[ ص: 1968 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[35] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا - أي اطلبوا -: إليه الوسيلة أي: القربة - كذا فسره ابن عباس ومجاهد وأبو وائل والحسن وزيد وعطاء وغير واحد. وقال والثوري أي: تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه. وقرأ قتادة: ابن زيد: أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة . قال وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة، لا خلاف بين المفسرين فيه. وفي "القاموس وشرحه": الوسيلة والواسلة: المنزلة عند الملك والدرجة والقربة والوصلة. وقال ابن كثير: الجوهري: الوسيلة: ما يتقرب به إلى الغير. والتوسيل والتوسل الواحد. يقال: وسل إلى الله تعالى توسيلا، عمل عملا تقرب به إليه، كتوسل. و (إلى) يجوز أن يتعلق ب (ابتغوا) وأن يتعلق ب (الوسيلة).
قدم عليها للاهتمام به: وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون أي: بسبب المجاهدة في سبيله. وقد بين كثير من الآيات أن المجاهدة بالأموال والأنفس.
تنبيه:
ما ذكرناه في تفسير "الوسيلة" هو المعول عليه. وقد أوضحه إيضاحا لا مزيد عليه، تقي الدين بن تيمية عليه الرحمة في "كتاب الوسيلة" فرأينا نقل شذرة منه؛ إذ لا غنى للمحقق في علم التفسير عنه.
قال رحمه الله بعد مقدمات:
إن لفظ الوسيلة والتوسل، فيه إجمال واشتباه، يجب أن تعرف معانيه ويعطى كل ذي حق حقه. فيعرف ما ورد به الكتاب والسنة من ذلك ومعناه. وما كان يتكلم به الصحابة ويفعلونه ومعنى ذلك. ويعرف ما أحدثه المحدثون في هذا اللفظ ومعناه. فإن كثيرا من اضطراب الناس في هذا الباب هو بسبب ما وقع من الإجمال والاشتراك في الألفاظ ومعانيها، [ ص: 1969 ] حتى تجد أكثرهم لا يعرف في هذا الباب فصل الخطاب. فلفظ الوسيلة مذكور في القرآن في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وفي قوله تعالى: قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا وأخبر عن ملائكته وأنبيائه أنهم يبتغونها إليه، هي ما يتقرب به إليه من الواجبات والمستحبات، فهذه الوسيلة التي أمر الله المؤمنين بابتغائها تتناول كل واجب ومستحب، وما ليس بواجب ولا مستحب لا يدخل في ذلك، سواء كان محرما أو مكروها أو مباحا، فالواجب والمستحب هو ما شرعه الرسول فأمر به أمر إيجاب واستحباب. وأصل ذلك الإيمان بما جاء به الرسول. فجماع الوسيلة التي أمر الله الخلق بابتغائها، هو التوسل إليه باتباع ما جاء به الرسول، لا وسيلة لأحد إلى الله إلا ذلك. فالوسيلة التي أمر الله أن تبتغى إليه،
والثاني - لفظ الوسيلة في الأحاديث الصحيحة كقوله صلى الله عليه وسلم: . وقوله: «سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله. وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد. فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة» محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة» . فهذه الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 1970 ] خاصة. وقد أمرنا أن نسأل الله له هذه الوسيلة. وأخبرنا أنها لا تكون إلا لعبد من عباد الله. وهو يرجو أن يكون ذلك العبد، وهذه الوسيلة أمرنا أن نسألها للرسول صلى الله عليه وسلم. وأخبرنا أن من سأل له الوسيلة فقد حلت عليه الشفاعة يوم القيامة. لأن الجزاء من جنس العمل. فلما دعوا للنبي صلى الله عليه وسلم استحقوا أن يدعو هو لهم. فإن الشفاعة نوع من الدعاء. كما قال: إنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرا. وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والتوجه به في كلام الصحابة، فيريدون به التوسل بدعائه وشفاعته. والتوسل به في عرف كثير من المتأخرين يراد به الإقسام به والسؤال به. كما يقسمون بغيره من الأنبياء والصالحين. ومن يعتقدون فيه الصلاح. وحينئذ، فلفظ التوسل به يراد به معنيان صحيحان باتفاق المسلمين. ويراد به معنى ثالث لم ترد به السنة. فأما المعنيان الأولان الصحيحان باتفاق العلماء، فأحدهما هو أصل الإيمان والإسلام، وهو التوسل بالإيمان به وبطاعته. والثاني: دعاؤه وشفاعته كما تقدم. فهذان جائزان بإجماع المسلمين. ومن هذا قول «من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. أي: بدعائه وشفاعته. وقوله تعالى: عمر بن الخطاب: وابتغوا إليه الوسيلة أي: القربة إليه بطاعته. وطاعة رسوله طاعته; قال تعالى: من يطع الرسول فقد أطاع الله فهذا التوسل الأول هو أصل الدين، وهذا لا ينكره أحد من المسلمين. وأما التوسل بدعائه وشفاعته - كما قال - فإنه توسل بدعائه لا بذاته، ولهذا عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بعمه عمر [ ص: 1971 ] ولو كان التوسل هو بذاته لكان هذا أولى من التوسل العباس، فلما عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بالعباس. علم أن ما يفعل في حياته قد تعذر بموته. بخلاف التوسل الذي هو الإيمان به والطاعة له، فإنه مشروع دائما. بالعباس،
فلفظ التوسل يراد به ثلاث معان:
أحدهما: التوسل بطاعته. فهذا فرض لا يتم الإيمان إلا به.
والثاني: التوسل بدعائه وشفاعته وهذا كان في حياته، ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته.
والثالث: التوسل به. بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته. فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه، لا في حياته ولا في مماته، لا عند قبره ولا غير قبره، ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم. وإنما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة. أو عن من ليس قوله حجة، وهذا هو الذي قال وأصحابه: إنه لا يجوز. ونهوا عنه حيث قالوا: لا يسأل بمخلوق، ولا يقول أحد: أسألك بحق أنبيائك. قال أبو حنيفة في كتابه الكبير في الفقه المسمى ب "شرح الكرخي" في باب الكراهة: وقد ذكر هذا غير واحد من أصحاب أبو الحسين القدوري قال أبي حنيفة. حدثنا بشر بن الوليد: أبو يوسف قال: قال لا ينبغي لأحد أن يدعو إلا به. وأكره أن يقول: بمعاقد العز من عرشك، أو بحق خلقك. وهو قول أبو حنيفة: قال أبي يوسف. أبو يوسف: بمعقد العز من عرشه هو الله. فلا أكره هذا. وأكره أن يقول: بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام. قال المسألة بخلقه لا تجوز. لأنه لاحق للخلق على الخالق. فلا تجوز وفاقا. القدوري:
وهذا الذي قاله وأصحابه - من أن الله لا يسأل بمخلوق - له معنيان: أحدهما هو موافق لسائر الأئمة الذين يمنعون أن يقسم أحد بالمخلوق، فإنه إذا منع أن يقسم على مخلوق بمخلوق، فلأن يمنع أن يقسم على الخالق بمخلوق أولى وأحرى. وهذا بخلاف [ ص: 1972 ] إقسامه سبحانه بمخلوقاته: ك: أبو حنيفة والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والشمس وضحاها والنازعات غرقا والصافات صفا - فإن إقسامه بمخلوقاته يتضمن من ذكر آياته الدالة على قدرته وحكمته ووحدانيته، ما يحسن معه إقسامه. بخلاف المخلوق، فإن إقسامه بالمخلوقات شرك بخالقها. كما في "السنن" عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: . وقد صححه «من حلف بغير الله فقد أشرك» وغيره. وفي لفظ: الترمذي . وقد صححه «فقد كفر» وقد ثبت عنه في "الصحيحين" أنه قال: الحاكم. وقال: «من كان حالفا فليحلف بالله. . وفي "الصحيحين" عنه أنه [ ص: 1973 ] قال: لا تحلفوا بآبائكم فإن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم» . وقد اتفق المسلمون على أنه من «من حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله» - كالعرش والكرسي حلف بالمخلوقات المحترمة، أو بما يعتقد هو حرمته والكعبة والمسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والملائكة والصالحين والملوك وسيوف المجاهدين وترب الأنبياء والصالحين وسراويل الفتوة وغير ذلك... - لا ينعقد يمينه، ولا كفارة في الحنث بذلك. حرام عند الجمهور، وهو مذهب والحلف بالمخلوقات وأحد القولين في مذهب أبي حنيفة، الشافعي وقد حكى إجماع الصحابة على ذلك. انتهى. وأحمد.