الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      [ 117 ] مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون

                                                                                                                                                                                                                                      مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا من المكارم ويواسون فيه من المغارم : كمثل ريح فيها صر أي : برد شديد كالصرصر : أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي فباؤوا بغضب من الله : فأهلكته فكذا ريح الكفر إذا أصابت حرث إنفاق قومه تهلكه . فصار الظلم ريحا لحصوله من هوى النفس ذات برودة شديدة لكونه ظلم الكفر الذي هو الموت المعنوي فأهلكته - قاله المهايمي - .

                                                                                                                                                                                                                                      وما ظلمهم الله بإهلاك حرثهم بإرسال ريح من عنده : ولكن أنفسهم يظلمون بإرسال ريح الظلم الكفري على حرثهم الأخروي .

                                                                                                                                                                                                                                      لطائف :

                                                                                                                                                                                                                                      إن قيل : الغرض تشبيه ما أنفقوا في ضياعه ، بالحرث الذي ضربته الصر ، وقد جعل ما ينفقون ممثلا بالريح ، فما وجه المطابقة للغرض ؟ أجيب : بأن هذا من التشبيه المركب وهو ما حصلت فيه المشابهة بين ما هو المقصود من الجملتين ، وإن لم تحصل المشابهة بين أجزائيهما ، والمقصود : تشبيه الحال بالحال ؛ ويجوز أن يراد : مثل إهلاك ما ينفقون كمثل إهلاك ريح ، أو : مثل ما ينفقون كمثل مهلك ريح فتحصل المشابهة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 946 ] قال ناصر الدين في ( الانتصاف ) : والأقرب أن يقال أصل الكلام - والله أعلم - مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل حرث قوم ظلموا أنفسهم فأصابته ريح فيها صر فأهلكته ، ولكن خولف هذا النظم في المثل المذكور لفائدة جليلة ، وهو تقديم ما هو أهم ، لأن الريح التي هي مثل العذاب ، ذكرها في سياق الوعيد والتهديد أهم من ذكر الحرث . فقدمت عناية بذكرها ، واعتمادا على أن الأفهام الصحيحة تستخرج المطابقة برد الكلام إلى أصله على أيسر وجه . ومثل هذا ، في تحويل النظم لمثل هذه الفائدة ، قوله تعالى : فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما الآية . ومثله أيضا : أعددت هذه الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه ، والأصل : أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت . وأن أدعم بها الحائط إذا مال ، وأمثال ذلك كثيرة ، والله الموفق .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 947 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية