[ ص: 40 ] سورة الزخرف وقال : فصل قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4385&ayano=16nindex.php?page=treesubj&link=28902وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم } يشبه قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4425&ayano=43ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4426&ayano=43وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون } فيشبه والله أعلم أن يكون ضرب المثل أنهم جعلوا
المسيح ابنه . والملائكة بناته والولد يشبه أباه فجعلوه لله شبيها ونظيرا . أو يكون المعنى في
المسيح أنه مثل لآلهتهم ; لأنه عبد من دون الله .
فعلى الأول يكون ضاربه كضارب المثل للرحمن وهم
النصارى والمشركون وعلى الثاني يكون ضاربه هو الذي عارض به قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2602&ayano=21إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } فلما قال
ابن الزبعرى : لأخصمن
محمدا . فعارضه
بالمسيح وناقضه به كان قد ضربه مثلا قاس الآلهة عليه ويترجح هذا بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4426&ayano=43ما ضربوه لك إلا جدلا } فعلم أنهم هم الذين
[ ص: 41 ] ضربوه لا
النصارى .
فإن " المثل " يقال على الأصل وعلى الفرع " والمثل " يقال على المفرد ويقال على الجملة التي هي القياس كما قد ذكرت فيما تقدم أن ضرب المثل هو القياس أما قياس التمثيل فيكون المثل هو المفرد وأما قياس الشمول فيكون تسميته ضرب مثل كتسميته قياسا كما بينته في غير هذا الموضع من جهة مطابقة المعاني الذهنية للأعيان الخارجية ومماثلتها لها ومن جهة مطابقة ذلك المفرد المعين للمعنى العام الشامل للأفراد ولسائر الأفراد ; فإن الذهن يرتسم فيه معنى عام يماثل الفرد المعين وكل فرد يماثل الآخر فصار هذا المعنى يماثل هذا وكل منهما يماثل المعنى العام الشامل لهما .
وبهذا والله أعلم سمي ضرب مثل وسمي قياسا فإن الضرب الجمع والجمع في القلب واللسان وهو العموم والشمول فالجمع والضرب والعموم والشمول في النفس معنى ولفظا فإذا ضرب مثلا فقد صيغ عموما مطابقا أو صيغ مفردا مشابها ; فتدبر هذا فإنه حسن إن شاء الله .
ولك أن تقول : كل إخبار بمثل صوره المخبر في النفس فهو ضرب
[ ص: 42 ] مثل ; لأن المتكلم جمع مثلا في نفسه ونفس المستمع بالخبر المطابق للمخبر فيكون المثل هو الخبر وهو الوصف كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4607&ayano=13مثل الجنة التي وعد المتقون } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2690&ayano=22ضرب مثل فاستمعوا له } .
وبسط هذا اللفظ واشتماله على محاسن الأحكام والأدلة قد ذكرته في غير هذا الموضع .
[ ص: 40 ] سُورَةُ الزُّخْرُفِ وَقَالَ : فَصْلٌ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4385&ayano=16nindex.php?page=treesubj&link=28902وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ } يُشْبِهُ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4425&ayano=43وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4426&ayano=43وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } فَيُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ ضَرْبُ الْمَثَلِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا
الْمَسِيحَ ابْنَهُ . وَالْمَلَائِكَةَ بَنَاتَه وَالْوَلَدُ يُشْبِهُ أَبَاهُ فَجَعَلُوهُ لِلَّهِ شَبِيهًا وَنَظِيرًا . أَوْ يَكُونُ الْمَعْنَى فِي
الْمَسِيحِ أَنَّهُ مَثَلٌ لِآلِهَتِهِمْ ; لِأَنَّهُ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ .
فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ ضَارِبُهُ كَضَارِبِ الْمَثَلِ لِلرَّحْمَنِ وَهُمْ
النَّصَارَى وَالْمُشْرِكُونَ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ ضَارِبُهُ هُوَ الَّذِي عَارَضَ بِهِ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2602&ayano=21إنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } فَلَمَّا قَالَ
ابْنُ الزبعرى : لَأَخْصِمَن
مُحَمَّدًا . فَعَارَضَهُ
بِالْمَسِيحِ وَنَاقَضَهُ بِهِ كَانَ قَدْ ضَرَبَهُ مَثَلًا قَاسَ الْآلِهَةَ عَلَيْهِ وَيَتَرَجَّحُ هَذَا بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4426&ayano=43مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إلَّا جَدَلًا } فَعُلِمَ أَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ
[ ص: 41 ] ضَرَبُوهُ لَا
النَّصَارَى .
فَإِنَّ " الْمَثَلَ " يُقَالُ عَلَى الْأَصْلِ وَعَلَى الْفَرْعِ " وَالْمَثَلُ " يُقَالُ عَلَى الْمُفْرَدِ وَيُقَالُ عَلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي هِيَ الْقِيَاسُ كَمَا قَدْ ذَكَرْت فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ ضَرْبَ الْمَثَلِ هُوَ الْقِيَاسُ أَمَّا قِيَاسُ التَّمْثِيلِ فَيَكُونُ الْمَثَلُ هُوَ الْمُفْرَدُ وَأَمَّا قِيَاسُ الشُّمُولِ فَيَكُونُ تَسْمِيَتُهُ ضَرْبَ مِثْلٍ كَتَسْمِيَتِهِ قِيَاسًا كَمَا بَيَّنْته فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ جِهَةِ مُطَابَقَةِ الْمَعَانِي الذِّهْنِيَّةِ لِلْأَعْيَانِ الْخَارِجِيَّةِ وَمُمَاثَلَتِهَا لَهَا وَمِنْ جِهَةِ مُطَابِقَةِ ذَلِكَ الْمُفْرَدِ الْمُعَيَّنِ لِلْمَعْنَى الْعَامِّ الشَّامِلِ لِلْأَفْرَادِ وَلِسَائِرِ الْأَفْرَادِ ; فَإِنَّ الذِّهْنَ يَرْتَسِمُ فِيهِ مَعْنًى عَامٌّ يُمَاثِلُ الْفَرْدَ الْمُعَيَّنُ وَكُلُّ فَرْدٍ يُمَاثِلُ الْآخَرَ فَصَارَ هَذَا الْمَعْنَى يُمَاثِلُ هَذَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُمَاثِلُ الْمَعْنَى الْعَامَّ الشَّامِلَ لَهُمَا .
وَبِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ سُمِّيَ ضَرْبَ مَثَلٍ وَسُمِّيَ قِيَاسًا فَإِنَّ الضَّرْبَ الْجَمْعُ وَالْجَمْعُ فِي الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَهُوَ الْعُمُومُ وَالشُّمُولُ فَالْجَمْعُ وَالضَّرْبُ وَالْعُمُومُ وَالشُّمُولُ فِي النَّفْسِ مَعْنًى وَلَفْظًا فَإِذَا ضَرَبَ مَثَلًا فَقَدْ صِيغَ عُمُومًا مُطَابِقًا أَوْ صِيغَ مُفْرَدًا مُشَابِهًا ; فَتَدَبَّرْ هَذَا فَإِنَّهُ حَسَنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَلَك أَنْ تَقُولَ : كُلُّ إخْبَارٍ بِمَثَلِ صَوَّرَهُ الْمُخْبِرُ فِي النَّفْسِ فَهُوَ ضَرْبُ
[ ص: 42 ] مَثَلٍ ; لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ جَمَعَ مَثَلًا فِي نَفْسِهِ وَنَفْسِ الْمُسْتَمِعِ بِالْخَبَرِ الْمُطَابِقِ لِلْمُخْبِرِ فَيَكُونُ الْمَثَلُ هُوَ الْخَبَرُ وَهُوَ الْوَصْفُ كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4607&ayano=13مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2690&ayano=22ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ } .
وَبَسْطُ هَذَا اللَّفْظِ وَاشْتِمَالُهُ عَلَى مَحَاسِنِ الْأَحْكَامِ وَالْأَدِلَّةِ قَدْ ذَكَرْته فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .