[ ص: 74 ] وقال : فصل ويظهر ذلك من وجوه : أحدها : أن الإنسان هو حي ناطق فالوصف المقوم له الفاصل له عن غيره من الدواب هو المنطق والمنطق قسمان : خبر وإنشاء والخبر صحته بالصدق وفساده بالكذب فالكاذب أسوأ حالا من البهيمة العجماء والكلام الخبري هو المميز للإنسان وهو أصل الكلام الإنشائي فإنه مظهر العلم والإنشاء مظهر العمل والعلم متقدم على العمل وموجب له فالكاذب لم يكفه أنه سلب حقيقة الإنسان حتى قلبها إلى ضدها ولهذا قيل : لا مروءة لكذوب ولا راحة لحسود ولا إخاء لملوك ولا سؤدد لبخيل فإن المروءة مصدر المرء كما أن الإنسانية مصدر الإنسان . الصدق أساس الحسنات وجماعها والكذب أساس السيئات ونظامها
الثاني : أن [ ص: 75 ] فإن الصفة المميزة بين النبي والمتنبئ هو الصدق والكذب محمدا رسول الله الصادق الأمين ومسيلمة الكذاب قال الله تعالى : { فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين } { والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون } . الثالث : أن فإن أساس النفاق الذي بني عليه الكذب وعلى كل خلق يطبع المؤمن ليس الخيانة والكذب . وفي الصحيحين عن الصفة الفارقة بين المؤمن والمنافق هو الصدق أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } . ثلاث من كن فيه كان منافقا إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان
الرابع : أن كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الصدق هو أصل البر والكذب أصل الفجور } . عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا
الخامس : أن كما قال تعالى : { الصادق تنزل عليه الملائكة والكاذب تنزل عليه الشياطين هل أنبئكم على من تنزل الشياطين } { تنزل على كل أفاك أثيم } { يلقون السمع وأكثرهم كاذبون } .
[ ص: 76 ] السادس : أن الفارق بين الصديقين والشهداء والصالحين وبين المتشبه بهم من المرائين والمسمعين والمبلسين هو الصدق والكذب .
السابع : أنه مقرون بالإخلاص الذي هو أصل الدين في الكتاب وكلام العلماء والمشايخ قال الله تعالى { واجتنبوا قول الزور } { حنفاء لله غير مشركين به } ولهذا {
} الثامن : أنه ركن الشهادة الخاصة عند الحكام التي هي قوام الحكم والقضاء والشهادة العامة في جميع الأمور والشهادة خاصة هذه الأمة التي ميزت بها في قوله : { قال صلى الله عليه وسلم عدلت شهادة الزور الإشراك بالله مرتين وقرأ هذه الآية وقال : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال : ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت . وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس } وركن الإقرار الذي هو شهادة المرء على نفسه وركن الأحاديث والأخبار التي بها يقوم الإسلام ; بل هي ركن النبوة والرسالة التي هي واسطة بين الله وبين خلقه وركن الفتيا التي [ ص: 77 ] هي إخبار المفتي بحكم الله . وركن المعاملات التي تتضمن أخبار كل واحد من المتعاملين للآخر بما في سلعته وركن الرؤيا التي قيل فيها : أصدقهم رؤيا أصدقهم كلاما والتي يؤتمن فيها الرجل على ما رأى .
التاسع : أن كما جاء في الأثر : أساس النفاق الذي بني عليه الكذب . وفي الصحيحين عن الصدق والكذب هو المميز بين المؤمن والمنافق أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { } وفي حديث آخر : { آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان } ووصف الله المنافقين في القرآن بالكذب في مواضع متعددة ومعلوم أن المؤمنين هم أهل الجنة وأن المنافقين هم أهل النار في الدرك الأسفل من النار . على كل خلق يطبع المؤمن ليس الخيانة والكذب
العاشر : أن المشايخ العارفين اتفقوا على أن أساس الطريق إلى الله هو الصدق والإخلاص كما جمع الله بينهما في قوله : { واجتنبوا قول الزور } { حنفاء لله غير مشركين به } ونصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة دال على ذلك في مواضع كقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } وقوله تعالى { فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين } { والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون } وقال تعالى لما بين الفرق بين النبي والكاهن والساحر : { وإنه لتنزيل رب العالمين } { نزل به الروح الأمين } { على قلبك لتكون من المنذرين } { بلسان عربي مبين } { وإنه لفي زبر الأولين } إلى قوله : { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين } { تنزل على كل أفاك أثيم } { يلقون السمع وأكثرهم كاذبون } وقال تعالى : { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله } وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا } .