فصل وهذا النسيان نسيان الإنسان لنفسه ولما في نفسه حصل بنسيانه لربه ولما أنزله . قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=59ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون } . وقال تعالى في حق المنافقين {
nindex.php?page=tafseer&surano=1311&ayano=9نسوا الله فنسيهم } . وقال {
nindex.php?page=tafseer&surano=2494&ayano=20كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى } .
وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=59ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم } يقتضي أن نسيان الله كان سببا لنسيانهم أنفسهم وإنهم لما نسوا الله عاقبهم بأن أنساهم أنفسهم .
[ ص: 349 ] ونسيانهم أنفسهم يتضمن إعراضهم وغفلتهم وعدم معرفتهم بما كانوا عارفين به قبل ذلك من حال أنفسهم كما أنه يقتضي تركهم لمصالح أنفسهم . فهو يقتضي أنهم لا يذكرون أنفسهم ذكرا ينفعها ويصلحها وأنهم لو ذكروا الله لذكروا أنفسهم .
وهذا عكس ما يقال " من عرف نفسه عرف ربه " . وبعض الناس يروي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا هو في شيء من كتب الحديث ولا يعرف له إسناد .
ولكن يروى في بعض الكتب المتقدمة إن صح " يا إنسان اعرف نفسك تعرف ربك " . وهذا الكلام سواء كان معناه صحيحا أو فاسدا لا يمكن الاحتجاج بلفظه فإنه لم يثبت عن قائل معصوم . لكن إن فسر بمعنى صحيح عرف صحة ذلك المعنى سواء دل عليه هذا اللفظ أو لم يدل .
وإنما القول الثابت ما في القرآن وهو قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=59ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم } . فهو يدل على أن نسيان الرب موجب لنسيان النفس .
وحينئذ فمن ذكر الله ولم ينسه يكون ذاكرا لنفسه فإنه لو
[ ص: 350 ] كان ناسيا لها سواء ذكر الله أو نسيه لم يكن نسيانها مسببا عن نسيان الرب . فلما دلت الآية على أن
nindex.php?page=treesubj&link=24582نسيان الإنسان نفسه مسبب عن نسيانه لربه دل على أن الذاكر لربه لا يحصل له هذا النسيان لنفسه .
والذكر يتضمن ذكر ما قد علمه . فمن ذكر ما يعلمه من ربه ذكر ما يعلمه من نفسه . وهو قد ولد على الفطرة التي تقتضي أنه يعرف ربه ويحبه ويوحده . فإذا لم ينس ربه الذي عرفه بل ذكره على الوجه الذي يقتضي محبته ومعرفته وتوحيده ذكر نفسه فأبصر ما كان فيها قبل من معرفة الله ومحبته وتوحيده .
وأهل البدع
الجهمية ونحوهم لما أعرضوا عن ذكر الله الذكر المشروع الذي كان في الفطرة وجاءت به الشرعة الذي يتضمن معرفته ومحبته وتوحيده نسوا الله من هذا الوجه . فأنساهم أنفسهم من هذا الوجه فنسوا ما كان في أنفسهم من العلم الفطري والمحبة الفطرية والتوحيد الفطري .
وقد قال طائفة من المفسرين : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=9نسوا الله } أي تركوا أمر الله {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=59فأنساهم أنفسهم } أي حظوظ أنفسهم حيث لم يقدموا لها خيرا هذا لفظ طائفة منهم
البغوي . ولفظ آخرين منهم
ابن الجوزي : حين لم يعملوا بطاعته . وكلاهما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=9نسوا الله } أي تركوا أمر الله .
[ ص: 351 ] ومثل هذا التفسير يقع كثيرا في كلام من يأتي بمجمل من القول يبين معنى دلت عليه الآية ولا يفسرها بما يستحقه من التفسير . فإن قولهم " تركوا أمر الله " . هو تركهم للعمل بطاعته فصار الأول هو الثاني . والله سبحانه قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=59ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم } . فهنا شيئان : نسيانهم لله ثم نسيانهم لأنفسهم الذي عوقبوا به .
فإن قيل : هذا الثاني هو الأول لكنه تفصيل مجمل كقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=965&ayano=7وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون } وهذا هو هذا ; قيل : هو لم يقل " نسوا الله فنسوا حظ أنفسهم " حتى يقال : هذا هو هذا بل قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=59نسوا الله فأنساهم أنفسهم } فثم إنساء منه لهم أنفسهم ولو كان هذا هو الأول لكان قد ذكر ما يعذرهم به لا ما يعاقبهم به .
فلو كان الثاني هو الأول لكان : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=9نسوا الله } أي تركوا العمل بطاعته فهو الذي أنساهم ذلك . ومعلوم فساد هذا الكلام لفظا ومعنى .
ولو قيل : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=9نسوا الله } أي نسوا أمره {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=58فأنساهم } العمل بطاعته أي تذكرها لكان أقرب ويكون النسيان الأول على بابه . فإن من نسي نفس أمر الله لم يطعه .
[ ص: 352 ] ولكن هم فسروا نسيان الله بترك أمره . وأمره الذي هو كلامه ليس مقدورا لهم حتى يتركوه إنما يتركون العمل به فالأمر بمعنى المأمور به .
إلا أن يقال : مرادهم بترك أمره هو ترك الإيمان به . فلما تركوا الإيمان أعقبهم بترك العمل . وهذا أيضا ضعيف فإن الإيمان الذي تركوه إن كان هو ترك التصديق فقط فكفى بهذا كفرا وذنبا . فلا تجعل العقوبة ترك العمل به بل هذا أشد . وإن كان المراد بترك الإيمان ترك الإيمان تصديقا وعملا فهذا هو ترك الطاعة كما تقدم .
وهؤلاء أتوا من حيث أرادوا أن يفسروا نسيان العبد بما قيل في نسيان الرب وذاك قد فسر بالترك . ففسروا هذا بالترك . وهذا ليس بجيد فإن النسيان المناقض للذكر جائز على العبد بلا ريب . والإنسان يعرض عما أمر به حتى ينساه فلا يذكره . فلا يحتاج أن يجعل نسيانه تركا مع استحضار وعلم .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=18266_29625الرب تعالى فلا يجوز عليه ما يناقض صفات كماله سبحانه وتعالى . وفي تفسير نسيانه الكفار بمجرد الترك نظر .
ثم هذا قيل في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2494&ayano=20كذلك أتتك آياتنا فنسيتها }
[ ص: 353 ] أي تركت العمل بها . وهنا قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=9نسوا الله } ولا يقال في حق الله " تركوه " .
فَصْلٌ وَهَذَا النِّسْيَانُ نِسْيَانُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ وَلِمَا فِي نَفْسِهِ حَصَلَ بِنِسْيَانِهِ لِرَبِّهِ وَلِمَا أَنْزَلَهُ . قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=59وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } . وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1311&ayano=9نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } . وَقَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2494&ayano=20كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى } .
وَقَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=59وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ } يَقْتَضِي أَنَّ نِسْيَانَ اللَّهِ كَانَ سَبَبًا لِنِسْيَانِهِمْ أَنْفُسَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَمَّا نَسُوا اللَّهَ عَاقَبَهُمْ بِأَنْ أَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ .
[ ص: 349 ] وَنِسْيَانُهُمْ أَنْفُسَهُمْ يَتَضَمَّنُ إعْرَاضَهُمْ وَغَفْلَتَهُمْ وَعَدَمَ مَعْرِفَتِهِمْ بِمَا كَانُوا عَارِفِينَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ حَالِ أَنْفُسِهِمْ كَمَا أَنَّهُ يَقْتَضِي تَرْكَهُمْ لِمَصَالِحَ أَنْفُسِهِمْ . فَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَا يَذْكُرُونَ أَنْفُسَهُمْ ذِكْرًا يَنْفَعُهَا وَيُصْلِحُهَا وَأَنَّهُمْ لَوْ ذَكَرُوا اللَّهَ لَذَكَرُوا أَنْفُسَهُمْ .
وَهَذَا عَكْسُ مَا يُقَالُ " مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ عَرَفَ رَبَّهُ " . وَبَعْضُ النَّاسِ يَرْوِي هَذَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا هُوَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ إسْنَادٌ .
وَلَكِنْ يُرْوَى فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ إنْ صَحَّ " يَا إنْسَانُ اعْرَفْ نَفْسَك تَعْرِفْ رَبَّك " . وَهَذَا الْكَلَامُ سَوَاءٌ كَانَ مَعْنَاهُ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِلَفْظِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ قَائِلٍ مَعْصُومٍ . لَكِنْ إنْ فُسِّرَ بِمَعْنَى صَحِيحٍ عُرِفَ صِحَّةَ ذَلِكَ الْمَعْنَى سَوَاءٌ دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظُ أَوْ لَمْ يَدُلَّ .
وَإِنَّمَا الْقَوْلُ الثَّابِتُ مَا فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ قَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=59وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ } . فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نِسْيَانَ الرَّبِّ مُوجِبٌ لِنِسْيَانِ النَّفْسِ .
وَحِينَئِذٍ فَمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ وَلَمْ يَنْسَهُ يَكُونُ ذَاكِرًا لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَوْ
[ ص: 350 ] كَانَ نَاسِيًا لَهَا سَوَاءٌ ذَكَرَ اللَّهَ أَوْ نَسِيَهُ لَمْ يَكُنْ نِسْيَانُهَا مُسَبَّبًا عَنْ نِسْيَانِ الرَّبِّ . فَلَمَّا دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24582نِسْيَانَ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ مُسَبَّبٌ عَنْ نِسْيَانِهِ لِرَبِّهِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الذَّاكِرَ لِرَبِّهِ لَا يَحْصُلُ لَهُ هَذَا النِّسْيَانُ لِنَفْسِهِ .
وَالذِّكْرُ يَتَضَمَّنُ ذِكْرَ مَا قَدْ عَلِمَهُ . فَمَنْ ذَكَرَ مَا يَعْلَمُهُ مِنْ رَبِّهِ ذَكَرَ مَا يَعْلَمُهُ مِنْ نَفْسِهِ . وَهُوَ قَدْ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي تَقْتَضِي أَنَّهُ يَعْرِفُ رَبَّهُ وَيُحِبُّهُ وَيُوَحِّدُهُ . فَإِذَا لَمْ يُنْسَ رَبَّهُ الَّذِي عَرَفَهُ بَلْ ذَكَرَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقْتَضِي مَحَبَّتَهُ وَمَعْرِفَتَهُ وَتَوْحِيدَهُ ذَكَرَ نَفْسَهُ فَأَبْصَرَ مَا كَانَ فِيهَا قَبْلُ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ وَتَوْحِيدِهِ .
وَأَهْلُ الْبِدَعِ
الجهمية وَنَحْوُهُمْ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ الذِّكْرَ الْمَشْرُوعَ الَّذِي كَانَ فِي الْفِطْرَةِ وَجَاءَتْ بِهِ الشِّرْعَةُ الَّذِي يَتَضَمَّنُ مَعْرِفَتَهُ وَمَحَبَّتَهُ وَتَوْحِيدَهُ نَسُوا اللَّهَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ . فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَنَسُوا مَا كَانَ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ الْعِلْم الْفِطْرِيِّ وَالْمَحَبَّةِ الْفِطْرِيَّةِ وَالتَّوْحِيدِ الْفِطْرِيِّ .
وَقَدْ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=9نَسُوا اللَّهَ } أَيْ تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=59فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ } أَيْ حُظُوظَ أَنْفُسِهِمْ حَيْثُ لَمْ يُقَدِّمُوا لَهَا خَيْرًا هَذَا لَفْظُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ
البغوي . وَلَفْظُ آخَرِينَ مِنْهُمْ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ : حِينَ لَمْ يَعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ . وَكِلَاهُمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=9نَسُوا اللَّهَ } أَيْ تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ .
[ ص: 351 ] وَمِثْلُ هَذَا التَّفْسِيرِ يَقَعُ كَثِيرًا فِي كَلَامِ مَنْ يَأْتِي بِمُجْمَلِ مِنْ الْقَوْلِ يُبَيِّنُ مَعْنًى دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَلَا يُفَسِّرُهَا بِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ التَّفْسِيرِ . فَإِنَّ قَوْلَهُمْ " تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ " . هُوَ تَرْكُهُمْ لِلْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ فَصَارَ الْأَوَّلُ هُوَ الثَّانِي . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=59وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ } . فَهُنَا شَيْئَانِ : نِسْيَانُهُمْ لِلَّهِ ثُمَّ نِسْيَانُهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ الَّذِي عُوقِبُوا بِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ لَكِنَّهُ تَفْصِيلٌ مُجْمَلٌ كَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=965&ayano=7وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ } وَهَذَا هُوَ هَذَا ; قِيلَ : هُوَ لَمْ يَقُلْ " نَسُوا اللَّهَ فَنَسُوا حَظَّ أَنْفُسِهِمْ " حَتَّى يُقَالَ : هَذَا هُوَ هَذَا بَلْ قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=59نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ } فَثَمَّ إنْسَاءٌ مِنْهُ لَهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَلَوْ كَانَ هَذَا هُوَ الْأَوَّلُ لَكَانَ قَدْ ذَكَرَ مَا يَعْذُرُهُمْ بِهِ لَا مَا يُعَاقِبُهُمْ بِهِ .
