[ ص: 266 ] سورة الحج وقال الشيخ رحمه الله فصل
nindex.php?page=treesubj&link=28889_28993سورة الحج فيها مكي ومدني وليلي ونهاري وسفري وحضري وشتائي وصيفي ; وتضمنت منازل المسير إلى الله بحيث لا يكون منزلة ولا قاطع يقطع عنها . ويوجد فيها ذكر القلوب الأربعة : الأعمى والمريض والقاسي والمخبت الحي المطمئن إلى الله .
وفيها من التوحيد والحكم والمواعظ على اختصارها ما هو بين لمن تدبره وفيها ذكر الواجبات والمستحبات كلها توحيدا وصلاة وزكاة وحجا وصياما قد تضمن ذلك كله
nindex.php?page=treesubj&link=28993قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=2694&ayano=22يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون } فيدخل في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2694&ayano=22وافعلوا الخير } كل واجب ومستحب ; فخصص في هذه الآية وعمم ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2695&ayano=22وجاهدوا في الله حق جهاده } فهذه الآية وما بعدها : لم تترك خيرا إلا جمعته ولا شرا إلا نفته .
[ ص: 267 ] قال شيخ الإسلام
nindex.php?page=treesubj&link=28993_29641قوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=2620&ayano=22ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2621&ayano=22كتب عليه أنه من تولاه } في أثناء آيات المعاد وعقبها بآية المعاد ثم أتبعه بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2625&ayano=22ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2626&ayano=22ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله } إلى قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2628&ayano=22ومن الناس من يعبد الله على حرف } فيه بيان حال المتكلمين وحال المتعبدين المجادلين بلا علم والعابدين بلا علم بل مع الشك لأن هذه السورة سورة الملة الإبراهيمية الذي جادل بعلم وعبد الله بعلم ولهذا ضمنت ذكر الحج وذكر الملل الست .
فقوله يجادل في الله بلا علم ذم لكل من جادل في الله بغير علم وهو دليل على أنه جائز بالعلم كما فعل
إبراهيم بقومه وفي الأولى ذم المجادل بغير علم وفي الثانية بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير .
وهذا والله أعلم من باب عطف الخاص على العام أو الانتقال من الأدنى إلى الأعلى ليبين أن الذي يجادل بالكتاب أعلاهم ثم بالهدى فالعلم اسم جامع ثم منه ما يعلم بالدليل القياسي فهو أدنى أقسامه فيخص
[ ص: 268 ] باسم العلم ويفرد ما عداه باسمه الخاص ; فإما معلوم بالدليل القياسي وهو علم النظر وإما ما علم بالهداية الكشفية كما للمحدثين وللمتفرسين ولسائر المؤمنين وهو الهدى وإما ما نزل من عند الله من الكتب وهو أعلاها فأعلاها العلم المأثور عن الكتب ثم كشوف الأولياء ثم قياس المتكلمين وغيرهم من العلماء .
[ ص: 269 ] وقال في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2628&ayano=22ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2629&ayano=22يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2630&ayano=22يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير } فإن آخر هذه الآية قد أشكل على كثير من الناس كما قال طائفة من المفسرين
كالثعلبي والبغوي واللفظ
للبغوي قال : هذه الآية من مشكلات القرآن وفيها أسئلة أولها : قالوا : قد قال الله تعالى في
nindex.php?page=treesubj&link=28684_28993الآية الأولى : { nindex.php?page=tafseer&surano=2629&ayano=22يدعو من دون الله ما لا يضره } أي لا يضره ترك عبادته وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2630&ayano=22لمن ضره } أي ضر عبادته ; - قلت : هذا جواب .
وذكر صاحب الكشاف جوابا غير هذا : فقال : فإن قلت : الضر والنفع منتفيان عن الأصنام مثبتان لهما في الآيتين وهذا تناقض قلت : إذا حصل المعنى ذهب هذا الوهم : وذلك أن الله سفه الكافر بأنه يعبد جمادا لا يملك ضرا ولا نفعا وهو يعتقد فيه لجهله وضلاله
[ ص: 270 ] أنه يستشفع به حين يستشفع به ; ثم قام يوم القيامة هذا الكافر بدعاء وصراخ حين رأى استضراره بالأصنام ودخوله النار بعبادتها ولا يرى أثر الشفاعة التي ادعاها لها : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2630&ayano=22لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير } أو كرر يدعو كأنه قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2629&ayano=22يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه } ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2630&ayano=22لمن ضره } بكونه معبودا {
nindex.php?page=tafseer&surano=2630&ayano=22أقرب من نفعه } بكونه شفيعا {
nindex.php?page=tafseer&surano=2630&ayano=22لبئس المولى } .
قلت : فقد جعل ضره بكونه معبودا وذكر تضرره بذلك : وفي الآخرة .
وقد قال
السدي ما يتضمن الجوابين في تفسيره المعروف قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2629&ayano=22ما لا يضره } قال : لا يضره إن عصاه {
nindex.php?page=tafseer&surano=2629&ayano=22وما لا ينفعه } قال : لا ينفعه الصنم إن أطاعه {
nindex.php?page=tafseer&surano=2630&ayano=22يدعو لمن ضره } قال : ضره في الآخرة من أجل عبادته إياه في الدنيا .
قلت : وهذا الذي ذكر من الجواب : كلام صحيح لكن لم يبين فيه وجه نفي التناقض .
فنقول : قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2629&ayano=22ما لا يضره وما لا ينفعه } هو نفي لكون المدعو المعبود من دون الله يملك نفعا أو ضرا وهذا يتناول كل ما سوى
[ ص: 271 ] الله من الملائكة والبشر والجن والكواكب والأوثان كلها فإنما سوى الله لا يملك لا لنفسه ولا لغيره ضرا ولا نفعا . كما قال تعالى في سياق نهيه عن عبادة
المسيح : {
nindex.php?page=tafseer&surano=746&ayano=5لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار } {
nindex.php?page=tafseer&surano=747&ayano=5لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=748&ayano=5أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=749&ayano=5ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=750&ayano=5قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم } وقد قال لخاتم الرسل : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1149&ayano=7قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5540&ayano=72قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا } وقال على العموم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3697&ayano=35ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1481&ayano=10وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4135&ayano=39قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون } وقال صاحب يس : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3763&ayano=36وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23 [ ص: 272 ] أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3765&ayano=36إني إذا لفي ضلال مبين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3766&ayano=36إني آمنت بربكم فاسمعون } .
وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2629&ayano=22يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه } نفي عام كما في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2457&ayano=20لا يملك لهم ضرا ولا نفعا } فهو لا يقدر أن يضر أحدا سواء عبده أو لم يعبده ولا ينفع أحدا سواء عبده أو لم يعبده ; وقول من قال : لا ينفع إن عبد ولا يضر إن لم يعبد بيان لانتفاء الرغبة والرهبة من جهته ; بخلاف الرب الذي يكرم عابديه ويرحمهم ويهين من لم يعبده ويعاقبه .
والتحقيق أنه لا ينفع ولا يضر مطلقا فإن الله سبحانه وسعت رحمته كل شيء وهو ينعم على كثير من خلقه وإن لم يعبدوه فنفعه للعباد لا يختص بعابديه وإن كان في هذا تفصيل ليس هذا موضعه وما دونه لا ينفع لا من عبده ولا من لم يعبده ; وهو سبحانه الضار النافع : قادر على أن يضر من يشاء وإن كان ما ينزله من الضر بعابديه هو رحمة في حقهم كما قال
أيوب : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2587&ayano=21مسني الضر وأنت أرحم الراحمين } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1481&ayano=6وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو } وقال أيضا لرسوله
محمد صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=tafseer&surano=1149&ayano=7قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=186&ayano=2والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس } وهو سبحانه يحدث ما يحدثه من الضرر بمن لا يوصف بمعصية من الأطفال والمجانين والبهائم ; لما في ذلك من الحكمة والنعمة
[ ص: 273 ] والرحمة كما هو مبسوط في غير هذا الموضع .
فإن المقصود هنا أن نفي الضر والنفع عمن سواه عام لا يجب أن يخص هذا بمن عبده وهذا بمن لم يعبده ; وإن كان هذا التخصيص حقا باعتبار صحيح ; وجواب من أجاب بأن معناه لا يضر ترك عبادته وضره بعبادته أقرب من نفعه مبني على هذا التخصيص .
وإذا كان كذلك فنقول : المنفي قدرة من سواه على الضر والنفع . وأما قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2630&ayano=22ضره أقرب من نفعه } فنقول أولا : المنفي هو فعلهم بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2629&ayano=22ما لا يضره وما لا ينفعه } والمثبت اسم مضاف إليه فإنه لم يقل : يضر أعظم مما ينفع ; بل قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2630&ayano=22لمن ضره أقرب من نفعه } والشيء يضاف إلى الشيء بأدنى ملابسة فلا يجب أن يكون الضر والنفع المضافين من باب إضافة المصدر إلى الفاعل بل قد يضاف المصدر من جهة كونه اسما كما تضاف سائر الأسماء وقد يضاف إلى محله وزمانه ومكانه وسبب حدوثه وإن لم يكن فاعلا كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3673&ayano=34بل مكر الليل والنهار } ولا ريب أن بين المعبود من دون الله وبين ضرر عابديه تعلق يقتضي الإضافة كأنه قيل : لمن شره أقرب من خيره وخسارته أقرب من ربحه ; فتدبر هذا .
ولو جعل هو فاعل الضر بهذا لأنه سبب فيه لا لأنه هو الذي
[ ص: 274 ] فعل الضرر وهذا كقول
الخليل عن الأصنام : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1800&ayano=14رب إنهن أضللن كثيرا من الناس } فنسب الإضلال إليهن والإضلال هو ضرر لمن أضللنه وكذلك قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1585&ayano=11وما زادوهم غير تتبيب } وهذا كما يقال : أهلك الناس الدرهم والدينار وأهلك النساء الأحمران الذهب والحرير ; وكما يقال للمحبوب المعشوق الذي تضر محبته وعشقه : إنه عذب هذا وأهلكه وأفسده وقتله وعثره ; وإن كان ذاك المحبوب قد لا يكون شاعرا بحال هذا ألبتة وكذلك يقال في المحسود ; إنه يعذب حاسديه وإن كان لا شعور له بهم .
وفي الصحيحين عن
عمرو بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39844والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخاف أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتتنافسوا فيها كما تنافسوا فيها وتهلككم كما أهلكتهم } فجعل الدنيا المبسوطة هي المهلكة لهم : وذلك بسبب حبها والحرص عليها والمنافسة فيها وإن كانت مفعولا بها لا اختيار لها فهكذا المدعو المعبود من دون الله الذي لم يأمر بعبادة نفسه : إما لكونه جمادا وإما لكونه عبدا مطيعا لله من الملائكة والأنبياء والصالحين من الإنس والجن فما يدعى من دون الله هو لا ينفع ولا يضر لكن هو السبب في دعاء الداعي له وعبادته إياه . وعبادة ذاك ودعاؤه هو الذي ضره فهذا الضر المضاف إليه غير الضر المنفي عنه
[ ص: 275 ] فضرر العابد له بعبادته يحصل في الدنيا والآخرة .
وإن كان عذاب الآخرة أشد فالمشركون الذين عبدوا غير الله حصل لهم بسبب شركهم بهؤلاء من عذاب الله في الدنيا ما جعله الله عبرة لأولي الأبصار قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1584&ayano=11ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1585&ayano=11وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب } فبين أنهم لم تنفعهم بل ما زادتهم إلا شرا .
وقد قيل في هذا كما قيل في الضر . قيل : ما زادتهم عبادتها وقيل : إنها في القيامة تكون عونا عليهم فتزيدهم شرا وهذا كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2350&ayano=19واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2351&ayano=19كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا } والتتبيب : عبر عنه الأكثرون : بأنه التخسير كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6328&ayano=111تبت يدا أبي لهب وتب } وقيل : التثبير والإهلاك وقيل : ما زادوهم إلا شرا ; وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1585&ayano=11فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب } فعل ماض يدل على أن هذا كان في الدنيا ; وقد يقال : فالشر كله من جهتهم فلم قيل : فما زادوهم فيقال : بل عذبوا على كفرهم بالله ولو لم يعبدوهم فلما عبدوهم مع ذلك ازدادوا بذلك كفرا وعذابا فما زادوهم إلا خسارة وشرا ; ما زادوهم ربحا وخيرا .
[ ص: 266 ] سُورَةُ الْحَجِّ وَقَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَصْلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=28889_28993سُورَةُ الْحَجِّ فِيهَا مَكِّيٌّ وَمَدَنِيٌّ وَلَيْلِيٌّ وَنَهَارِيٌّ وَسَفَرِيٌّ وَحَضَرِيٌّ وَشِتَائِيٌّ وَصَيْفِيٌّ ; وَتَضَمَّنَتْ مَنَازِلَ الْمَسِيرِ إلَى اللَّهِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مَنْزِلَةٌ وَلَا قَاطِعٌ يَقْطَعُ عَنْهَا . وَيُوجَدُ فِيهَا ذِكْرُ الْقُلُوبِ الْأَرْبَعَةِ : الْأَعْمَى وَالْمَرِيضُ وَالْقَاسِي وَالْمُخْبِتُ الْحَيُّ الْمُطْمَئِنُّ إلَى اللَّهِ .
وَفِيهَا مِنْ التَّوْحِيدِ وَالْحُكْمِ وَالْمَوَاعِظِ عَلَى اخْتِصَارِهَا مَا هُوَ بَيِّنٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ وَفِيهَا ذِكْرُ الْوَاجِبَاتِ والمستحبات كُلُّهَا تَوْحِيدًا وَصَلَاةً وَزَكَاةً وَحَجًّا وَصِيَامًا قَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ كُلَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28993قَوْله تَعَالَى { nindex.php?page=tafseer&surano=2694&ayano=22يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2694&ayano=22وَافْعَلُوا الْخَيْرَ } كُلُّ وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ ; فَخَصَّصَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَعَمَّمَ ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2695&ayano=22وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } فَهَذِهِ الْآيَةُ وَمَا بَعْدَهَا : لَمْ تَتْرُكْ خَيْرًا إلَّا جَمَعَتْهُ وَلَا شَرًّا إلَّا نَفَتْهُ .
[ ص: 267 ] قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
nindex.php?page=treesubj&link=28993_29641قَوْلُهُ : { nindex.php?page=tafseer&surano=2620&ayano=22وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2621&ayano=22كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ } فِي أَثْنَاءِ آيَاتِ الْمَعَادِ وَعَقِبَهَا بِآيَةِ الْمَعَادِ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2625&ayano=22وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2626&ayano=22ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } إلَى قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2628&ayano=22وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ } فِيهِ بَيَانُ حَالِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَحَالِ الْمُتَعَبِّدِينَ الْمُجَادِلِينَ بِلَا عِلْمٍ وَالْعَابِدِينَ بِلَا عِلْمٍ بَلْ مَعَ الشَّكِّ لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ سُورَةُ الْمِلَّةِ الإبراهيمية الَّذِي جَادَلَ بِعَلَمِ وَعَبَدَ اللَّهَ بِعِلْمِ وَلِهَذَا ضُمِّنَتْ ذِكْرَ الْحَجِّ وَذِكْرَ الْمِلَلِ السِّتِّ .
فَقَوْلُهُ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ ذَمٌّ لِكُلِّ مَنْ جَادَلَ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ بِالْعِلْمِ كَمَا فَعَلَ
إبْرَاهِيمُ بِقَوْمِهِ وَفِي الْأُولَى ذَمَّ الْمُجَادِلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَفِي الثَّانِيَةِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ .
وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ أَوْ الِانْتِقَالِ مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى لِيُبَيِّنَ أَنَّ الَّذِي يُجَادِلُ بِالْكِتَابِ أَعْلَاهُمْ ثُمَّ بِالْهُدَى فَالْعِلْمُ اسْمٌ جَامِعٌ ثُمَّ مِنْهُ مَا يُعْلَمُ بِالدَّلِيلِ الْقِيَاسِيِّ فَهُوَ أَدْنَى أَقْسَامِهِ فَيُخَصُّ
[ ص: 268 ] بِاسْمِ الْعِلْمِ وَيُفْرَدُ مَا عَدَاهُ بِاسْمِهِ الْخَاصِّ ; فَإِمَّا مَعْلُومٌ بِالدَّلِيلِ الْقِيَاسِيِّ وَهُوَ عِلْمُ النَّظَرِ وَإِمَّا مَا عُلِمَ بِالْهِدَايَةِ الْكَشْفِيَّةِ كَمَا لِلْمُحَدِّثِينَ ولِلْمُتَفَرِّسِين وَلِسَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ الْهُدَى وَإِمَّا مَا نَزَلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنْ الْكُتُبِ وَهُوَ أَعْلَاهَا فَأَعْلَاهَا الْعِلْمُ الْمَأْثُورُ عَنْ الْكُتُبِ ثُمَّ كُشُوفُ الْأَوْلِيَاءِ ثُمَّ قِيَاسُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ .
[ ص: 269 ] وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2628&ayano=22وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2629&ayano=22يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2630&ayano=22يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ } فَإِنَّ آخِرَ هَذِهِ الْآيَةِ قَدْ أَشْكَلَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ كَمَا قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ
كَالثَّعْلَبِيِّ والبغوي وَاللَّفْظُ
للبغوي قَالَ : هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْقُرْآنِ وَفِيهَا أَسْئِلَةٌ أَوَّلُهَا : قَالُوا : قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28684_28993الْآيَةِ الْأُولَى : { nindex.php?page=tafseer&surano=2629&ayano=22يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ } أَيْ لَا يَضُرُّهُ تَرْكُ عِبَادَتِهِ وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2630&ayano=22لَمَنْ ضَرُّهُ } أَيْ ضَرُّ عِبَادَتِهِ ; - قُلْت : هَذَا جَوَابٌ .
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ جَوَابًا غَيْرَ هَذَا : فَقَالَ : فَإِنْ قُلْت : الضُّرُّ وَالنَّفْعُ مُنْتَفِيَانِ عَنْ الْأَصْنَامِ مُثْبَتَانِ لَهُمَا فِي الْآيَتَيْنِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ قُلْت : إذَا حَصَلَ الْمَعْنَى ذَهَبَ هَذَا الْوَهْمُ : وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سَفَّهَ الْكَافِرَ بِأَنَّهُ يَعْبُدُ جَمَادًا لَا يَمْلِكُ ضُرًّا وَلَا نَفْعًا وَهُوَ يَعْتَقِدُ فِيهِ لِجَهْلِهِ وَضَلَالِهِ
[ ص: 270 ] أَنَّهُ يَسْتَشْفِعُ بِهِ حِينَ يَسْتَشْفِعُ بِهِ ; ثُمَّ قَامَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَذَا الْكَافِرُ بِدُعَاءِ وَصُرَاخٍ حِينَ رَأَى اسْتِضْرَارَهُ بِالْأَصْنَامِ وَدُخُولَهُ النَّارَ بِعِبَادَتِهَا وَلَا يُرَى أَثَرُ الشَّفَاعَةِ الَّتِي ادَّعَاهَا لَهَا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2630&ayano=22لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ } أَوْ كَرَّرَ يَدْعُو كَأَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2629&ayano=22يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ } ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2630&ayano=22لَمَنْ ضَرُّهُ } بِكَوْنِهِ مَعْبُودًا {
nindex.php?page=tafseer&surano=2630&ayano=22أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ } بِكَوْنِهِ شَفِيعًا {
nindex.php?page=tafseer&surano=2630&ayano=22لَبِئْسَ الْمَوْلَى } .
قُلْت : فَقَدْ جَعَلَ ضَرَّهُ بِكَوْنِهِ مَعْبُودًا وَذَكَرَ تَضَرُّرَهُ بِذَلِكَ : وَفِي الْآخِرَةِ .
