِينَ لَا تَضُرُّهُمْ، وَلَا تَنْقُصُ شَيْئًا مِنْ ثَوَابِهِمْ وَزُلْفَاهُمْ عِنْدَ اللَّهِ بِحَالِ امْرَأَةِ
فِرْعَوْنَ وَمَنْزِلَتِهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ كَوْنِهَا زَوْجَةَ أَعْدَى أَعْدَاءِ اللَّهِ، النَّاطِقِ بِالْكَلِمَةِ الْعُظْمَى.
وَمَرْيَمَ ابْنَةِ عِمْرَانَ ، وَمَا أُوتِيَتْ مِنْ كَرَامَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالِاصْطِفَاءِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، مَعَ أَنَّ قَوْمَهَا كَانُوا كُفَّارًا. وَفِي طَيٍّ هَذَيْنِ التَّمْثِيلَيْنِ تَعْرِيضٌ بِأُمَّيِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، وَمَا فَرَطَ مِنْهُمَا مِنَ التَّظَاهُرِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَا كَرِهَهُ، وَتَحْذِيرٌ لَهُمَا عَلَى أَغْلَظِ وَجْهٍ وَأَشُدِّهِ، لِمَا فِي التَّمْثِيلِ مِنْ ذِكْرِ الْكُفْرِ. وَنَحْوَهُ فِي التَّغْلِيظِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مِنْ حَقِّهِمَا أَنْ تَكُونَا فِي الْإِخْلَاصِ وَالْكَمَالِ فِيهِ كَمَثَلِ هَاتَيْنِ الْمُؤْمِنَتَيْنِ، وَأَنْ لَا تَتَّكِلَا عَلَى أَنَّهُمَا زَوْجَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ الْفَضْلَ لَا يَنْفَعُهُمَا إِلَّا مَعَ كَوْنِهِمَا مُخْلِصَتَيْنِ. وَالتَّعْرِيضُ
nindex.php?page=showalam&ids=41بِحَفْصَةَ أَرْجَحُ؛ لِأَنَّ امْرَأَةَ
لُوطٍ أَفْشَتْ عَلَيْهِ كَمَا أَفْشَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=41حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ. وَأَسْرَارُ التَّنْزِيلِ وَرُمُوزُهُ فِي كُلِّ بَابٍ، بَالِغَةٌ مِنَ اللُّطْفِ وَالْخَفَاءِ حَدًّا يَدِقُّ عَلَى تَفَطُّنِ الْعَالِمِ وَيَزِلُّ عَنْ تَبَصُّرِهِ. انْتَهَى.
الثَّانِي: قَالَ الْإِمَامُ
ابْنُ الْقَيِّمِ فِي "أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ" اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْثَالٍ: مَثَلٍ لِلْكُفَّارِ، وَمَثَلَيْنِ لِلْمُؤْمِنِينَ.
فَتَضَمَّنَ مَثَلُ الْكُفَّارِ
nindex.php?page=treesubj&link=30551_30539أَنَّ الْكَافِرَ يُعَاقَبُ عَلَى كُفْرِهِ وَعَدَاوَتِهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، وَلَا يَنْفَعُهُ مَعَ كُفْرِهِ مَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ لُحْمَةِ نَسَبٍ، أَوْ وَصْلَةِ صِهْرٍ، أَوْ سَبَبٍ مِنْ
[ ص: 5871 ] أَسْبَابِ الِاتِّصَالِ؛ فَإِنَّ الْأَسْبَابَ كُلَّهَا تَنْقَطِعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْهَا مُتَّصِلًا بِاللَّهِ وَحْدَهُ عَلَى أَيْدِي رُسُلِهِ، فَلَوْ نَفَعَتْ وَصْلَةُ الْقَرَابَةِ وَالْمُصَاهَرَةِ أَوِ النِّكَاحِ، مَعَ عَدَمِ الْإِيمَانِ، لَنَفَعَتِ الْوَصْلَةُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ
نُوحٍ وَلُوطٍ وَامْرَأَتَيْهِمَا. فَلَمَّا لَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ: ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ قَطَعَتِ الْآيَةُ حِينَئِذٍ طَمَعَ مَنْ رَكِبَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ، وَخَالَفَ أَمْرَهُ، وَرَجَا أَنْ يَنْفَعَهُ صَلَاحُ غَيْرِهِ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا فِي الدُّنْيَا أَشَدُّ الِاتِّصَالِ، فَلَا اتِّصَالَ فَوْقَ اتِّصَالِ الْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ وَالزَّوْجِيَّةِ، وَلَمْ يُغْنِ
