[ ص: 1491 ] تنبيه:
قال السيوطي في "الإكليل": استدل بالآية على وجوب ، إلا على من لم يطقها، وعن مالك: الآية تقتضي أن كل من كان في بلد تغير فيه السنن فينبغي أن يخرج منه. انتهى. الهجرة من دار الكفر
وقال بعض مفسري الزيدية: ثمرة الآية وجوب الهجرة من دار الكفر، ولا خلاف أنها كانت واجبة قبل الفتح، ولذلك قال الله تعالى في سورة الأنفال: والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء [الأنفال: من الآية 72] قيل: ونسخت بعد الفتح، والصحيح عدم النسخ، وقوله صلى الله عليه وسلم: معناه من لا هجرة بعد الفتح مكة .
قال جار الله: وهذا يدل على أن الرجل إذا كان في بلد لا يتمكن فيه من إقامة أمر دينه كما يجب - لبعض الأسباب - وعلم أنه في غير بلده أقوم بحق الله - حقت عليه الهجرة.
ثم قال رحمه الله: قال في التهذيب: وعن القاسم بن إبراهيم : إذا ، فالهجرة واجبة، وهذا بناء على أن الدور ثلاث: دار إسلام، ودار فسق، ودار حرب، وهذا التقسيم هو مذهب ظهر الفسق في دار، ولا يمكنه الأمر بالمعروف الهادي والقاسم وابن أبي النجم في كتاب [ ص: 1492 ] "الهجرة والدور" عن الراضي بالله وجعفر بن مبشر وأبي علي .
وذهب الإخوان وعامة الفقهاء وأكثر المعتزلة إلى النفي لدار الفسق، واعلم أن من حمل على معصية أو ترك واجب أو طالبه الإمام بذلك فالمذهب وجوب الهجرة مع حصول الشروط المعتبرة، وقد قال الراضي بالله : إن من كفر؛ لأن ذلك رد لصريح القرآن، واحتج بهذه. سكن دار الحرب مستحلا
وقد حكى الفقيه حسام الدين حميد بن أحمد ، عن القاسم والهادي والراضي بالله - التكفير لمن ساكن الكفار في ديارهم.
وفي (مذهب الراضي بالله ) يكفر إذا جاورهم سنة.
قال الفقيه شرف الدين محمد بن يحيى ، حاكيا عن الراضي بالله : إنه يكفر بسكنى دار الحرب وإن لم يستحل; لأن ذلك منه إظهار الكفر على نفسه، والحكم بالتكفير محتمل هنا، ثم قال: وإنما استثنى تعالى الولدان - وإن كانوا غير داخلين في التكليف - بيانا لعدم حيلتهم، والهجرة إنما تجب على من له حيلة. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح": الهجرة الترك، والهجرة إلى الشيء الانتقال إليه عن غيره، وفي الشرع: ترك ما نهى الله عنه، وقد وقعت في الإسلام على وجهين:
الأولى: الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن، كما في هجرتي الحبشة وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة .
الثاني: الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان، وذلك بعد أن استقر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين، وكانت الهجرة - إذ ذاك - تختص بالانتقال إلى المدينة، إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص، وبقي عموم الانتقال من دار الكفر لمن قدر عليه باقيا. انتهى.
وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الإسماعيلي بلفظ: انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار، أي: ما دام في الدنيا دار كفر.
فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي أن يفتن على دينه.
وقد روي في معنى الآية أحاديث كثيرة، أخرجها مجد الدين بن تيمية في "منتقى الأخبار" في ترجمة (باب بقاء الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام، وأن لا هجرة من دار [ ص: 1493 ] أسلم أهلها) ثم قال: عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: رواه من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله أبو داود.
وعن جرير بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية إلى خثعم فاعتصم ناس منهم بالسجود، فأسرع فيهم القتل، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر لهم بنصف العقل، وقال: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين قالوا: يا رسول الله! لم؟ قال: لا تراءى ناراهما رواه أبو داود . والترمذي
وعن معاوية قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: رواه لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها أحمد . وأبو داود
وعن عبد الله بن السعدي رواه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو أحمد . والنسائي
[ ص: 1494 ] وعن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ابن عباس رواه الجماعة إلا لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية . ابن ماجه
وعن - وسئلت عن الهجرة - فقالت: لا هجرة اليوم، كان المؤمن يفر بدينه إلى الله ورسوله مخافة أن يفتن، فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام، والمؤمن يعبد ربه حيث شاء، رواه عائشة . البخاري
وعن مجاشع بن مسعود مجالد بن مسعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: هذا مجالد، جاء يبايعك على الهجرة فقال: لا هجرة بعد فتح مكة ، ولكن أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد ، متفق عليه. أنه جاء بأخيه
ولما تضمنت ترجمة المجد - رحمه الله - شقين [ ص: 1495 ] أورد لكل أحاديث، فمن قوله: لا هجرة بعد الفتح.... إلخ، جميعه للشق الثاني، وهو قوله: وأن لا هجرة من دار أسلم أهلها، إشارة للجمع بين هذه الأحاديث، وهو ظاهر، ثم رغب تعالى في المهاجرة بقوله: