القول في تأويل قوله تعالى:
[66] ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنـزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون
ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل أي: أقاموا أحكامهما وحدودهما وما فيهما من نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. أصل الإقامة الثبات في المكان. ثم استعير إقامة الشيء لتوفية [ ص: 2066 ] حقه: وما أنـزل إليهم من ربهم أي: بينوا ما بين لهم ربهم في التوراة والإنجيل. ويقال: أقروا بجملة الكتب والرسل من ربهم، ويقال: هو القرآن: لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم لوسع عليهم أرزاقهم، بأن يفيض عليهم بركات من السماء والأرض، ويكثر ثمرة الأشجار وغلة الزروع، أو يرزقهم الجنان اليانعة الثمار، فيجتنونها من رأس الشجر، ويلتقطون ما تساقط على الأرض. وجعل (من فوقهم ومن تحت أرجلهم) بمعنى الأمطار والأنهار التي تحصل بها أقواتهم - بعيد من الأكل. والأقرب الوجوه الثلاثة المتقدمة. ونبه تعالى بذلك على أن ما أصابهم من الضنك والضيق، إنما هو بشؤم معاصيهم. وكفرهم، لا لقصور في فيض الكريم، تعالى. ودلت الآية على أن العمل بطاعة الله تعالى سبب لسعة الرزق، وهو كقوله تعالى: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا الآيات. وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا
[ ص: 2067 ] روى الإمام عن أحمد زياد بن لبيد أنه قال: ابن أم لبيد! إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة. أوليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل، لا ينتفعون مما فيهما بشيء» . ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فقال: «وذاك عند ذهاب العلم» . قال: قلنا: يا رسول الله! وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا، ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ فقال: «ثكلتك أمك يا
وفي رواية ابن أبي حاتم: أوليست التوراة والإنجيل بأيدي اليهود والنصارى؟ فما أغنى عنهم حين تركوا أمر الله؟ ثم قرأ: ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل الآية.
منهم أمة أي: طائفة: مقتصدة أي: عادلة مستقيمة، وهم من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، كعبد الله بن سلام والنجاشي وسلمان: وكثير منهم ساء أي: بئس: ما يعملون أي: من تحريف الحق والإعراض عنه والإفراط في العداوة. والآية كقوله تعالى: ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون