القول في تأويل قوله تعالى :
[50 ]
nindex.php?page=treesubj&link=31915_31916_32419_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=50وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=50وإذ فرقنا بكم البحر بيان لسبب التنجية ، وتصوير لكيفيتها ، إثر تذكيرها وبيان عظمها وهولها ، وقد بين في تضاعيف ذلك نعمة جليلة أخرى هي الإنجاء من الغرق . أي : واذكروا إذ فلقناه بسلوككم ، أو ملتبسا بكم ، أو بسبب إنجائكم . وفصلنا بين بعضه وبعض حتى حصلت مسالك . فالباء على الأول استعانة ، مثلها في : كتبت بالقلم . وعلى الثاني للمصاحبة . مثلها في : أسندت ظهري بالحائط . وعلى الثالث للسببية . والوجه الأول
[ ص: 124 ] ضعيف من حيث إن مقتضاه أن تفريق البحر وقع ببني إسرائيل والمنصوص عليه في التنزيل أن البحر إنما انفرق بعصا
موسى . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=63أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم فآلة التفريق العصا لا بنو إسرائيل "فأنجيناكم" أي : من الغرق بإخراجكم إلى الساحل "وأغرقنا آل فرعون" أريد
فرعون وقومه ، وإنما اقتصر على ذكرهم للعلم بأنه أولى به منهم "وأنتم تنظرون" أي : إلى ذلك وتشاهدونه لا تشكون فيه . ليكون ذلك أشفى لصدوركم وأبلغ في إهانة عدوكم .
وكانت قصة إغراق آل
فرعون المشار لها في هذه الآية ، على ما روي ، أن الحق تعالى لما شاء إخراج بني إسرائيل من
مصر من بيت العبودية ، أوقع في نفس
فرعون أن يطلقهم من
مصر . بعد إباء شديد منه ، ورؤية آيات إلهية كادت تحل به وبقومه البوار . فدعا
موسى وهارون وقال : اخرجوا من بين شعبي أنتما وبنو إسرائيل جميعا . واذهبوا اعبدوا الرب كما تكلمتم . فلما ارتحلوا وأخبر
فرعون أن الشعب قد هرب ، تغير قلبه عليهم وقال : ماذا فعلنا حتى أطلقناهم من خدمتنا ؟ فشد مركبته وأخذ قومه معه وسعى وراءهم ، وأدركهم وهم نازلون عند
بحر القلزم ، وهو المشهور
ببحر السويس فلما رأت بنو إسرائيل عسكر
فرعون وراءهم ، قالوا : يا
موسى أين ما وعدتنا من النصر والظفر ؟ فلو بقينا على خدمة المصريين لكان خيرا لنا من أن نهلك في هذه البرية :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=128قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=129عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون وأوحى
[ ص: 125 ] الله إلى
موسى عليه السلام أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق ، وأيبس قعره ، فدخل بنو إسرائيل فيه . فتبعهم
فرعون وجنوده . فخرج
موسى وقومه من الجهة الثانية . وانطبق البحر على
فرعون ومن معه فغرقوا كلهم . وسيأتي الإشارة إلى هذه القصة في مواضع من التنزيل . ومن أبسطها فيه سورة الشعراء .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[50 ]
nindex.php?page=treesubj&link=31915_31916_32419_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=50وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=50وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ بَيَانٌ لِسَبَبِ التَّنْجِيَةِ ، وَتَصْوِيرٌ لِكَيْفِيَّتِهَا ، إِثْرَ تَذْكِيرِهَا وَبَيَانُ عِظَمِهَا وَهَوْلِهَا ، وَقَدْ بَيَّنَ فِي تَضَاعِيفِ ذَلِكَ نِعْمَةً جَلِيلَةً أُخْرَى هِيَ الْإِنْجَاءُ مِنَ الْغَرَقِ . أَيْ : وَاذْكُرُوا إِذْ فَلَقْنَاهُ بِسُلُوكِكُمْ ، أَوْ مُلْتَبِسًا بِكُمْ ، أَوْ بِسَبَبِ إِنْجَائِكُمْ . وَفَصَلْنَا بَيْنَ بَعْضِهِ وَبَعْضٍ حَتَّى حَصَلَتْ مَسَالِكُ . فَالْبَاءُ عَلَى الْأَوَّلِ اسْتِعَانَةٌ ، مِثْلُهَا فِي : كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ . وَعَلَى الثَّانِي لِلْمُصَاحَبَةِ . مِثْلُهَا فِي : أَسْنَدْتُ ظَهْرِي بِالْحَائِطِ . وَعَلَى الثَّالِثِ لِلسَّبَبِيَّةِ . وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ
[ ص: 124 ] ضَعِيفٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ تَفْرِيقَ الْبَحْرِ وَقَعَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي التَّنْزِيلِ أَنَّ الْبَحْرَ إِنَّمَا انْفَرَقَ بِعَصَا
مُوسَى . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=63أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ فَآلَةُ التَّفْرِيقِ الْعَصَا لَا بَنُو إِسْرَائِيلَ "فَأَنْجَيْنَاكُمْ" أَيْ : مِنَ الْغَرَقِ بِإِخْرَاجِكُمْ إِلَى السَّاحِلِ "وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ" أُرِيدَ
فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهِمْ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ أَوْلَى بِهِ مِنْهُمْ "وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ" أَيْ : إِلَى ذَلِكَ وَتُشَاهِدُونَهُ لَا تَشُكُّونَ فِيهِ . لِيَكُونَ ذَلِكَ أَشْفَى لِصُدُورِكُمْ وَأَبْلَغَ فِي إِهَانَةِ عَدُوِّكُمْ .
