القول في تأويل قوله تعالى:
إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا [117]
إن يدعون من دونه ما يعبد مشركو مكة ونحوهم من دون الله إلا إناثا قال الرازي : (يدعون) بمعنى (يعبدون) لأن من عبد شيئا فإنه يدعوه عند احتياجه إليه. انتهى.
وقد روى ، الإمام أحمد ، وأصحاب السنن وغيرهم، عن وابن أبي شيبة [ ص: 1565 ] أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: النعمان بن بشير ورواه الدعاء هو العبادة عن أبو يعلى ورواه البراء، عن الترمذي بلفظ: أنس . الدعاء مخ العبادة
وفي قوله تعالى: إلا إناثا وجوه:
الأول: ما رواه ، عن ابن أبي حاتم قالت: يعني أوثانا، وعليه فمرجع التسمية بالإناث كون أسماء غالبها مؤنثة، كمناة والعزى واللات ونحوها؛ ولأنهم كانوا يلبسونها أنواع الحلي ويزينونها على هيئات النسوان. عائشة
وروي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وعروة بن الزبير، ، ومجاهد وأبي مالك، والسدي، نحو ما ومقاتل . لعائشة
الوجه الثاني: أنه عنى الملائكة؛ لأن بعضهم كان يعبد الملائكة، ويقولون عنها: بنات الله.
روى ، عن ابن جرير في الآية: قال المشركون للملائكة: بنات الله، وإنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى. قال: فاتخذوهن أربابا وصوروهن جواري فحكوا وقلدوا وقالوا: هؤلاء يشبهن بنات الله الذي نعبده، يعنون الملائكة. الضحاك
قال : وهذا التفسير شبيه بقول الله تعالى: ابن كثير أفرأيتم اللات والعزى [النجم: 27] الآيات، وقال تعالى: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا [الزخرف: 19].... الآية، وقال: وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا [الصافات: 137] انتهى.
وقال تعالى: إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى
[ ص: 1566 ] الوجه الثالث: ما رواه ، عن ابن أبي حاتم في الآية قال: مع كل صنم جنية. أبي بن كعب
الرابع: قال علي بن أبي طلحة عن والضحاك، ابن عباس إناثا يعني موتى، قال والحسن: الإناث كل شيء ميت ليس فيه روح، إما خشبة يابسة وإما حجر يابس. رواه الحسن: ابن أبي حاتم . وابن جرير
وفي "القاموس وشرحه": الإناث جمع الأنثى، وهو خلاف الذكر من كل شيء، والموات الذي هو خلاف الحيوان، كالشجر والحجر والخشب، عن اللحياني . وعن : تقول العرب: اللات والعزى وأشباههما من الآلهة المؤنثة. انتهى. الفراء
وقال الإمام : قوله تعالى: أبو البقاء إلا إناثا هو جمع أنثى على (فعال) ويراد به كل ما لا روح فيه من صخرة وشمس ونحوهما.
ويقرأ (أنثى) على الإفراد، ودل الواحد على الجمع.
ويقرأ (أنثا) مثل رسل، يجوز أن تكون صفة مفردة مثل: "امرأة جنب" ويجوز أن يكون جمع أنيث كقليب وقلب، وقد قالوا: "حديد أنيث" من هذا المعنى.
ويقرأ (أثنا) والواحد وثن وهو الصنم وأصله وثن، في الجمع كما في الواحد، إلا أن الواو قلبت همزة لما انضمت ضما لازما وهو مثل: (أسد وأسد) ويقرأ بالواو على الأصل جمعا، ويقرأ بسكون الثاء مع الهمزة والواو. انتهى.
قال : ولعله تعالى ذكرها بهذا الاسم؛ تنبيها على أنهم يعبدون ما يسمونه إناثا؛ لأنه ينفعل ولا يفعل، ومن حق المعبود أن يكون فاعلا غير منفعل؛ ليكون دليلا على تناهي جهلهم وفرط حماقتهم. البيضاوي
وإن يدعون أي: ما يعبدون من دون الله إلا شيطانا مريدا وهو إبليس - لعنه الله - لطاعتهم له في عبادتها، وإذا أطاعوه فيما سول لهم فقد عبدوه، كما قال تعالى: ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان [يس: 60] وقال تعالى: بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون [سبأ: 41] والمريد المتمرد العاتي الطاغي.