[ ص: 6180 ] بسم الله الرحمن الرحيم
93- سورة الضحى
مكية وآيها إحدى عشرة.
لطيفة:
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير :
روينا من طريق أبي الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بزة المقرئ قال: قرأت على عكرمة بن سليمان، وأخبرني أنه قرأ على إسماعيل بن قسطنطين وشبل بن عباد. فلما بلغت (والضحى) قال لي: كبر حتى تختم مع خاتمة كل سورة. فإنا قرأنا على nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير فأمرنا بذلك. وأخبرنا أنه قرأ على nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد فأمره بذلك، وأخبره nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أنه قرأ على nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فأمره بذلك. وأخبره nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قرأ على nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب فأمره بذلك، وأخبره أبي أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بذلك. فهذه سنة تفرد بها
أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله البزي ، من ولد
القاسم بن أبي بزة. وكان إماما في القراءات. وأما في الحديث فقد ضعفه
nindex.php?page=showalam&ids=11970أبو حاتم الرازي وقال: لا أحدث عنه. وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=14798أبو جعفر العقيلي ، قال: هو منكر الحديث.
لكن حكى الشيخ
شهاب الدين أبو شامة في (شرح الشاطبية) عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه سمع رجلا يكبر هذا التكبير في الصلاة، فقال: أحسنت وأصبت السنة. وهذا يقتضي صحة هذا الحديث. ثم اختلف القراء في موضع هذا التكبير وكيفيته. فقال بعضهم:
يكبر من آخر
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=1والليل إذا يغشى وقال آخرون: من آخر
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=1والضحى وكيفية التكبير عند بعضهم أن يقول (الله أكبر) ويقتصر، ومنهم من يقول (الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر) وذكر القراء في مناسبة التكبير من أول سورة الضحى،
أنه لما تأخر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتر تلك المدة، ثم جاء الملك فأوحى إليه "والضحى والليل إذا سجى" السورة بتمامها، كبر فرحا وسرورا، ولم يرو ذلك بإسناد يحكم عليه بصحة ولا ضعف. فالله أعلم.
[ ص: 6181 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى:
[ 1- 5 ]
nindex.php?page=treesubj&link=33062_29064nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=1والضحى nindex.php?page=treesubj&link=32440_33062_29064nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=2والليل إذا سجى nindex.php?page=treesubj&link=30602_34513_29064nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=3ما ودعك ربك وما قلى nindex.php?page=treesubj&link=29497_30614_34306_29064nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=4وللآخرة خير لك من الأولى nindex.php?page=treesubj&link=19624_30614_31034_34513_29064nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=5ولسوف يعطيك ربك فترضى nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=1والضحى تقدم في سورة
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=1والشمس وضحاها تفسير الضحى بالضوء وارتفاع النهار ارتفاعا عاليا.
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=2والليل إذا سجى أي: اشتد ظلامه. وأصله من التسجية وهي التغطية، لستره بظلمته. كما في آية
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=10وجعلنا الليل لباسا nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=3ما ودعك ربك جواب القسم، أي: ما تركك وما قطعك قطع المودع.
قال
الشهاب في (العناية): فالتوديع مستعار استعارة تبعية للترك هنا، وفيه من اللطف والتعظيم ما لا يخفى; فإن الوداع إنما يكون بين الأحباب ومن تعز مفارقته، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=15155المتنبي :
حشاشة نفس ودعت يوم ودعوا فلم أدر أي الظاعنين أشيع
وقال في (شرح الشفاء): الوداع له معنيان في اللغة: الترك وتشييع المسافر، فإن فسر بالثاني هنا على طريق الاستعارة يكون فيه إيماء إلى أن الله لم يتركه أصلا، فإنه معه أينما كان. وإنما الترك لو تصور في جانبه، ظاهر مع دلالته بهذا المعنى على الرجوع; فالتوديع إنما يكون لمن يحب ويرجى عوده، وإليه أشار الأرجاني بقوله:
[ ص: 6182 ] إذا رأيت الوداع فاصبر ولا يهمنك البعاد
وانتظر العود عن قريب فإن قلب الوداع عادوا
فقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=3وما قلى مؤكد له. (قال): وهذا لم أر من ذكره مع غاية لطفه، وكلهم فسروه بالمعنى الأول. ولما رأوا صيغة الفعل تفيد زيادة المعنى والمبالغة فيه، فيقتضي الانقطاع التام، قالوا: إن المبالغة في النفي لا في المنفي فتركه لحكم عليه، لا لضرره بهجره، أو لنفي القيد والمقيد. وقرئ:
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=3ما ودعك بالتخفيف. وورد في الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=655594« شر الناس من ودعه الناس اتقاء فحشه » . وورد في الشعر، كقوله:
فكان ما قدموا لأنفسهم أعظم نفعا من الذي ودعوا
ولهذا قال في (المصباح) بهذا: اعلم أن قولهم في علم التصريف: أماتوا ماضي يدع ويذر خطأ، وجعله استعارة من الوديعة تعسف. انتهى.
