الوجه العاشر أن وكذلك حكي عنهم في قوله : { عامة ما ذم الله به المشركين في القرآن من الدين المنهي عنه إنما هو الشرك والتحريم وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء } وذلك في النحل وفي الزخرف { وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم } وقال : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } وقال : { قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون } وقال : { ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام } وقال : { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } .
وأما من ترك المأمور به فقد ذمهم الله كما ذمهم على ترك الإيمان به وبأسمائه وآياته وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والجنة والنار وترك الصلاة والزكاة والجهاد وغير ذلك من الأعمال . والشرك قد تقدم أن أصله ترك المأمور به من عبادة الله واتباع رسله . وتحريم الحلال فيه ترك ما أمروا به من الاستعانة به على عبادته .
ولما كان أصل المنهي عنه الذي فعلوه الشرك والتحريم روي في الحديث : " { } " فالحنيفية ضد الشرك . والسماحة ضد الحجر والتضييق وفي صحيح بعثت بالحنيفية السمحة مسلم عن عياض بن حمار { } " . عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه : إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا
[ ص: 115 ] وظهر أثر هذين الذنبين في المنحرفة من العلماء والعباد والملوك والعامة بتحريم ما أحله الله تعالى والتدين بنوع شرك لم يشرعه الله تعالى والأول يكثر في المتفقهة والمتورعة والثاني يكثر في المتصوفة والمتفقرة . فتبين بذلك أن ما ذمه الله تعالى وعاقب عليه من ترك الواجبات أكثر مما ذمه الله وعاقب عليه من فعل المحرمات .