فَلَوْ كَانَ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ لَكَانَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=9نَسُوا اللَّهَ } أَيْ تَرَكُوا الْعَمَلَ بِطَاعَتِهِ فَهُوَ الَّذِي أَنْسَاهُمْ ذَلِكَ . وَمَعْلُومٌ فَسَادُ هَذَا الْكَلَامِ لَفْظًا وَمَعْنًى .
وَلَوْ قِيلَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=9نَسُوا اللَّهَ } أَيْ نَسُوا أَمْرَهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=58فَأَنْسَاهُمْ } الْعَمَلَ بِطَاعَتِهِ أَيْ تَذَكُّرَهَا لَكَانَ أَقْرَبَ وَيَكُونُ النِّسْيَانُ الْأَوَّلُ عَلَى بَابِهِ . فَإِنَّ مَنْ نَسِيَ نَفْسَ أَمْرِ اللَّهِ لَمْ يُطِعْهُ .
[ ص: 352 ] وَلَكِنَّ هُمْ فَسَّرُوا نِسْيَانَ اللَّهِ بِتَرْكِ أَمْرِهِ . وَأَمْرُهُ الَّذِي هُوَ كَلَامُهُ لَيْسَ مَقْدُورًا لَهُمْ حَتَّى يَتْرُكُوهُ إنَّمَا يَتْرُكُونَ الْعَمَلَ بِهِ فَالْأَمْرُ بِمَعْنَى الْمَأْمُورِ بِهِ .
إلَّا أَنْ يُقَالَ : مُرَادُهُمْ بِتَرْكِ أَمْرِهِ هُوَ تَرْكُ الْإِيمَانِ بِهِ . فَلَمَّا تَرَكُوا الْإِيمَانَ أَعْقَبَهُمْ بِتَرْكِ الْعَمَلِ . وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ فَإِنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي تَرَكُوهُ إنْ كَانَ هُوَ تَرْكُ التَّصْدِيقِ فَقَطْ فَكَفَى بِهَذَا كُفْرًا وَذَنْبًا . فَلَا تُجْعَلُ الْعُقُوبَةُ تَرْكَ الْعَمَلِ بِهِ بَلْ هَذَا أَشَدُّ . وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِتَرْكِ الْإِيمَانِ تَرْكَ الْإِيمَانِ تَصْدِيقًا وَعَمَلًا فَهَذَا هُوَ تَرْكُ الطَّاعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَهَؤُلَاءِ أَتَوْا مِنْ حَيْثُ أَرَادُوا أَنْ يُفَسِّرُوا نِسْيَانَ الْعَبْدِ بِمَا قِيلَ فِي نِسْيَانِ الرَّبِّ وَذَاكَ قَدْ فُسِّرَ بِالتَّرْكِ . فَفَسَّرُوا هَذَا بِالتَّرْكِ . وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدِ فَإِنَّ النِّسْيَانَ الْمُنَاقِضَ لِلذِّكْرِ جَائِزٌ عَلَى الْعَبْدِ بِلَا رَيْبٍ . وَالْإِنْسَانُ يُعْرِضُ عَمَّا أُمِرَ بِهِ حَتَّى يَنْسَاهُ فَلَا يَذْكُرُهُ . فَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَجْعَلَ نِسْيَانَهُ تَرْكًا مَعَ اسْتِحْضَارٍ وَعِلْمٍ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=18266_29625الرَّبُّ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يُنَاقِضُ صِفَاتِ كَمَالِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى . وَفِي تَفْسِيرِ نِسْيَانِهِ الْكُفَّارَ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ نَظَرٌ .
ثُمَّ هَذَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2494&ayano=20كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا }
[ ص: 353 ] أَيْ تَرَكْت الْعَمَلَ بِهَا . وَهُنَا قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5204&ayano=9نَسُوا اللَّهَ } وَلَا يُقَالُ فِي حَقِّ اللَّهِ " تَرَكُوهُ " .