فصل وقد ذكر الله تعالى " أولياءه " في سورة فاطر في قوله تعالى { المقتصدين والسابقين ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير } { جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير } { وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور } { الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب } لكن هذه الأصناف الثلاثة في هذه الآية هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة كما قال تعالى { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير } .
وأمة محمد صلى الله عليه وسلم هم الذين أورثوا الكتاب بعد الأمم المتقدمة وليس ذلك مختصا بحفاظ القرآن ; بل كل من آمن بالقرآن فهو من هؤلاء ; بخلاف الآيات التي في الواقعة والمطففين والانفطار فإنه دخل فيها جميع الأمم المتقدمة كافرهم ومؤمنهم وهذا التقسيم لأمة وقسمهم إلى ظالم لنفسه ومقتصد وسابق محمد صلى الله عليه وسلم ف " الظالم لنفسه " أصحاب الذنوب المصرون عليها ومن تاب من ذنبه أي ذنب كان توبة صحيحة لم يخرج بذلك عن السابقين و " المقتصد " المؤدي للفرائض المجتنب للمحارم .
و " السابق للخيرات " هو المؤدي للفرائض والنوافل كما في تلك الآيات ومن تاب من ذنبه أي ذنب كان توبة صحيحة لم يخرج بذلك عن السابقين والمقتصدين كما في قوله تعالى { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين } { الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون } { أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين } و " المقتصد " المؤدي للفرائض المجتنب للمحارم و " السابق بالخيرات " هو المؤدي للفرائض والنوافل كما في تلك الآيات .
وقوله { جنات عدن يدخلونها } مما يستدل به أهل السنة على أنه . لا يخلد في النار أحد من أهل التوحيد
وأما فهذا مما تواترت به السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم كما تواترت بخروجهم من النار وشفاعة نبينا دخول كثير من أهل الكبائر النار محمد صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر وإخراج من يخرج من النار بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم وشفاعة غيره .
فمن قال : إن أهل الكبائر مخلدون في النار وتأول الآية على أن السابقين هم الذين يدخلونها وأن المقتصد أو الظالم لنفسه لا يدخلها كما تأوله من المعتزلة فهو مقابل بتأويل المرجئة الذين لا يقطعون بدخول أحد من أهل الكبائر النار ويزعمون أن أهل الكبائر قد يدخل جميعهم الجنة من غير عذاب وكلاهما مخالف للسنة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولإجماع سلف الأمة وأئمتها .
وقد دل على فساد قول " الطائفتين " قول الله تعالى في آيتين من كتابه وهو قوله تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فأخبر تعالى أنه لا يغفر الشرك وأخبر أنه يغفر ما دونه لمن يشاء ولا يجوز أن يراد بذلك التائب كما يقوله من يقوله من [ ص: 185 ] المعتزلة لأن الشرك يغفره الله لمن تاب وما دون الشرك يغفره الله أيضا للتائب فلا تعلق بالمشيئة ; ولهذا لما ذكر المغفرة للتائبين قال تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } .
فهنا عمم المغفرة وأطلقها فإن الله يغفر للعبد أي ذنب تاب منه فمن تاب من الشرك غفر الله له ومن تاب من الكبائر غفر الله له وأي ذنب تاب العبد منه غفر الله له .
ففي آية التوبة عمم وأطلق وفي تلك الآية خصص وعلق فخص الشرك بأنه لا يغفره وعلق ما سواه على المشيئة ومن الشرك التعطيل للخالق وهذا يدل على فساد قول من يجزم بالمغفرة لكل مذنب . ونبه بالشرك على ما هو أعظم منه كتعطيل الخالق أو يجوز ألا يعذب بذنب فإنه لو كان كذلك لما ذكر أنه يغفر البعض دون البعض ولو كان كل ظالم لنفسه مغفورا له بلا توبة ولا حسنات ماحية لم يعلق ذلك بالمشيئة .
وقوله تعالى { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } دليل على أنه يغفر البعض دون البعض فبطل النفي والوقف العام .