القول في تأويل قوله تعالى:
[ 17 - 22 ] هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ
هل أتاك حديث الجنود أي: الذين تجندوا على الرسل بأذاهم.
قال : أي: قد أتاك ذلك وعلمته، فاصبر لأذى قومك وإياك لما نالوك به من مكروه، كما صبر الذين تجند هؤلاء الجنود عليهم من رسلي، ولا يثنينك عن تبليغهم رسالتي كما لم يثن الذين أرسلوا إلى هؤلاء; فإن عاقبة من لم يصدقك ويؤمن بك منهم إلى عطب وهلاك، كالذي كان من هؤلاء الجنود، فالجملة -كما قال ابن جرير أبو السعود- استئناف مقرر لشدة وكونه (فعالا لما يريد) متضمن لتسليته صلى الله عليه وسلم بالإشعار بأنه سيصيب قومه ما أصاب الجنود. بطشه تعالى [ ص: 6119 ] بالظلمة العصاة، والكفرة العتاة
وقوله تعالى: فرعون وثمود بدل من "الجنود" لأن المراد بفرعون هو وقومه، واكتفى بذكره عنهم لأنهم أتباعه. والمراد بحديثهم ما صدر عنهم من وما حل بهم من العذاب والنكال. التمادي في الكفر والضلال
بل الذين كفروا في تكذيب أي: للحق والوحي، مع وضوح آياته وظهور بيناته; عنادا وبغيا. والإضراب انتقالي للأشد، كأنه قيل: ليس حال فرعون وثمود بأعجب من حال قومك، فإنهم مع علمهم بما حل بهم، لم ينزجروا، وفي جعلهم في تكذيب إشارة إلى تمكنه من أنفسهم، وأنه لشدته أحاط بهم إحاطة الظرف بمظروفه أو البحر بالغريق فيه، مع ما في تنكيره من الدلالة على تعظيمه وتهويله.
والله من ورائهم محيط أي: محص عليهم أعمالهم لا يخفى عليه منها شيء، وهو مجازيهم على جميعها. فاللفظ كناية عما ذكر. أو المراد وصف اقتداره عليهم وأنهم في قبضته وحوزته، كالمحاط إذا أحيط به من ورائه، فسد عليه مسلكه فلا يجد مهربا. ففيه استعارة تمثيلية.
قال الشهاب: وفيه تعريض توبيخي لهم بأنهم نبذوا الله وراء ظهورهم، وأقبلوا على الهوى والشهوات بوجوه انهماكهم، وقوله تعالى: بل هو قرآن مجيد أي: سام شريف لا يماثل في أسلوبه وهدايته.
في لوح محفوظ قرئ بالرفع صفة لـ "قرآن"، والجر صفة اللوح. قال : والمعنى على الأولى محفوظ من التغيير والتبديل في لوح، وعلى الثانية محفوظ من الزيادة فيه والنقصان منه، عما أثبته الله فيه. و "بل" إضراب عن شدة تكذيبهم وعدم كفهم عنه، إلى ابن جرير بما ذكر، للإشارة إلى أنه لا ريب فيه ولا يضره تكذيب هؤلاء; فإنه تعالى تولى حفظه وظهوره أبد الآبدين. وصف القرآن