القول في تأويل قوله تعالى:
[40] ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير
ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض فإن عنوان الألوهية مدار أحكام ملكوتهما. والاستفهام لتقرير العلم. والمراد به الاستشهاد بذلك على قدرته تعالى على ما سيأتي من التعذيب والمغفرة على أبلغ وجه وأتمه. أي: ألم تعلم أن له السلطان القاهر والاستيلاء الباهر المستلزمان للقدرة التامة على التصرف الكلي فيهما وفيما فيهما: يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء وتقديم التعذيب لأن السياق للوعيد. فيناسب ذلك تقديم ما يليق به من الزواجر: والله على كل شيء قدير ومنه التعذيب والمغفرة.
[ ص: 1986 ] تنبيه:
ذهب الجمهور إلى أن تسقط عنه حدود الله. وأما حق الآدمي من القطع ورد المال أو بدله فلا يسقط بتوبته. توبة السارق
وقال متى قطع، وقد تلفت في يده فإنه لا يرد بدلها. وقد بينت السنة أنه إن عفي عنه قبل الرفع إلى الإمام، سقط القطع. أبو حنيفة:
روى عن ابن ماجه ثعلبة الأنصاري: عمر بن سمرة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني سرقت جملا لبني فلان فطهرني. فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا افتقدنا جملا لنا. فأمر به فقطعت يده. قال أن ثعلبة (أحد رجال السند): أنا أنظر إليه حين وقعت يده وهو يقول: الحمد لله الذي طهرني منك. أردت أن تدخلي جسدي النار.
وروى الإمام عن أحمد عبد الله بن عمرو: فمن تاب من بعد ظلمه الآية. أن امرأة سرقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاء بها الذين سرقتهم فقالوا. يا رسول الله! إن هذه المرأة سرقتنا، قال قومها: فنحن نفديها (يعني أهلها) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقطعوا يدها» . فقطعت يدها اليمنى، فقالت المرأة: هل لي من توبة يا رسول الله؟! قال: «نعم، أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك» . فأنزل الله عز وجل في سورة المائدة:
قال وهذه المرأة هي المخزومية التي سرقت. وحديثها ثابت في الصحيحين [ ص: 1987 ] من رواية ابن كثير: عن الزهري عائشة يستشفعونه. قال أسامة بن زيد فلما كلمه عروة: فيها، تلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتكلمني في حد من حدود الله؟ قال أسامة استغفر لي يا رسول الله؟ أسامة:
فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد. فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. والذي نفس محمد بيده! لو أن سرقت لقطعت يدها. فاطمة بنت محمد
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها، فحسنت توبتها بعد ذلك. وتزوجت.
قالت فكانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجاتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عائشة: وهذا لفظ أن امرأة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح. ففزع قومها إلى وفي لفظ له عن مسلم. قالت: عائشة وعن كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها. قال: ابن عمر رواه الإمام كانت امرأة مخزومية تستعير متاعا على ألسنة جاراتها وتجحده. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يدها. أحمد. وأبو داود وهذا [ ص: 1988 ] لفظه. وفي لفظ له: والنسائي، فخذ بيدها فاقطعها. بلال! إن امرأة كانت تستعير الحلي للناس ثم تمسكه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا