القول في تأويل قوله تعالى:
[ 6 - 10 ] يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة أبصارها خاشعة يقولون أإنا لمردودون في الحافرة
يوم ترجف الراجفة أي: الواقعة التي ترجف عندها الأجرام الساكنة، أي: تتحرك حركة شديدة وتتزلزل فالإسناد إليها مجازي لأنها سببه، أو التجوز في الطرف يجعل سبب الرجف راجفا، أو الراجفة الأجرام الساكنة التي تشتد حركتها حينئذ كالأرض والجبال; فتسميتها راجفة باعتبار الأول. قال زلزلة عظيمة، الشهاب: ولو فسرت الراجفة بالمحركة جاز، وكان حقيقة; لأن (رجف) يكون بمعنى حرك وتحرك.
تتبعها الرادفة أي: السماء وما فيها، تردفها فتنشق وتنتثر الكواكب، ولوقوع ذلك فيها بعد الرجفة الأولى جعلت رادفة لها، أو الرادفة لبعث يوم القيامة. النفخة الثانية
قال هما النفختان: أما الأولى فتميت الأحياء، وأما الثانية فتحيي الموتى، ثم تلا الحسن: الحسن:
ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء [ ص: 6046 ] الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون قلوب يومئذ واجفة أي: شديدة الاضطراب، خوفا من عظيم الهول النازل.
أبصارها خاشعة أي: أبصار أهلها ذليلة، مما قد علاها من الكآبة والحزن، من الخوف والرعب.
وقوله تعالى: يقولون أإنا لمردودون في الحافرة قال : أي: يقول هؤلاء ابن جرير من مشركي قريش -إذا قيل لهم: إنكم مبعوثون من بعد الموت-: أئنا لمردودون إلى حالنا الأولى قبل الممات، فراجعون أحياء كما كنا؟ وقال المكذبون بالبعث أبو السعود: حكاية لما يقوله المنكرون للبعث المكذبون بالآيات الناطقة به، إثر بيان وقوعه بطريق التوكيد القسمي، وذكر مقدماته الهائلة وما يعرض عند وقوعها للقلوب والأبصار. أي: يقولون -إذا قيل لهم: إنكم تبعثون منكرين له متعجبين منه-: أئنا لمردودون بعد موتنا في الحافرة؟ أي: في الحالة الأولى. يعنون الحياة، من قولهم: رجع فلان في حافرته، أي: في طريقته التي جاء فيها فحفرها، أي: أثر فيها بمشيه. وتسميتها حافرة مع أنها محفورة كقوله تعالى: في عيشة راضية أي: منسوبة إلى الحفر والرضا، أو كقولهم: نهاره صائم، على تشبه القابل بالفاعل، أي: شبه القابل للفعل بمن يفعله، لتنزيله منزلته; فالاستعارة في الضمير المستتر، وإثبات الحافرية له تخييل.