[ ص: 196 ] فصل وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=28975قوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=663&ayano=4لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا } فإن شهادته بما أنزل إليه هي شهادته بأن الله أنزله منه وأنه أنزله بعلمه فما فيه من الخبر هو خبر عن علم الله ليس خبرا عمن دونه وهذا كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1498&ayano=11فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله } وليس معنى مجرد كونه أنزله أنه هو معلوم له فإن جميع الأشياء معلومة له وليس في ذلك ما يدل على أنها حق ; لكن المعنى أنزله فيه علمه كما يقال فلان يتكلم بعلم ويقول بعلم فهو سبحانه أنزله بعلمه كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2886&ayano=25قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض } ولم يقل تكلم به بعلمه ; لأن ذلك لا يتضمن نزوله إلى الأرض .
فإذا قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=663&ayano=4أنزله بعلمه } تضمن أن القرآن المنزل إلى الأرض فيه علم الله كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=357&ayano=3فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم } وذلك يتضمن أنه كلام الله نفسه منه نزل ولم ينزل من عند غيره ; لأن غير الله لا يعلم ما في نفس الله من العلم - ونفسه هي ذاته
[ ص: 197 ] المقدسة - إلا أن يعلمه الله بذلك كما قال
المسيح عليه السلام {
nindex.php?page=tafseer&surano=790&ayano=5تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب } وقالت الملائكة : {
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=2لا علم لنا إلا ما علمتنا } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=264&ayano=2ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5545&ayano=72فلا يظهر على غيبه أحدا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5546&ayano=72إلا من ارتضى من رسول } فغيبه الذي اختص به لا يظهر عليه أحدا إلا من ارتضى من رسول والملائكة لا يعلمون غيب الرب الذي اختص به . وأما ما أظهره لعباده فإنه يعلمه من شاء وما تتحدث به الملائكة فقد تسترق الشياطين بعضه ; لكن هذا ليس من غيبه وعلم نفسه الذي يختص به بل هذا قد أظهر عليه من شاء من خلقه وهو سبحانه قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=663&ayano=4لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه } فشهد أنه أنزله بعلمه بالآيات والبراهين التي تدل على أنه كلامه وأن الرسول صادق .
وكذلك قال في
هود : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1497&ayano=11فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين } لما تحداهم بالإتيان بمثله في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4821&ayano=52فليأتوا بحديث مثله } ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا عن ذا وذاك ثم تحداهم أن يأتوا بسورة مثله فعجزوا فإن الخلائق لا يمكنهم أن يأتوا بمثله ولا بسورة مثله ; وإذا كان
[ ص: 198 ] الخلق كلهم عاجزين عن الإتيان بسورة مثله
ومحمد منهم علم أنه منزل من الله نزله بعلمه لم ينزله بعلم مخلوق فما فيه من الخبر فهو خبر عن علم الله .
nindex.php?page=treesubj&link=28996وقوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=2886&ayano=25قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض } لأن فيه [ من ] الأسرار التي لا يعلمها إلا الله ما يدل على أن الله أنزله فذكره ذلك يستدل به تارة على أنه حق منزل من الله لكن تضمن من الأخبار عن أسرار السموات والأرض والدنيا والأولين والآخرين وسر الغيب ما لا يعلمه إلا الله . فمن هنا نستدل بعلمنا بصدق أخباره أنه من الله .
وإذا ثبت أنه أنزله بعلمه تعالى استدللنا بذلك على أن خبره حق وإذا كان خبرا بعلم الله فما فيه من الخبر يستدل به عن الأنبياء وأممهم وتارة عن يوم القيامة وما فيها والخبر الذي يستدل به لا بد أن نعلم صحته من غير جهته وذلك كإخباره بالمستقبلات فوقعت كما أخبر وكإخباره بالأمم الماضية بما يوافق ما عند
أهل الكتاب من غير تعلم منهم وإخباره بأمور هي سر عند أصحابها كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5298&ayano=66وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا } إلى قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5298&ayano=66نبأني العليم الخبير } فقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2886&ayano=25قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض } استدلال بأخباره ; ولهذا ذكره تكذيبا لمن قال هو {
nindex.php?page=tafseer&surano=2884&ayano=25إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=663&ayano=4أنزله } استدلال على أنه حق وأن الخبر الذي فيه عن الله حق ; ولهذا ذكر ذلك بعد ثبوت التحدي وظهور عجز الخلق عن الإتيان بمثله .
[ ص: 196 ] فَصْلٌ وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=28975قَوْلُهُ : { nindex.php?page=tafseer&surano=663&ayano=4لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا } فَإِنَّ شَهَادَتَهُ بِمَا أَنْزَلَ إلَيْهِ هِيَ شَهَادَتُهُ بِأَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهُ مِنْهُ وَأَنَّهُ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ فَمَا فِيهِ مِنْ الْخَبَرِ هُوَ خَبَرٌ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ لَيْسَ خَبَرًا عَمَّنْ دُونَهُ وَهَذَا كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1498&ayano=11فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ } وَلَيْسَ مَعْنَى مُجَرَّدِ كَوْنِهِ أَنْزَلَهُ أَنَّهُ هُوَ مَعْلُومٌ لَهُ فَإِنَّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ مَعْلُومَةٌ لَهُ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا حَقٌّ ; لَكِنَّ الْمَعْنَى أَنْزَلَهُ فِيهِ عِلْمُهُ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ يَتَكَلَّمُ بِعِلْمِ وَيَقُولُ بِعِلْمِ فَهُوَ سُبْحَانَهُ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2886&ayano=25قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } وَلَمْ يَقُلْ تَكَلَّمَ بِهِ بِعِلْمِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَضَمَّنُ نُزُولَهُ إلَى الْأَرْضِ .
فَإِذَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=663&ayano=4أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ } تَضَمَّنَ أَنَّ الْقُرْآنَ الْمُنَزَّلَ إلَى الْأَرْضِ فِيهِ عِلْمُ اللَّهِ كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=357&ayano=3فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ } وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ نَفْسِهِ مِنْهُ نَزَلَ وَلَمْ يَنْزِلْ مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ ; لِأَنَّ غَيْرَ اللَّهِ لَا يَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِ اللَّهِ مِنْ الْعِلْمِ - وَنَفْسُهُ هِيَ ذَاتُهُ
[ ص: 197 ] الْمُقَدَّسَةُ - إلَّا أَنْ يُعَلِّمَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ كَمَا قَالَ
الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=790&ayano=5تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ } وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=2لَا عِلْمَ لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتَنَا } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=264&ayano=2وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلَّا بِمَا شَاءَ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5545&ayano=72فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5546&ayano=72إلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ } فَغَيْبُهُ الَّذِي اخْتَصَّ بِهِ لَا يُظْهِرُ عَلَيْهِ أَحَدًا إلَّا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ وَالْمَلَائِكَةُ لَا يَعْلَمُونَ غَيْبَ الرَّبِّ الَّذِي اخْتَصَّ بِهِ . وَأَمَّا مَا أَظْهَرَهُ لِعِبَادِهِ فَإِنَّهُ يُعَلِّمُهُ مَنْ شَاءَ وَمَا تَتَحَدَّثُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ فَقَدْ تَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ بَعْضَهُ ; لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ غَيْبِهِ وَعِلْمِ نَفْسِهِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ بَلْ هَذَا قَدْ أَظْهَرَ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=663&ayano=4لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ } فَشَهِدَ أَنَّهُ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ بِالْآيَاتِ وَالْبَرَاهِينِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَلَامُهُ وَأَنَّ الرَّسُولَ صَادِقٌ .
وَكَذَلِكَ قَالَ فِي
هُودٍ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1497&ayano=11فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } لَمَّا تَحَدَّاهُمْ بِالْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4821&ayano=52فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ } ثُمَّ تَحَدَّاهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ فَعَجَزُوا عَنْ ذَا وَذَاكَ ثُمَّ تَحَدَّاهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةِ مِثْلِهِ فَعَجَزُوا فَإِنَّ الْخَلَائِقَ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ وَلَا بِسُورَةِ مِثْلِهِ ; وَإِذَا كَانَ
[ ص: 198 ] الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَاجِزِينَ عَنْ الْإِتْيَانِ بِسُورَةِ مِثْلِهِ
وَمُحَمَّدٌ مِنْهُمْ عَلِمَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ اللَّهِ نَزَّلَهُ بِعِلْمِهِ لَمْ يُنَزِّلْهُ بِعِلْمِ مَخْلُوقِ فَمَا فِيهِ مِنْ الْخَبَرِ فَهُوَ خَبَرٌ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28996وَقَوْلُهُ : { nindex.php?page=tafseer&surano=2886&ayano=25قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } لِأَنَّ فِيهِ [ مِنْ ] الْأَسْرَارِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهُ فَذِكْرُهُ ذَلِكَ يُسْتَدَلُّ بِهِ تَارَةً عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ مُنَزَّلٌ مِنْ اللَّهِ لَكِنْ تَضَمَّنَ مِنْ الْأَخْبَارِ عَنْ أَسْرَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالدُّنْيَا وَالْأَوَّلِينَ والآخرين وَسِرِّ الْغَيْبِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ . فَمِنْ هُنَا نَسْتَدِلُّ بِعِلْمِنَا بِصِدْقِ أَخْبَارِهِ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ .
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ تَعَالَى اسْتَدْلَلْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ خَبَرَهُ حَقٌّ وَإِذَا كَانَ خَبَرًا بِعِلْمِ اللَّهِ فَمَا فِيهِ مِنْ الْخَبَرِ يَسْتَدِلُّ بِهِ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ وَأُمَمِهِمْ وَتَارَةً عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَا فِيهَا وَالْخَبَرُ الَّذِي يُسْتَدَلُّ بِهِ لَا بُدَّ أَنْ نَعْلَمَ صِحَّتَهُ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ وَذَلِكَ كَإِخْبَارِهِ بالمستقبلات فَوَقَعَتْ كَمَا أَخْبَرَ وَكَإِخْبَارِهِ بِالْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ بِمَا يُوَافِقُ مَا عِنْدَ
أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّمٍ مِنْهُمْ وَإِخْبَارِهِ بِأُمُورِ هِيَ سِرٌّ عِنْدَ أَصْحَابِهَا كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5298&ayano=66وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا } إلَى قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5298&ayano=66نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ } فَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2886&ayano=25قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } اسْتِدْلَالٌ بِأَخْبَارِهِ ; وَلِهَذَا ذَكَرَهُ تَكْذِيبًا لِمَنْ قَالَ هُوَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2884&ayano=25إفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=663&ayano=4أَنْزَلَهُ } اسْتِدْلَالٌ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ وَأَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي فِيهِ عَنْ اللَّهِ حَقٌّ ; وَلِهَذَا ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ التَّحَدِّي وَظُهُورِ عَجْزِ الْخَلْقِ عَنْ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ .