تنبيه:
قال السيوطي في "الإكليل" في قوله تعالى: الرجال قوامون على النساء إن الزوج يقوم بتربية زوجته وتأديبها ومنعها من الخروج، وإن عليها طاعته إلا في معصية، وإن ذلك لأجل ما يجب لها عليه من النفقة، ففهم العلماء من هذا أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواما عليها، وسقط ما له من منعها من الخروج.
واستدل بذلك من أجاز لها الفسخ حينئذ، ولأنه إذا خرج من كونه قواما عليها فقد خرج عن الغرض المقصود بالنكاح.
واستدل بالآية من جعل ، فلا تتصرف فيه إلا بإذنه، لأنه جعله (قواما) بصيغة المبالغة، وهو الناظر في الشيء الحافظ له. للزوج الحجر على زوجته في نفسها ومالها
واستدل بها على أن ؛ لأنه جعل الرجال قوامين عليهن، فلم يجز أن يقمن على الرجال، انتهى. المرأة لا تجوز أن تلي القضاء كالإمامة العظمى
واللاتي تخافون نشوزهن أي: عصيانهن وسوء عشرتهن وترفعهن عن مطاوعتكم، من (النشز) وهو ما ارتفع من الأرض يقال: نشزت المرأة بزوجها وعلى زوجها: استعصت عليه، وارتفعت عليه وأبغضته، وخرجت عن طاعته.
فعظوهن أي: خوفوهن بالقول، كاتقي الله، واعلمي أن طاعتك لي فرض عليك، واحذري عقاب الله في عصياني، وذلك لأن الله قد أوجب عليها وطاعته، وحرم عليها معصيته؛ لما له عليها من الفضل والإفضال، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حق الزوج رواه لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، عن الترمذي ، والإمام أبي هريرة [ ص: 1221 ] عن أحمد معاذ عن ، والحاكم . بريدة
وروى عن البخاري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبي هريرة . إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح
ورواه ، ولفظه: مسلم . إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح
واهجروهن بعد ذلك إن لم ينفع الوعظ والنصيحة في المضاجع أي: المراقد فلا تدخلوهن تحت اللحف ولا تباشروهن، فيكون كناية عن الجماع.
قال حماد بن سلمة البصري : يعني النكاح، وقال علي بن أبي طلحة ، عن : الهجر هو أن لا يجامعها، ويضاجعها على فراشها، ويوليها ظهره، وكذا قال غير واحد. ابن عباس
وزاد آخرون منهم السدي والضحاك وعكرمة (في رواية): ولا يكلمها مع ذلك ولا يحدثها، وقيل: المضاجع المبايت، أي: لا تبايتوهن. وابن عباس
وفي السنن والمسند عن معاوية بن حيدة القشيري أنه قال: يا رسول الله: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت.
واضربوهن - - ضربا غير مبرح أي: شديد ولا شاق، كما ثبت في صحيح إن لم ينجع ما فعلتم من العظة والهجران عن مسلم ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جابر . أنه قال في حجة الوداع: واتقوا الله في النساء، [ ص: 1222 ] فإنهن عوان عندكم، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح
قال الفقهاء: هو أن لا يجرحها، ولا يكسر لها عظما، ولا يؤثر شينا، ويجتنب الوجه؛ لأنه مجمع المحاسن، ويكون مفرقا على بدنها، ولا يوالي به في موضع واحد؛ لئلا يعظم ضرره.
ومنهم من قال: ينبغي أن يكون الضرب بمنديل ملفوف، أو بيده! لا بسوط ولا عصا، قال عطاء: ضرب بالسواك.
قال الرازي : وبالجملة، فالتخفيف مراعى في هذا الباب على أبلغ الوجوه، والذي يدل عليه أنه تعالى ابتدأ بالوعظ، ثم ترقى منه إلى الهجران في المضاجع، ثم ترقى منه إلى الضرب، وذلك تنبيه - يجري مجرى التصريح - في أنه مهما حصل الغرض بالطريق الأخف وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريق الأشق، وهذه طريقة من قال: حكم هذه الآية مشروع على الترتيب، فإن ظاهر اللفظ - وإن دل على الجمع - إلا أن فحوى الآية يدل على الترتيب.
قال علي بن أبي طلحة ، عن : يهجرها في المضجع، فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضربا غير مبرح، ولا تكسر لها عظما، فإن أقبلت وإلا فقد أحل الله لك منها الفدية. ابن عباس
وقال آخرون: هذا الترتيب مراعى عند خوف النشوز، أما عند تحققه فلا بأس بالجمع بين الكل.
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم -: رواه علقوا السوط حيث يراه أهل البيت، فإنه آدب لهم ، عبد بن حميد ، عن والطبراني ، ابن عباس وأبو نعيم في الحلية عن . ابن عمر
فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا أي: إذا رجعن عن النشوز عند هذا التأديب إلى الطاعة في جميع ما يراد منهن مما أباحه الله منهن، فلا سبيل للرجال عليهن بعد ذلك بالتوبيخ والأذية بالضرب والهجران إن الله كان عليا كبيرا فاحذروه، تهديد للأزواج على ظلم النسوان من غير سبب، فإنهن - وإن ضعفن عن دفع ظلمكم، وعجزن عن الانتصاف منكم - فالله سبحانه علي قاهر كبير قادر، ينتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن، فلا تغتروا بكونكم أعلى يدا منهن وأكبر درجة [ ص: 1223 ] منهن، فإن الله أعلى منكم وأقدر منكم عليهن، فختم الآية بهذين الاسمين فيه تمام المناسبة، ولما ذكر تعالى حكم النفور والنشوز من الزوجة ذكر ما إذا كان النفور من الزوجين بقوله: