الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في افتتاح الصلاة : { nindex.php?page=hadith&LINKID=14979اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والبرد والماء البارد } " وفي الصحيح أنه كان يقول في دعاء الاستفتاح : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=70323اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت [ ص: 53 ] أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت } " وفي الصحيح أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=597653اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله علانيته وسره أوله وآخره } " وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=70320اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي . اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت } " . ومثل هذا كثير في الكتاب والسنة .
فإذا قال القائل : أي حاجة بالأنبياء إلى العبادات والطاعات ؟ كان جاهلا ; لأنهم إنما نالوا ما نالوه بعبادتهم وطاعتهم فكيف يقال : إنهم لا يحتاجون إليها فهي أفضل عبادتهم وطاعتهم .
وإذا قال nindex.php?page=treesubj&link=29490_19704القائل : فالتوبة لا تكون إلا عن ذنب والاستغفار كذلك [ ص: 54 ] قيل له : الذنب الذي يضر صاحبه هو ما لم يحصل منه توبة فأما ما حصل منه توبة فقد يكون صاحبه بعد التوبة أفضل منه قبل الخطيئة كما قال بعض السلف : كان داود بعد التوبة أحسن منه حالا قبل الخطيئة ولو كانت nindex.php?page=treesubj&link=19704_19715التوبة من الكفر والكبائر ; فإن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم خيار الخليقة بعد الأنبياء وإنما صاروا كذلك بتوبتهم مما كانوا عليه من الكفر والذنوب ولم يكن ما تقدم قبل التوبة نقصا ولا عيبا ; بل لما تابوا من ذلك وعملوا الصالحات كانوا أعظم إيمانا وأقوى عبادة وطاعة ممن جاء بعدهم ; فلم يعرف الجاهلية كما عرفوها .
والله تعالى يبتلي عبده المؤمن بما يتوب منه ; ليحصل له بذلك من تكميل العبودية والتضرع والخشوع لله والإنابة إليه وكمال الحذر في المستقبل والاجتهاد في العبادة ما لم يحصل بدون التوبة كمن ذاق الجوع والعطش والمرض والفقر والخوف ثم ذاق الشبع والري والعافية والغنى والأمن فإنه يحصل له من المحبة لذلك وحلاوته ولذته والرغبة فيه وشكر نعمة الله عليه والحذر أن يقع فيما حصل أولا ما لم يحصل بدون ذلك . وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع .
وينبغي أن يعرف أن nindex.php?page=treesubj&link=19706التوبة لا بد منها لكل مؤمن ولا يكمل أحد ويحصل له كمال القرب من الله ويزول عنه كل ما يكره إلا بها . [ ص: 56 ] ومحمد صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق وأكرمهم على الله وهو المقدم على جميع الخلق في أنواع الطاعات ; فهو أفضل المحبين لله وأفضل المتوكلين على الله وأفضل العابدين له وأفضل العارفين به وأفضل التائبين إليه وتوبته أكمل من توبة غيره ; ولهذا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
وبهذه المغفرة نال الشفاعة يوم القيامة كما ثبت في الصحيح : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=597655أن الناس يوم القيامة يطلبون الشفاعة من آدم فيقول : إني نهيت عن الأكل من الشجرة فأكلت منها نفسي نفسي نفسي . ويطلبونها من نوح فيقول : إني دعوت على أهل الأرض دعوة لم أومر بها . نفسي نفسي نفسي . ويطلبونها من الخليل ثم من موسى ثم من المسيح فيقول : اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . قال : فيأتوني فأنطلق فإذا رأيت ربي خررت له ساجدا فأحمد ربي بمحامد يفتحها علي لا أحسنها الآن فيقول : أي محمد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعط واشفع تشفع فأقول : أي رب أمتي فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة } " .
فالمسيح - صلوات الله عليه وسلامه - دلهم على محمد صلى الله عليه وسلم وأخبر بكمال عبوديته لله وكمال مغفرة الله له إذ ليس بين المخلوفين والخالق نسب إلا محض العبودية والافتقار من العبد [ ص: 57 ] ومحض الجود والإحسان من الرب عز وجل .
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=597656لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل } " وثبت عنه في الصحيح أنه كان يقول : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=43368يا أيها الناس توبوا إلى ربكم فوالذي نفسي بيده إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة } " وثبت عنه في الصحيح أنه قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=597657إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة } " فهو صلى الله عليه وسلم لكمال عبوديته لله . وكمال محبته له وافتقاره إليه وكمال توبته واستغفاره : صار nindex.php?page=treesubj&link=28753أفضل الخلق عند الله فإن الخير كله من الله وليس للمخلوق من نفسه شيء بل هو فقير من كل وجه والله غني عنه من كل وجه محسن إليه من كل وجه فكلما ازداد العبد تواضعا وعبودية ازداد إلى الله قربا ورفعة ; ومن ذلك توبته واستغفاره .
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=597658كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون } " رواه ابن ماجه والترمذي .