نُوحٌ عَنِ ابْنِهِ، وَلَا
إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِيهِ، وَلَا نُوحٌ
وَلُوطٌ عَنِ امْرَأَتَيْهِمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا; قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=3لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=19يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=48وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=33وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَهَذَا كُلُّهُ تَكْذِيبٌ لِأَطْمَاعِ الْمُشْرِكِينَ الْبَاطِلَةِ، أَنَّ مَنْ تَعَلَّقُوا بِهِ مَنْ دُونِ اللَّهِ، مِنْ قَرَابَةٍ أَوْ صِهْرٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ صُحْبَةٍ يَنْفَعُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَوْ يُجِيرُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ يَشْفَعُ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ. وَهَذَا أَصْلُ ضَلَالِ بَنِي آدَمَ وَشِرْكِهِمْ وَهُوَ الشِّرْكُ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ، وَهُوَ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ جَمِيعَ رُسُلِهِ، وَأَنْزَلَ جَمِيعَ كُتُبِهِ، بِإِبْطَالِهِ، وَمُحَارَبَةِ أَهْلِهِ وَمُعَادَاتِهِمْ.
وَأَمَّا الْمَثَلَانِ اللَّذَانِ لِلْمُؤْمِنِينَ: فَأَحَدُهُمَا
امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَوَجْهُ الْمَثَلِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30531_29468اتِّصَالَ الْمُؤْمِنِ بِالْكَافِرِ لَا يَضُرُّهُ شَيْئًا إِذَا فَارَقَهُ فِي كُفْرِهِ وَعَمَلِهِ، فَمَعْصِيَةُ الْغَيْرِ لَا تَضُرُّ الْمُؤْمِنَ الْمُطِيعَ شَيْئًا فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهَا فِي الدُّنْيَا بِسَبَبِ الْعُقُوبَةِ الَّتِي تَحِلُّ بِأَهْلِ الْأَرْضِ إِذَا أَضَاعُوا أَمْرَ اللَّهِ، فَتَأْتِي عَامَّةً. فَلَمْ يَضُرَّ
امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ اتِّصَالُهَا بِهِ، وَهُوَ أَكْفَرُ الْكَافِرِينَ، وَلَمْ يَنْفَعِ امْرَأَةَ
نُوحٍ وَلُوطٍ اتِّصَالُهُمَا بِهِمَا، وَهُمَا رَسُولَا رَبِّ الْعَالَمِينَ.
الْمَثَلُ الثَّانِي لِلْمُؤْمِنِينَ:
مَرْيَمُ، الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا، لَا مُؤْمِنَ وَلَا كَافِرَ.
[ ص: 5872 ] فَذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَصْنَافِ النِّسَاءِ: الْمَرْأَةَ الْكَافِرَةُ الَّتِي لَهَا وَصْلَةٌ بِالرَّجُلِ الصَّالِحِ، وَالْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ الَّتِي لَهَا وَصْلَةٌ بِالرَّجُلِ الْكَافِرِ، وَالْمَرْأَةِ الْعِزَبِ الَّتِي لَا وَصْلَةَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أَحَدٍ، فَالْأُولَى لَا تَنْفَعُهَا وَصْلَتُهَا وَسَبَبُهُ، وَالثَّانِيَةُ لَا تَضُرُّهَا وَصْلَتُهَا وَسَبَبُهَا، وَالثَّالِثَةُ لَا يَضُرُّهَا عَدَمُ الْوَصْلَةِ شَيْئًا.
ثُمَّ فِي هَذِهِ الْأَمْثَالِ مِنَ الْأَسْرَارِ الْبَدِيعَةِ مَا يُنَاسِبُ سِيَاقَ السُّورَةِ؛ فَإِنَّهَا سِيقَتْ فِي ذِكْرِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّحْذِيرِ مِنْ تَظَاهُرِهِنَّ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُنَّ إِنْ لَمْ يُطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُرِدْنَ الدَّارَ الْآخِرَةَ، لَمْ يَنْفَعْهُنَّ اتِّصَالُهُنَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا لَمْ يَنْفَعِ امْرَأَةَ
نُوحٍ وَلُوطٍ اتِّصَالُهُمَا بِهِمَا، وَلِهَذَا إِنَّمَا ضَرَبَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مَثَلَ اتِّصَالِ النِّكَاحِ دُونَ الْقَرَابَةِ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17317يَحْيَى بْنُ سَلَامٍ : ضَرَبَ اللَّهُ الْمَثَلَ الْأَوَّلَ يُحَذِّرُ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ nindex.php?page=showalam&ids=41وَحَفْصَةَ ، ثُمَّ ضَرَبَ لَهُمَا الْمَثَلَ الثَّانِيَ يُحَرِّضُهُمَا عَلَى التَّمَسُّكِ بِالطَّاعَةِ. وَفِي ضَرْبِ الْمَثَلِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْيَمَ اعْتِبَارٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهَا لَمْ يَضُرَّهَا عِنْدَ اللَّهِ شَيْئًا، قَذْفُ أَعْدَاءِ اللَّهِ الْيَهُودِ لَهَا، وَنِسْبَتُهُمْ إِيَّاهَا وَابْنَهَا إِلَى مَا بَرَّأَهَا اللَّهُ عَنْهُ، مَعَ كَوْنِهَا الصِّدِّيقَةَ الْكُبْرَى الْمُصْطَفَاةَ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، فَلَا يَضُرُّ الرَّجُلَ الصَّالِحَ قَدْحُ الْفُجَّارِ وَالْفُسَّاقِ فِيهِ.
وَفِي هَذِهِ تَسْلِيَةٌ
nindex.php?page=showalam&ids=25لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ كَانَتِ السُّورَةُ نَزَلَتْ بَعْدَ قِصَّةِ الْإِفْكِ، وَتَوْطِينِ نَفْسِهَا عَلَى مَا قَالَ فِيهَا الْكَاذِبُونَ، إِنْ كَانَتْ قَبْلَهَا. كَمَا فِي ذِكْرِ التَّمْثِيلِ بِامْرَأَةِ
نُوحٍ وَلُوطٍ تَحْذِيرٌ لَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=41وَلِحَفْصَةَ مِمَّا اعْتَمَدَتَاهُ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْأَمْثَالُ التَّحْذِيرَ لَهُنَّ، وَالتَّخْوِيفَ وَالتَّحْرِيضَ لَهُنَّ عَلَى الطَّاعَةِ وَالتَّوْحِيدِ وَالتَّسْلِيَةِ وَتَوْطِينِ النَّفْسِ لِمَنْ أُوذِيَ مِنْهُنَّ وَكُذِبَ عَلَيْهِ. وَأَسْرَارُ التَّنْزِيلِ فَوْقَ هَذَا وَأَجَلُّ مِنْهُ، وَلَاسِيَّمَا أَسْرَارُ الْأَمْثَالِ الَّتِي لَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ. انْتَهَى.
الثَّالِثُ: قَالَ
الْقَاشَانِيُّ: بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْوُصُلَ الطَّبِيعِيَّةَ، وَالِاتِّصَالَاتِ الصُّورِيَّةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ، بَلِ الْمَحَبَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ، وَالِاتِّصَالَاتُ الرُّوحَانِيَّةُ، هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فَحَسْبُ. وَالصُّورِيَّةُ الَّتِي بِحَسَبِ اللُّحْمَةِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالْخُلْطَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ لَا يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَا تَكُونُ إِلَّا فِي الدُّنْيَا، بِالتَّمْثِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ. وَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَالِاعْتِقَادُ الْحَقُّ، كَإِحْصَانِ مَرْيَمَ، وَتَصْدِيقِهَا بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا، وَطَاعَتِهَا الْمُعَدِّةِ إِيَّاهَا
[ ص: 5873 ] لِقَبُولِ نَفْخِ رُوحِ اللَّهِ فِيهَا. وَقَدْ يَلُوحُ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّفْسَ الْخَائِنَةَ الَّتِي لَا تَفِي بِالطَّاعَةِ، وَلَا تَحْفَظُ الْأَسْرَارَ، وَتُبِيحُ الْمُخَالَفَةَ، دَاخِلَةٌ فِي نَارِ الْحِرْمَانِ، وَجَحِيمِ الْهِجْرَانِ مَعَ الْمَحْجُوبِينَ، وَلَا تُغْنِي هِدَايَةُ الرُّوحِ عَنْهَا شَيْئًا مِنَ الْإِغْنَاءِ فِي بَابِ الْعَذَابِ، وَأَنَّ الْقَلْبَ الْمَقْهُورَ تَحْتَ اسْتِيلَاءِ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ الْفِرْعَوْنِيَّةِ، الطَّالِبِ لِلْخَلَاصِ بِالِالْتِجَاءِ إِلَى الْحَقِّ الَّذِي قَوِيَتْ فِيهِ قُوَّةُ مَحَبَّةِ اللَّهِ لِصَفَائِهِ، وَضَعُفَتْ قُوَّةُ قَهْرِهِ لِلنَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ لِعَجْزِهِ وَضَعْفِهِ، لَا يَبْقَى فِي الْعَذَابِ بِمُجَاوَرَتِهَا حِينًا، وَتَأْلَمُ بِأَفْعَالِهَا بُرْهَةً. وَأَنَّ النَّفْسَ الْمُتَزَيِّنَةَ بِفَضِيلَةِ الْعِفَّةِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا بِإِحْصَانِ الْفَرْجِ، هِيَ الْقَابِلَةُ لِفَيْضِ رُوحِ الْقُدُسِ الْمُتَنَوِّرَةِ بِنُورِ الرُّوحِ الْمُصَدَّقَةِ بِكَلِمَاتِ الرَّبِّ، مِنَ الْعَقَائِدِ الْحِكَمِيَّةِ، وَالشَّرَائِعِ الْإِلَهِيَّةِ، الْمُطِيعَةِ لِلَّهِ مُطْلَقًا، عِلْمًا وَعَمَلًا، سِرًّا وَجَهْرًا. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
الرَّابِعُ: فِي "الْإِكْلِيلِ": اسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=11امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=11447_11448صِحَّةِ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ. أَقُولُ: وَيُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=10امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ إِلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=10فَخَانَتَاهُمَا عَلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=26107اسْتِدَامَةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ نِكَاحَ امْرَأَتِهِ الْفَاسِقَةِ الْعَاصِيَةِ، وَعَلَى أَنَّ اسْتِبْقَاءَهَا بِدُونِ مُفَارَقَةٍ لَا يُعَدُّ مِنْ قِلَّةِ التَّوَرُّعِ، وَهُوَ جَلِيٌّ. وَيُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ أَيْضًا عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=11005نِكَاحَ الْمُشْرِكَاتِ كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا، وَقَدْ حَظَرَهُ الْإِسْلَامُ أَشَدَّ الْحَظْرِ، كَمَا مَرَّ فِي آيَاتٍ عَدِيدَةٍ.
الْخَامِسُ: قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ حِكَايَةِ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=11رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ: اخْتَارَتِ الْجَارَ قَبْلَ الدَّارِ، وَقَدْ وَرَدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ.
السَّادِسُ: قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فِي دُعَاءِ
امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=17408_32498_28970الِاسْتِعَاذَةَ بِاللَّهِ، وَالِالْتِجَاءَ إِلَيْهِ، وَمَسْأَلَةِ الْخَلَاصِ مِنْهُ عِنْدَ الْمِحَنِ وَالنَّوَازِلِ مِنْ سِيَرِ الصَّالِحِينَ، وَسُنَنِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=118فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=85رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=86وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