القول في تأويل قوله تعالى:
[ 11 - 14 ] أإذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذا كرة خاسرة فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة
[ ص: 6047 ] أإذا كنا عظاما نخرة أي: بالية. وقرئ: ناخرة، من: نخر العظم، بلي، فصار يمر به الريح فيسمع له نخير.
وقوله تعالى: قالوا تلك إذا كرة خاسرة أي: ذات خسر، أو خاسرة أصحابها، أي: إن صحت فنحن إذا خاسرون. قال ابن زيد : وأي كرة أخسر منها؟ أحيوا ثم صاروا إلى النار، فكانت كرة سوء. وقال أبو السعود: هذا حكاية لكفر آخر لهم، متفرع على كفرهم السابق، ولعل توسيط "قالوا" بينهما للإيذان بأن صدور هذا الكفر عنهم ليس بطريق الاطراد والاستمرار، مثل كفرهم السابق المستمر صدوره عنها في كافة أوقاتهم، حسبما ينبئ عنه حكايته بصيغة المضارع، أي: قالوا ذلك بطريق الاستهزاء، مشيرين إلى ما أنكروه من الردة في الحافرة.
وقوله تعالى: فإنما هي زجرة واحدة تعليل لمقدر يقتضيه إنكارهم لإحياء العظام النخرة التي عبروا عنها بالكرة، فإن مداره لما كان استصعابهم إياها، رد عليهم ذلك، فقيل: لا تستصعبوها فإنما هي صيحة واحدة، أي: حاصلة بصيحة واحدة وهي النفخة الثانية. وفيه تهوين لأمر الإعادة على وجه بليغ لطيف.
فإذا هم بالساهرة أي: على ظهر الأرض أحياء.
قال : والعرب تسمي الفلاة ووجه الأرض ساهرة، قال: وأراهم سموا ذلك بها لأن فيه نوم الحيوان وسهرها; فوصف بصفة ما فيه. وقيل: لأن السراب يجري فيها، من قولهم: عين ساهرة، للتي يجري ماؤها، وفي ضدها نائمة. والسهر على الأول بمعناه المعروف، والتجوز في الإسناد. ابن جرير
وفي الثاني مجاز على المجاز، لشهرة الأول التي ألحقته بالحقيقة. ثم ذكر سبحانه الكفرة ما حل بمن هو أشد منهم قوة لما طغوا; ترهيبا وإنذارا، بقوله تعالى:
[ ص: 6048 ]