وَقَدْ قَالَ
السدي مَا يَتَضَمَّنُ الْجَوَابَيْنِ فِي تَفْسِيرِهِ الْمَعْرُوفِ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2629&ayano=22مَا لَا يَضُرُّهُ } قَالَ : لَا يَضُرُّهُ إنْ عَصَاهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2629&ayano=22وَمَا لَا يَنْفَعُهُ } قَالَ : لَا يَنْفَعُهُ الصَّنَمُ إنْ أَطَاعَهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2630&ayano=22يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ } قَالَ : ضَرُّهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ أَجْلِ عِبَادَتِهِ إيَّاهُ فِي الدُّنْيَا .
قُلْت : وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَ مِنْ الْجَوَابِ : كَلَامٌ صَحِيحٌ لَكِنْ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ وَجْهَ نَفْيِ التَّنَاقُضِ .
فَنَقُولُ : قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2629&ayano=22مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ } هُوَ نَفْيٌ لِكَوْنِ الْمَدْعُوِّ الْمَعْبُودَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يَمْلِكُ نَفْعًا أَوْ ضُرًّا وَهَذَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا سِوَى
[ ص: 271 ] اللَّهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْبَشَرِ وَالْجِنِّ وَالْكَوَاكِبِ وَالْأَوْثَانِ كُلِّهَا فَإِنَّمَا سِوَى اللَّهِ لَا يَمْلِكُ لَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ ضُرًّا وَلَا نَفْعًا . كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سِيَاقِ نَهْيِهِ عَنْ عِبَادَةِ
الْمَسِيحِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=746&ayano=5لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=747&ayano=5لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إلَهٍ إلَّا إلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=748&ayano=5أَفَلَا يَتُوبُونَ إلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=749&ayano=5مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=750&ayano=5قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } وَقَدْ قَالَ لِخَاتَمِ الرُّسُلِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1149&ayano=7قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5540&ayano=72قُلْ إنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا } وَقَالَ عَلَى الْعُمُومِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3697&ayano=35مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1481&ayano=10وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4135&ayano=39قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ } وَقَالَ صَاحِبُ يس : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3763&ayano=36وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=23 [ ص: 272 ] أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3765&ayano=36إنِّي إذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3766&ayano=36إنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ } .
وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2629&ayano=22يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ } نَفْيٌ عَامٌّ كَمَا فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2457&ayano=20لَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا } فَهُوَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَضُرَّ أَحَدًا سَوَاءٌ عَبَدَهُ أَوْ لَمْ يَعْبُدْهُ وَلَا يَنْفَعَ أَحَدًا سَوَاءٌ عَبَدَهُ أَوْ لَمْ يَعْبُدْهُ ; وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : لَا يَنْفَعُ إنْ عُبِدَ وَلَا يَضُرُّ إنْ لَمْ يُعْبَدْ بَيَانٌ لِانْتِفَاءِ الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ مِنْ جِهَتِهِ ; بِخِلَافِ الرَّبِّ الَّذِي يُكْرِمُ عَابِدِيهِ وَيَرْحَمُهُمْ وَيُهِينُ مَنْ لَمْ يَعْبُدْهُ وَيُعَاقِبُهُ .
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ مُطْلَقًا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ يُنْعِمُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْبُدُوهُ فَنَفْعُهُ لِلْعِبَادِ لَا يَخْتَصُّ بِعَابِدِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي هَذَا تَفْصِيلٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ وَمَا دُونَهُ لَا يَنْفَعُ لَا مَنْ عَبَدَهُ وَلَا مَنْ لَمْ يَعْبُدْهُ ; وَهُوَ سُبْحَانَهُ الضَّارُّ النَّافِعُ : قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَضُرَّ مَنْ يَشَاءُ وَإِنْ كَانَ مَا يُنْزِلُهُ مِنْ الضُّرِّ بِعَابِدِيهِ هُوَ رَحْمَةٌ فِي حَقِّهِمْ كَمَا قَالَ
أَيُّوبُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2587&ayano=21مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1481&ayano=6وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إلَّا هُوَ } وَقَالَ أَيْضًا لِرَسُولِهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1149&ayano=7قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=186&ayano=2وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ } وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُحْدِثُ مَا يُحْدِثُهُ مِنْ الضَّرَرِ بِمَنْ لَا يُوصَفُ بِمَعْصِيَةِ مِنْ الْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينِ وَالْبَهَائِمِ ; لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَةِ وَالنِّعْمَةِ
[ ص: 273 ] وَالرَّحْمَةِ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا أَنَّ نَفْيَ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ عَمَّنْ سِوَاهُ عَامٌّ لَا يَجِبُ أَنْ يُخَصَّ هَذَا بِمَنْ عَبَدَهُ وَهَذَا بِمَنْ لَمْ يَعْبُدْهُ ; وَإِنْ كَانَ هَذَا التَّخْصِيصُ حَقًّا بِاعْتِبَارِ صَحِيحٍ ; وَجَوَابُ مَنْ أَجَابَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَضُرُّ تَرْكُ عِبَادَتِهِ وَضَرُّهُ بِعِبَادَتِهِ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا التَّخْصِيصِ .
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَنَقُولُ : الْمَنْفِيُّ قُدْرَةُ مَنْ سِوَاهُ عَلَى الضُّرِّ وَالنَّفْعِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2630&ayano=22ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ } فَنَقُولُ أَوَّلًا : الْمَنْفِيُّ هُوَ فِعْلُهُمْ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2629&ayano=22مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ } وَالْمُثْبَتُ اسْمٌ مُضَافٌ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ : يَضُرُّ أَعْظَمَ مِمَّا يَنْفَعُ ; بَلْ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2630&ayano=22لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ } وَالشَّيْءُ يُضَافُ إلَى الشَّيْءِ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ فَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الضُّرُّ وَالنَّفْعُ الْمُضَافَيْنِ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى الْفَاعِلِ بَلْ قَدْ يُضَافُ الْمَصْدَرُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ اسْمًا كَمَا تُضَافُ سَائِرُ الْأَسْمَاءِ وَقَدْ يُضَافُ إلَى مَحَلِّهِ وَزَمَانِهِ وَمَكَانِهِ وَسَبَبِ حُدُوثِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3673&ayano=34بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } وَلَا رَيْبَ أَنَّ بَيْنَ الْمَعْبُودِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَبَيْنَ ضَرَرِ عَابِدِيهِ تَعَلُّقٌ يَقْتَضِي الْإِضَافَةَ كَأَنَّهُ قِيلَ : لَمَنْ شَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ خَيْرِهِ وَخَسَارَتُهُ أَقْرَبُ مِنْ رِبْحِهِ ; فَتَدَبَّرْ هَذَا .
وَلَوْ جُعِلَ هُوَ فَاعِلَ الضُّرِّ بِهَذَا لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِيهِ لَا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي
[ ص: 274 ] فَعَلَ الضَّرَرَ وَهَذَا كَقَوْلِ
الْخَلِيلِ عَنْ الْأَصْنَامِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1800&ayano=14رَبِّ إنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ } فَنُسِبَ الْإِضْلَالُ إلَيْهِنَّ وَالْإِضْلَالُ هُوَ ضَرَرٌ لِمَنْ أَضْلَلْنَهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1585&ayano=11وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } وَهَذَا كَمَا يُقَالُ : أَهْلَكَ النَّاسَ الدِّرْهَمُ وَالدِّينَارُ وَأَهْلَكَ النِّسَاءَ الْأَحْمَرَانِ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ ; وَكَمَا يُقَالُ لِلْمَحْبُوبِ الْمَعْشُوقِ الَّذِي تَضُرُّ مَحَبَّتُهُ وَعِشْقُهُ : إنَّهُ عَذَّبَ هَذَا وَأَهْلَكَهُ وَأَفْسَدَهُ وَقَتَلَهُ وَعَثَّرَهُ ; وَإِنْ كَانَ ذَاكَ الْمَحْبُوبُ قَدْ لَا يَكُونُ شَاعِرًا بِحَالِ هَذَا أَلْبَتَّةَ وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي الْمَحْسُودِ ; إنَّهُ يُعَذِّبُ حَاسِدِيهِ وَإِنْ كَانَ لَا شُعُورَ لَهُ بِهِمْ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39844وَاَللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَتَنَافَسُوا فِيهَا كَمَا تَنَافَسُوا فِيهَا وَتُهْلِكُكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ } فَجَعَلَ الدُّنْيَا الْمَبْسُوطَةَ هِيَ الْمُهْلِكَةُ لَهُمْ : وَذَلِكَ بِسَبَبِ حُبِّهَا وَالْحِرْصِ عَلَيْهَا وَالْمُنَافَسَةِ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مَفْعُولًا بِهَا لَا اخْتِيَارَ لَهَا فَهَكَذَا الْمَدْعُوُّ الْمَعْبُودُ مِنْ دُونِ اللَّهِ الَّذِي لَمْ يَأْمُرْ بِعِبَادَةِ نَفْسِهِ : إمَّا لِكَوْنِهِ جَمَادًا وَإِمَّا لِكَوْنِهِ عَبْدًا مُطِيعًا لِلَّهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ فَمَا يُدْعَى مِنْ دُونِ اللَّهِ هُوَ لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ لَكِنْ هُوَ السَّبَبُ فِي دُعَاءِ الدَّاعِي لَهُ وَعِبَادَتِهِ إيَّاهُ . وَعِبَادَةُ ذَاكَ وَدُعَاؤُهُ هُوَ الَّذِي ضَرَّهُ فَهَذَا الضُّرُّ الْمُضَافُ إلَيْهِ غَيْرُ الضُّرِّ الْمَنْفِيِّ عَنْهُ
[ ص: 275 ] فَضَرَرُ الْعَابِدِ لَهُ بِعِبَادَتِهِ يَحْصُلُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
وَإِنْ كَانَ عَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدَّ فَالْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ عَبَدُوا غَيْرَ اللَّهِ حَصَلَ لَهُمْ بِسَبَبِ شِرْكِهِمْ بِهَؤُلَاءِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا مَا جَعَلَهُ اللَّهُ عِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1584&ayano=11ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1585&ayano=11وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } فَبَيَّنَ أَنَّهُمْ لَمْ تَنْفَعْهُمْ بَلْ مَا زَادَتْهُمْ إلَّا شَرًّا .
وَقَدْ قِيلَ فِي هَذَا كَمَا قِيلَ فِي الضُّرِّ . قِيلَ : مَا زَادَتْهُمْ عِبَادَتُهَا وَقِيلَ : إنَّهَا فِي الْقِيَامَةِ تَكُونُ عَوْنًا عَلَيْهِمْ فَتَزِيدُهُمْ شَرًّا وَهَذَا كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2350&ayano=19وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2351&ayano=19كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } وَالتَّتْبِيبُ : عَبَّرَ عَنْهُ الْأَكْثَرُونَ : بِأَنَّهُ التَّخْسِيرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6328&ayano=111تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } وَقِيلَ : التَّثْبِيرُ وَالْإِهْلَاكُ وَقِيلَ : مَا زَادُوهُمْ إلَّا شَرًّا ; وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1585&ayano=11فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } فِعْلٌ مَاضٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ فِي الدُّنْيَا ; وَقَدْ يُقَالُ : فَالشَّرُّ كُلُّهُ مِنْ جِهَتِهِمْ فَلِمَ قِيلَ : فَمَا زَادُوهُمْ فَيُقَالُ : بَلْ عُذِّبُوا عَلَى كُفْرِهِمْ بِاَللَّهِ وَلَوْ لَمْ يَعْبُدُوهُمْ فَلَمَّا عَبَدُوهُمْ مَعَ ذَلِكَ ازْدَادُوا بِذَلِكَ كُفْرًا وَعَذَابًا فَمَا زَادُوهُمْ إلَّا خَسَارَةً وَشَرًّا ; مَا زَادُوهُمْ رِبْحًا وَخَيْرًا .