القول في تأويل قوله تعالى : 
[ 110 ] كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون    . 
كنتم خير أمة أخرجت للناس  كلام مستأنف سيق لتثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الاتفاق على الحق ، والدعوة إلى الخير ، و : كنتم  من ( كان ) التامة ، والمعنى : وجدتم وخلقتم خير أمة ، أو ( الناقصة ) والمعنى كنتم في علم الله خير أمة ، أو في الأمم الذين كانوا قبلكم مذكورين بأنكم خير أمة و : أخرجت للناس  صفة لأمة ، واللام متعلقة بـ : أخرجت  أي : أظهرت لهم حتى تميزت وعرفت ، وفصل بينها وبين غيرها .  [ ص: 936 ] ثم بين وجه الخيرية بما لم يحصل مجموعه لغيرهم بقوله : تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله  فبهذه الصفات فضلوا على غيرهم ممن قال تعالى فيهم : كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون  ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض  قال أبو السعود :  وتؤمنون بالله  أي : إيمانا متعلقا بكل ما يجب أن يؤمن به من رسول وكتاب ، وحساب وجزاء . وإنما لم يصرح به تفصيلا لظهور أنه الذي يؤمن به المؤمنون ، وللإيذان بأنه هو الإيمان بالله تعالى حقيقة ، وأن ما خلا عن شيء من ذلك كإيمان أهل الكتاب ليس من الإيمان به تعالى من شيء . قال تعالى : ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا  أولئك هم الكافرون حقا  وإنما أخر ذلك عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مع تقدمه عليهما وجودا ورتبة ، لأن دلالتهما على خيريتهم للناس أظهر من دلالته عليها وليقترن به ما بعده - انتهى - . 
روى  ابن جرير  أن  عمر بن الخطاب   - رضي الله عنه - رأى من الناس رعة ، فقرأ هذه الآية : كنتم خير أمة أخرجت للناس  ثم قال : من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد  [ ص: 937 ] شرط الله فيها . ونظير هذه الآية قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا  أي : خيارا : لتكونوا شهداء على الناس  أي : بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . 
وقد روي في معنى الآية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث وافرة ، منها ما أخرجه الإمام  أحمد   والترمذي   والحاكم  عن معاوية بن حيدة  ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « ألا إنكم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله - عز وجل - »  . قال  ابن كثير :  وهو حديث مشهور ، وقد حسنه  الترمذي ،  ويروى من حديث  معاذ بن جبل   وأبي سعيد  ونحوه . وإنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات بنبيها محمد   - صلى الله عليه وسلم - فإنه أشرف خلق الله ، وأكرم الرسل على الله ، وبعثه الله بشرع كامل عظيم ، لم يعطه نبي قبله ، ولا رسول من الرسل ، فالعمل على منهاجه وسبيله ، يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه . وقد ذكر الحافظ ابن كثير  ههنا حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ، وساق طرقه ومخرجيه فأجاد - رحمه الله تعالى - . 
ولو آمن أهل الكتاب  أي : بما أنزل على محمد   - صلى الله عليه وسلم - : لكان خيرا لهم  أي : مما هم عليه ، إشارة إلى تسفيه أحلامهم في وقوفهم مع ما منعهم عن الإيمان من العوض القليل الفاني والرياسة التافهة ، وتركهم الغنى الدائم ، والعز الباهر . ولما كان هذا ربما أوهم أنه لم يؤمن منهم أحد قال مستأنفا : منهم المؤمنون  أي : بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم ولكنهم قليل : وأكثرهم الفاسقون  ولما كانت مخالفة الأكثر قاصمة ، خفف سبحانه عن أوليائه بقوله : 
				
						
						