وكذا قال في (المستوفي): إنه كله ورد في كلام العرب، ولا عبرة بكلام النحاة فيه، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، وإن كان نادرا. انتهى.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=3وما قلى أي: وما أبغضك. والقالي: المبغض. يعني ما هجرك عن بغض.
قال
الشهاب: وحذف مفعول "قلى" اختصارا للعلم به، وليجري على نهج الفواصل التي بعده، أو لئلا يخاطبه بما يدل على البغض.
تنبيه:
روى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير : عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=hadith&LINKID=890899« أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه القرآن أبطأ عنه جبريل أياما » [ ص: 6183 ] فعير بذلك; فقال المشركون: ودعه ربه وقلاه; فأنزل الله هذه الآية، وفي رواية: أن قائل ذلك امرأة أبي لهب، وفي أخرى أنها nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة رضي الله عنها. ولا تنافي، لاحتمال صدوره من الجميع، إلا أن قول المشركين وقول
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة -إن صح -توجع وتحزن- وفي رواية
إسماعيل مولى آل الزبير قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=890900فتر الوحي حتى شق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وأحزنه. فقال: « لقد خشيت أن يكون صاحبي قلاني » فجاء جبريل بسورة "والضحى". nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=4وللآخرة خير لك من الأولى قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير : أي: وللدار الآخرة وما أعد الله لك فيها، خير لك من الدار الدنيا وما فيها. يقول: فلا تحزن على ما فاتك منها، فإن الذي لك عند الله خير لك منها. وقال
القاضي: أو: لنهاية أمرك خير من بدايته. فإنه صلى الله عليه وسلم لا يزال يتصاعد في الرفعة والكمال.
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=5ولسوف يعطيك ربك فترضى أي: يعطيك من فواضل نعمه في العقبى حتى ترضى، وهذه عدة كريمة شاملة لما أعطاه الله تعالى في الدنيا من كمال النفس وعلوم الأولين والآخرين، وظهور الأمر وإعلاء الدين، بالفتوح الواقعة في عصره عليه الصلاة والسلام، وفي أيام خلفائه الراشدين وغيرهم من ملوك الإسلام، وفشو دعوته في مشارق الأرض ومغاربها، ولما ادخر له من الكرامات التي لا يعلمها إلا الله تعالى. وبالجملة فهذه الآية جامعة لوجوه الكرامة وأنواع السعادة وشتات الإنعام في الدارين، حيث أجمله ووكله إلى رضاه وهذا غاية الإحسان والإكرام.
تنبيه:
قال في (المواهب اللدنية): وأما ما يغتر به الجهال من أنه لا يرضى واحدا من أمته في النار أو لا يرضى أن يدخل أحد من أمته النار، فهو من غرور الشيطان لهم، ولعبه بهم; فإنه صلوات الله عليه وسلامه يرضى بما يرضى به ربه تبارك وتعالى، وهو سبحانه وتعالى
nindex.php?page=treesubj&link=30437_30539يدخل النار من يستحقها من الكفار والعصاة، وقد ولع الحشوية بتقوية أمثال هذه الآثار المفتراة تغريرا للجهال وتزيينا لموارد الضلال. ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقوله تعالى:
[ ص: 6184 ]
[ ص: 6180 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
93- سُورَةُ الضُّحَى
مَكِّيَّةٌ وَآيُهَا إِحْدَى عَشْرَةَ.