وَكَانَتْ قِصَّةُ إِغْرَاقِ آلِ
فِرْعَوْنَ الْمُشَارِ لَهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، عَلَى مَا رُوِيَ ، أَنَّ الْحَقَّ تَعَالَى لَمَّا شَاءَ إِخْرَاجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ
مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ ، أَوْقَعَ فِي نَفْسِ
فِرْعَوْنَ أَنْ يُطْلِقَهُمْ مِنْ
مِصْرَ . بَعْدَ إِبَاءٍ شَدِيدٍ مِنْهُ ، وَرُؤْيَةِ آيَاتٍ إِلَهِيَّةٍ كَادَتْ تُحِلُّ بِهِ وَبِقَوْمِهِ الْبَوَارَ . فَدَعَا
مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالَ : اخْرُجُوا مِنْ بَيْنِ شَعْبِي أَنْتُمَا وَبَنُو إِسْرَائِيلَ جَمِيعًا . وَاذْهَبُوا اعْبُدُوا الرَّبَّ كَمَا تَكَلَّمْتُمْ . فَلَمَّا ارْتَحَلُوا وَأُخْبِرَ
فِرْعَوْنُ أَنَّ الشَّعْبَ قَدْ هَرَبَ ، تَغَيَّرَ قَلْبُهُ عَلَيْهِمْ وَقَالَ : مَاذَا فَعَلْنَا حَتَّى أَطْلَقْنَاهُمْ مِنْ خِدْمَتِنَا ؟ فَشَدَّ مَرْكَبَتَهُ وَأَخَذَ قَوْمَهُ مَعَهُ وَسَعَى وَرَاءَهُمْ ، وَأَدْرَكَهُمْ وَهُمْ نَازِلُونَ عِنْدَ
بَحْرِ الْقُلْزُمِ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ
بِبَحْرِ السُّوَيْسِ فَلَمَّا رَأَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَسْكَرَ
فِرْعَوْنُ وَرَاءَهُمْ ، قَالُوا : يَا
مُوسَى أَيْنَ مَا وَعَدْتَنَا مِنَ النَّصْرِ وَالظَّفَرِ ؟ فَلَوْ بَقِينَا عَلَى خِدْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ لَكَانَ خَيْرًا لَنَا مِنْ أَنْ نَهْلِكَ فِي هَذِهِ الْبَرِّيَّةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=128قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=129عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ وَأَوْحَى
[ ص: 125 ] اللَّهُ إِلَى
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَضَرَبَهُ فَانْفَلَقَ ، وَأَيْبَسَ قَعْرُهُ ، فَدَخَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِيهِ . فَتَبِعَهُمْ
فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ . فَخَرَجَ
مُوسَى وَقَوْمُهُ مِنَ الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ . وَانْطَبَقَ الْبَحْرُ عَلَى
فِرْعَوْنَ وَمَنْ مَعَهُ فَغَرِقُوا كُلُّهُمْ . وَسَيَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي مَوَاضِعَ مِنَ التَّنْزِيلِ . وَمِنْ أَبْسَطِهَا فِيهِ سُورَةُ الشُّعَرَاءِ .