لَطِيفَةٌ:
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْحَسَنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ الْمُقْرِئِ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى عِكْرِمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ قُسْطَنْطِينَ وَشِبْلِ بْنِ عَبَّادٍ. فَلَمَّا بَلَغْتُ (وَالضُّحَى) قَالَ لِي: كَبِّرْ حَتَّى تَخْتِمَ مَعَ خَاتِمَةِ كُلِّ سُورَةٍ. فَإِنَّا قَرَأْنَا عَلَى nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنِ كَثِيرٍ فَأَمَرَنَا بِذَلِكَ. وَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَأَخْبَرَهُ nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ. وَأَخْبَرَهُ nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَأَخْبَرَهُ أُبَيٌّ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ. فَهَذِهِ سُنَّةٌ تَفَرَّدَ بِهَا
أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَزِّيُّ ، مِنْ وَلَدِ
الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ. وَكَانَ إِمَامًا فِي الْقِرَاءَاتِ. وَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ فَقَدْ ضَعَّفَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11970أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَقَالَ: لَا أُحَدِّثُ عَنْهُ. وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=14798أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ ، قَالَ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
لَكِنْ حَكَى الشَّيْخُ
شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ فِي (شَرْحِ الشَّاطِبِيَّةِ) عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يُكَبِّرُ هَذَا التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: أَحْسَنْتَ وَأَصَبْتَ السُّنَّةَ. وَهَذَا يَقْتَضِي صِحَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي مَوْضِعِ هَذَا التَّكْبِيرِ وَكَيْفِيَّتِهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
يُكَبِّرُ مِنْ آخِرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=1وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَقَالَ آخَرُونَ: مِنْ آخِرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=1وَالضُّحَى وَكَيْفِيَّةُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنْ يَقُولَ (اللَّهُ أَكْبَرُ) وَيَقْتَصِرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ (اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ) وَذَكَرَ الْقُرَّاءُ فِي مُنَاسَبَةِ التَّكْبِيرِ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الضُّحَى،
أَنَّهُ لَمَّا تَأَخَّرَ الْوَحْيُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَتَرَ تِلْكَ الْمُدَّةَ، ثُمَّ جَاءَ الْمَلَكُ فَأَوْحَى إِلَيْهِ "وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى" السُّورَةَ بِتَمَامِهَا، كَبَّرَ فَرَحًا وَسُرُورًا، وَلَمْ يُرْوَ ذَلِكَ بِإِسْنَادٍ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِصِحَّةٍ وَلَا ضَعْفٍ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[ ص: 6181 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
[ 1- 5 ]
nindex.php?page=treesubj&link=33062_29064nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=1وَالضُّحَى nindex.php?page=treesubj&link=32440_33062_29064nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=2وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى nindex.php?page=treesubj&link=30602_34513_29064nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=3مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى nindex.php?page=treesubj&link=29497_30614_34306_29064nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=4وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى nindex.php?page=treesubj&link=19624_30614_31034_34513_29064nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=5وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=1وَالضُّحَى تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=1وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا تَفْسِيرُ الضُّحَى بِالضَّوْءِ وَارْتِفَاعِ النَّهَارِ ارْتِفَاعًا عَالِيًا.
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=2وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى أَيِ: اشْتَدَّ ظَلَامُهُ. وَأَصْلُهُ مِنَ التَّسْجِيَةِ وَهِيَ التَّغْطِيَةُ، لِسَتْرِهِ بِظُلْمَتِهِ. كَمَا فِي آيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=10وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=3مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ جَوَابُ الْقَسَمِ، أَيْ: مَا تَرَكَكَ وَمَا قَطَعَكَ قَطْعَ الْمُوَدِّعِ.
قَالَ
الشِّهَابُ فِي (الْعِنَايَةِ): فَالتَّوْدِيعُ مُسْتَعَارٌ اسْتِعَارَةً تَبَعِيَّةً لِلتَّرْكِ هُنَا، وَفِيهِ مِنَ اللُّطْفِ وَالتَّعْظِيمِ مَا لَا يَخْفَى; فَإِنَّ الْوَدَاعَ إِنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ الْأَحْبَابِ وَمَنْ تَعِزُّ مُفَارَقَتُهُ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15155الْمُتَنَبِّي :
حَشَاشَةُ نَفْسٍ وَدَّعَتْ يَوْمَ وَدَّعُوا فَلَمْ أَدْرِ أَيَّ الظَّاعِنَيْنِ أُشَيِّعُ
وَقَالَ فِي (شَرْحِ الشِّفَاءِ): الْوَدَاعُ لَهُ مَعْنَيَانِ فِي اللُّغَةِ: التَّرْكُ وَتَشْيِيعُ الْمُسَافِرِ، فَإِنْ فُسِّرَ بِالثَّانِي هُنَا عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ يَكُونُ فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتْرُكْهُ أَصْلًا، فَإِنَّهُ مَعَهُ أَيْنَمَا كَانَ. وَإِنَّمَا التَّرْكُ لَوْ تَصَوَّرَ فِي جَانِبِهِ، ظَاهِرٌ مَعَ دَلَالَتِهِ بِهَذَا الْمَعْنَى عَلَى الرُّجُوعِ; فَالتَّوْدِيعُ إِنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ يُحِبُّ وَيَرْجَى عَوْدَهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْأُرْجَانِيُّ بِقَوْلِهِ:
[ ص: 6182 ] إِذَا رَأَيْتَ الْوَدَاعَ فَاصْبِرْ وَلَا يُهِمُّنَّكَ الْبِعَادُ
وَانْتَظِرِ الْعَوْدَ عَنْ قَرِيبٍ فَإِنَّ قَلْبَ الْوَدَاعِ عَادُوا
فَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=3وَمَا قَلَى مُؤَكِّدٌ لَهُ. (قَالَ): وَهَذَا لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ مَعَ غَايَةِ لُطْفِهِ، وَكُلُّهُمْ فَسَّرُوهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ. وَلَمَّا رَأَوْا صِيغَةَ الْفِعْلِ تُفِيدُ زِيَادَةَ الْمَعْنَى وَالْمُبَالَغَةَ فِيهِ، فَيَقْتَضِي الِانْقِطَاعَ التَّامَّ، قَالُوا: إِنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي النَّفْيِ لَا فِي الْمَنْفِيِّ فَتَرَكَهُ لِحُكْمٍ عَلَيْهِ، لَا لِضَرَرِهِ بِهَجْرِهِ، أَوْ لِنَفْيِ الْقَيْدِ وَالْمُقَيَّدِ. وَقُرِئَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=3مَا وَدَّعَكَ بِالتَّخْفِيفِ. وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=655594« شَرُّ النَّاسِ مَنْ وَدَّعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ » . وَوَرَدَ فِي الشِّعْرِ، كَقَوْلِهِ:
فَكَانَ مَا قَدَّمُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمَ نَفْعًا مِنَ الَّذِي وَدَّعُوا
وَلِهَذَا قَالَ فِي (الْمِصْبَاحِ) بِهَذَا: اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ فِي عِلْمِ التَّصْرِيفِ: أَمَاتُوا مَاضِي يَدَعُ وَيَذَرُ خَطَأٌ، وَجَعْلَهُ اسْتِعَارَةً مِنَ الْوَدِيعَةِ تَعَسُّفٌ. انْتَهَى.
وَكَذَا قَالَ فِي (الْمُسْتَوْفِي): إِنَّهُ كُلَّهُ وَرَدَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَلَا عِبْرَةَ بِكَلَامِ النُّحَاةِ فِيهِ، وَإِذَا جَاءَ نَهْرُ اللَّهِ بَطَلَ نَهْرُ مَعْقِلٍ، وَإِنْ كَانَ نَادِرًا. انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=3وَمَا قَلَى أَيْ: وَمَا أَبْغَضَكَ. وَالْقَالِي: الْمُبْغِضُ. يَعْنِي مَا هَجَرَكَ عَنْ بُغْضٍ.
قَالَ
الشِّهَابُ: وَحَذْفُ مَفْعُولِ "قَلَى" اخْتِصَارًا لِلْعِلْمِ بِهِ، وَلِيَجْرِيَ عَلَى نَهْجِ الْفَوَاصِلِ الَّتِي بَعْدَهُ، أَوْ لِئَلَّا يُخَاطِبَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْبُغْضِ.
تَنْبِيهٌ:
رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ : عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=890899« أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ أَبْطَأَ عَنْهُ جِبْرِيلُ أَيَّامًا » [ ص: 6183 ] فَعُيِّرَ بِذَلِكَ; فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: وَدَّعَهُ رَبُّهُ وَقَلَاهُ; فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ امْرَأَةُ أَبِي لَهَبٍ، وَفِي أُخْرَى أَنَّهَا nindex.php?page=showalam&ids=10640خَدِيجَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. وَلَا تُنَافِي، لِاحْتِمَالِ صُدُورِهِ مِنَ الْجَمِيعِ، إِلَّا أَنَّ قَوْلَ الْمُشْرِكِينَ وَقَوْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=10640خَدِيجَةَ -إِنْ صَحَّ -تَوَجُّعٌ وَتَحَزُّنٌ- وَفِي رِوَايَةِ
إِسْمَاعِيلَ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=890900فَتَرَ الْوَحْيُ حَتَّى شَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْزَنَهُ. فَقَالَ: « لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبِي قَلَانِي » فَجَاءَ جِبْرِيلُ بِسُورَةِ "وَالضُّحَى". nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=4وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ : أَيْ: وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ فِيهَا، خَيْرٌ لَكَ مِنَ الدَّارِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. يَقُولُ: فَلَا تَحْزَنْ عَلَى مَا فَاتَكَ مِنْهَا، فَإِنَّ الَّذِي لَكَ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لَكَ مِنْهَا. وَقَالَ
الْقَاضِي: أَوْ: لَنِهَايَةُ أَمْرِكَ خَيْرٌ مِنْ بِدَايَتِهِ. فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَزَالُ يَتَصَاعَدُ فِي الرِّفْعَةِ وَالْكَمَالِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=5وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى أَيْ: يُعْطِيكَ مِنْ فَوَاضِلِ نِعَمِهِ فِي الْعُقْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَهَذِهِ عِدَةٌ كَرِيمَةٌ شَامِلَةٌ لِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا مِنْ كَمَالِ النَّفْسِ وَعُلُومِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَظُهُورِ الْأَمْرِ وَإِعْلَاءِ الدِّينِ، بِالْفُتُوحِ الْوَاقِعَةِ فِي عَصْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَفِي أَيَّامِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ مُلُوكِ الْإِسْلَامِ، وَفُشُوِّ دَعْوَتِهِ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَلِمَا ادَّخَرَ لَهُ مِنَ الْكَرَامَاتِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى. وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْآيَةُ جَامِعَةٌ لِوُجُوهِ الْكَرَامَةِ وَأَنْوَاعِ السَّعَادَةِ وَشَتَاتِ الْإِنْعَامِ فِي الدَّارَيْنِ، حَيْثُ أَجْمَلَهُ وَوَكَّلَهُ إِلَى رِضَاهُ وَهَذَا غَايَةُ الْإِحْسَانِ وَالْإِكْرَامِ.
تَنْبِيهٌ:
قَالَ فِي (الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ): وَأَمَّا مَا يَغْتَرُّ بِهِ الْجُهَّالُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَرْضَى وَاحِدًا مِنْ أُمَّتِهِ فِي النَّارِ أَوْ لَا يَرْضَى أَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ النَّارَ، فَهُوَ مِنْ غُرُورِ الشَّيْطَانِ لَهُمْ، وَلَعِبِهِ بِهِمْ; فَإِنَّهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ يَرْضَى بِمَا يَرْضَى بِهِ رَبُّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=30437_30539يُدْخِلُ النَّارَ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا مِنَ الْكُفَّارِ وَالْعُصَاةِ، وَقَدْ وَلِعَ الْحَشْوِيَّةُ بِتَقْوِيَةِ أَمْثَالِ هَذِهِ الْآثَارِ الْمُفْتَرَاةِ تَغْرِيرًا لِلْجُهَّالِ وَتَزْيِينًا لِمَوَارِدِ الضَّلَالِ. وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
[ ص: 6184 ]