فصل أما أداء الأمانات ففيه نوعان .
أحدهما الولايات : وهو كان سبب نزول الآية .
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح
مكة وتسلم مفاتيح
الكعبة من
بني شيبة طلبها منه
العباس . ليجمع له بين سقاية الحاج وسدانة البيت فأنزل الله هذه الآية فدفع مفاتيح
الكعبة إلى
بني شيبة . فيجب
nindex.php?page=treesubj&link=19846_7685على ولي الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لذلك العمل قال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600339من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله } . وفي رواية : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600340من ولى رجلا على عصابة وهو يجد في تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد [ ص: 247 ] خان الله ورسوله وخان المؤمنين } رواه
الحاكم في صحيحه . وروى بعضهم أنه من قول
عمر :
لابن عمر روي ذلك عنه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه " من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين " . وهذا واجب عليه .
فيجب عليه البحث عن المستحقين للولايات من نوابه على الأمصار ; من الأمراء الذين هم نواب ذي السلطان والقضاة ونحوهم ومن أمراء الأجناد ومقدمي العساكر الصغار والكبار وولاة الأموال : من الوزراء والكتاب والشادين والسعاة على الخراج والصدقات وغير ذلك من الأموال التي للمسلمين . وعلى كل واحد من هؤلاء أن يستنيب ويستعمل أصلح من يجده ; وينتهي ذلك إلى أئمة الصلاة والمؤذنين والمقرئين والمعلمين وأمراء الحاج والبرد والعيون الذين هم القصاد وخزان الأموال وحراس الحصون والحدادين الذين هم البوابون على الحصون والمدائن ونقباء العساكر الكبار والصغار وعرفاء القبائل والأسواق ورؤساء القرى الذين هم " الدهاقين " .
فيجب على كل من ولي شيئا من أمر المسلمين من هؤلاء وغيرهم أن يستعمل فيما تحت يده في كل موضع أصلح من يقدر عليه ولا يقدم الرجل لكونه طلب الولاية أو سبق في الطلب ;
[ ص: 248 ] بل يكون ذلك سببا للمنع ; فإن في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600341أن قوما دخلوا عليه فسألوه ولاية ; فقال : إنا لا نولي أمرنا هذا من طلبه } . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600342وقال nindex.php?page=showalam&ids=77لعبد الرحمن بن سمرة : يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها ; وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها } أخرجاه في الصحيحين وقال صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36470من طلب القضاء واستعان عليه وكل إليه ومن لم يطلب القضاء ولم يستعن عليه ; أنزل الله عليه ملكا يسدده } . رواه
أهل السنن .
فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما أو ولاء عتاقة أو صداقة أو مرافقة في بلد أو مذهب أو طريقة أو جنس : كالعربية والفارسية والتركية والرومية ; أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة ; أو غير ذلك من الأسباب أو لضغن في قلبه على الأحق أو عداوة بينهما ; فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ودخل فيما نهي عنه في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1195&ayano=8يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1196&ayano=8واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم } .
فإن الرجل لحبه لولده أو لعتيقه قد يؤثره في بعض الولايات أو يعطيه ما لا يستحقه ; فيكون قد خان أمانته ; وكذلك قد يؤثره زيادة في
[ ص: 249 ] ماله أو حفظه ; بأخذ ما لا يستحقه أو محاباة من يداهنه في بعض الولايات . فيكون قد خان الله ورسوله وخان أمانته .
ثم إن
nindex.php?page=treesubj&link=19242_19842المؤدي للأمانة مع مخالفة هواه يثبته الله فيحفظه في أهله وماله بعده والمطيع لهواه يعاقبه الله بنقيض قصده فيذل أهله ويذهب ماله . وفي ذلك الحكاية المشهورة ; أن بعض خلفاء
بني العباس سأل بعض العلماء أن يحدثه عما أدرك فقال : أدركت
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز ; قيل له : يا أمير المؤمنين أقفرت أفواه بنيك من هذا المال وتركتهم فقراء لا شيء لهم - وكان في مرض موته - فقال : أدخلوهم علي ; فأدخلوهم ; وهم بضعة عشر ذكرا ليس فيهم بالغ فلما رآهم ذرفت عيناه ثم قال لهم : يا بني والله ما منعتكم حقا هو لكم ولم أكن بالذي آخذ أموال الناس فأدفعها إليكم ; وإنما أنتم أحد رجلين : إما صالح فالله يتولى الصالحين ; وإما غير صالح فلا أخلف له ما يستعين به على معصية الله قوموا عني . قال : فلقد رأيت بعض بنيه حمل على مائة فرس في سبيل الله ; يعني أعطاها لمن يغزو عليها .
قلت : هذا وقد كان خليفة المسلمين من أقصى المشرق بلاد الترك إلى أقصى المغرب بلاد
الأندلس وغيرها ومن
جزائر قبرص وثغور
الشام والعواصم
كطرسوس ونحوها إلى أقصى
اليمن . وإنما أخذ كل واحد من أولاده من تركته شيئا يسيرا يقال : أقل من
[ ص: 250 ] عشرين درهما - قال وحضرت بعض الخلفاء وقد اقتسم تركته بنوه فأخذ كل واحد منهم ستمائة ألف دينار ; ولقد رأيت بعضهم يتكفف الناس - أي يسألهم بكفه - وفي هذا الباب من الحكايات والوقائع المشاهدة في الزمان والمسموعة عما قبله ; ما فيه عبرة لكل ذي لب .
وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الولاية أمانة يجب أداؤها في مواضع : مثل ما تقدم ومثل {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600343قوله nindex.php?page=showalam&ids=1584لأبي ذر رضي الله عنه في الإمارة : إنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها } رواه
مسلم . وروى
البخاري في صحيحه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600344إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة . قيل يا رسول الله : وما إضاعتها ؟ قال : إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة } . وقد أجمع المسلمون على معنى هذا ; فإن
nindex.php?page=treesubj&link=19814_19440_18300_18303_18310_18308وصي اليتيم وناظر الوقف ووكيل الرجل في ماله ; عليه أن يتصرف له بالأصلح فالأصلح كما قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=947&ayano=6ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } .
ولم يقل إلا بالتي هي حسنة . وذلك لأن الوالي راع على الناس بمنزلة راعي الغنم ; كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25469كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ; [ ص: 251 ] فالإمام الذي على الناس راع ; وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها والولد راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته ; والعبد راع في مال سيده وهو مسئول عن رعيته ; ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته } . أخرجاه في الصحيحين وقال صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600345ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه رائحة الجنة } رواه
مسلم .
ودخل
أبو مسلم الخولاني على
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان فقال : السلام عليك أيها الأجير ; فقالوا : قل السلام عليك أيها الأمير . فقال السلام عليك أيها الأجير . فقالوا : قل : السلام عليك أيها الأمير . فقال السلام عليك أيها الأجير . فقالوا قل السلام عليك أيها الأمير . فقال : السلام عليك أيها الأجير . فقال
معاوية : دعوا
أبا مسلم فإنه أعلم بما يقول . فقال : إنما أنت أجير استأجرك رب هذه الغنم لرعايتها ; فإن أنت هنأت جرباها وداويت مرضاها وحبست أولاها على أخراها : وفاك سيدها أجرك وإن أنت لم تهنأ جرباها ولم تداو مرضاها ; ولم تحبس أولاها على أخراها عاقبك سيدها .
وهذا ظاهر في الاعتبار ; فإن الخلق عباد الله والولاة نواب الله على عباده وهم وكلاء العباد على نفوسهم ; بمنزلة أحد الشريكين مع
[ ص: 252 ] الآخر ; ففيهم معنى الولاية والوكالة ; ثم
nindex.php?page=treesubj&link=18858الولي والوكيل متى استناب في أموره رجلا وترك من هو أصلح للتجارة أو العقار منه وباع السلعة بثمن وهو يجد من يشتريها بخير من ذلك الثمن ; فقد خان صاحبه لا سيما إن كان بين من حاباه وبينه مودة أو قرابة فإن صاحبه يبغضه ويذمه ويرى أنه قد خانه وداهن قريبه أو صديقه .
فصل إذا عرف هذا فليس عليه أن يستعمل إلا أصلح الموجود وقد لا يكون في موجوده من هو أصلح لتلك الولاية فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب بحسبه وإذا فعل ذلك بعد الاجتهاد التام وأخذه للولاية بحقها فقد أدى الأمانة وقام بالواجب في هذا وصار في هذا الموضع من أئمة العدل المقسطين عند الله ; وإن اختل بعض الأمور بسبب من غيره إذا لم يمكن إلا ذلك فإن الله يقول : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5279&ayano=64فاتقوا الله ما استطعتم } ويقول : {
nindex.php?page=tafseer&surano=295&ayano=2لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وقال في الجهاد في سبيل الله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=581&ayano=4فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=779&ayano=5يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } فمن أدى الواجب المقدور عليه فقد اهتدى : وقال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9510إذا أمرتكم بأمر فأتوا [ ص: 253 ] منه ما استطعتم } أخرجاه في الصحيحين ; لكن إن كان منه عجز بلا حاجة إليه أو خيانة عوقب على ذلك . وينبغي أن يعرف الأصلح في كل منصب فإن
nindex.php?page=treesubj&link=15117_14609الولاية لها ركنان : القوة والأمانة . كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3306&ayano=28إن خير من استأجرت القوي الأمين } وقال صاحب
مصر ليوسف عليه السلام إنك اليوم لدينا مكين أمين وقال تعالى في صفة
جبريل : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5900&ayano=69إنه لقول رسول كريم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5901&ayano=81ذي قوة عند ذي العرش مكين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5902&ayano=81مطاع ثم أمين } .
والقوة في كل ولاية بحسبها ; فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب وإلى الخبرة بالحروب والمخادعة فيها ; فإن الحرب خدعة وإلى القدرة على أنواع القتال : من رمي وطعن وضرب وركوب وكر وفر ونحو ذلك ; كما قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1228&ayano=8وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } . وقال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600346ارموا واركبوا وإن ترموا أحب إلي من أن تركبوا ومن تعلم الرمي ثم نسيه فليس منا } وفي رواية : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600347فهي نعمة جحدها } رواه
مسلم .
nindex.php?page=treesubj&link=20147والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل الذي دل عليه الكتاب والسنة وإلى القدرة على تنفيذ الأحكام .
nindex.php?page=treesubj&link=19840والأمانة ترجع إلى خشية الله وألا يشتري بآياته ثمنا قليلا
[ ص: 254 ] وترك خشية الناس ; وهذه الخصال الثلاث التي أخذها الله على كل من حكم على الناس ; في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=718&ayano=5فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600348القضاة ثلاثة : قاضيان في النار وقاض في الجنة . فرجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار . ورجل قضى بين الناس على جهل فهو في النار . ورجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة } رواه
أهل السنن .
والقاضي اسم لكل من قضى بين اثنين وحكم بينهما سواء كان خليفة أو سلطانا أو نائبا أو واليا ; أو كان منصوبا ليقضي بالشرع أو نائبا له حتى من يحكم بين الصبيان في الخطوط . إذا تخايروا . هكذا ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ظاهر .
فَصْلٌ أَمَّا أَدَاءُ الْأَمَانَاتِ فَفِيهِ نَوْعَانِ .
أَحَدُهُمَا الْوِلَايَاتُ : وَهُوَ كَانَ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ .
فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَتَحَ
مَكَّةَ وَتَسَلَّمَ مَفَاتِيحَ
الْكَعْبَةِ مِنْ
بَنِي شَيْبَةَ طَلَبَهَا مِنْهُ
الْعَبَّاسُ . لِيَجْمَعَ لَهُ بَيْنَ سِقَايَةِ الْحَاجِّ وَسِدَانَةِ الْبَيْتِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَدَفَعَ مَفَاتِيحَ
الْكَعْبَةِ إلَى
بَنِي شَيْبَةَ . فَيَجِبُ
nindex.php?page=treesubj&link=19846_7685عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُوَلِّيَ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ أَصْلَحَ مَنْ يَجِدُهُ لِذَلِكَ الْعَمَلِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600339مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَوَلَّى رَجُلًا وَهُوَ يَجِدُ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } . وَفِي رِوَايَةٍ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600340مَنْ وَلَّى رَجُلًا عَلَى عِصَابَةٍ وَهُوَ يَجِدُ فِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ [ ص: 247 ] خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَخَانَ الْمُؤْمِنِينَ } رَوَاهُ
الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ . وَرَوَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ
عُمَرَ :
لِابْنِ عُمَرَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَوَلَّى رَجُلًا لِمَوَدَّةِ أَوْ قَرَابَةٍ بَيْنَهُمَا فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُسْلِمِينَ " . وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ .
فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْوِلَايَاتِ مِنْ نُوَّابِهِ عَلَى الْأَمْصَارِ ; مِنْ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ هُمْ نُوَّابُ ذِي السُّلْطَانِ وَالْقُضَاةِ وَنَحْوِهِمْ وَمِنْ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ وَمُقَدِّمِي الْعَسَاكِرِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ وَوُلَاةِ الْأَمْوَالِ : مِنْ الْوُزَرَاءِ وَالْكُتَّابِ وَالشَّادِينَ وَالسُّعَاةِ عَلَى الْخَرَاجِ وَالصَّدَقَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي لِلْمُسْلِمِينَ . وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنْ يَسْتَنِيبَ وَيَسْتَعْمِلَ أَصْلَحَ مَنْ يَجِدُهُ ; وَيَنْتَهِي ذَلِكَ إلَى أَئِمَّةِ الصَّلَاةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَالْمُقْرِئِينَ وَالْمُعَلِّمِينَ وَأُمَرَاءِ الْحَاجِّ وَالْبَرَدِ وَالْعُيُونِ الَّذِينَ هُمْ الْقُصَّادُ وَخُزَّانِ الْأَمْوَالِ وَحُرَّاسِ الْحُصُونِ وَالْحَدَّادِينَ الَّذِينَ هُمْ الْبَوَّابُونَ عَلَى الْحُصُونِ وَالْمَدَائِنِ وَنُقَبَاءِ الْعَسَاكِرِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ وَعَرْفَاءِ الْقَبَائِلِ وَالْأَسْوَاقِ وَرُؤَسَاءِ الْقُرَى الَّذِينَ هُمْ " الدَّهَاقِينُ " .
فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَغَيْرِهِمْ أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِيمَا تَحْتَ يَدِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَصْلَحَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا يُقَدِّمُ الرَّجُلَ لِكَوْنِهِ طَلَبَ الْوِلَايَةَ أَوْ سَبَقَ فِي الطَّلَبِ ;
[ ص: 248 ] بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْمَنْعِ ; فَإِنَّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600341أَنَّ قَوْمًا دَخَلُوا عَلَيْهِ فَسَأَلُوهُ وِلَايَةً ; فَقَالَ : إنَّا لَا نُوَلِّي أَمْرَنَا هَذَا مَنْ طَلَبَهُ } . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600342وَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=77لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ : يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّك إنْ أُعْطِيتهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْت عَلَيْهَا ; وَإِنْ أُعْطِيتهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْت إلَيْهَا } أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36470مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وَاسْتَعَانَ عَلَيْهِ وُكِلَ إلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يَطْلُبْ الْقَضَاءَ وَلَمْ يَسْتَعِنْ عَلَيْهِ ; أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ } . رَوَاهُ
أَهْلُ السُّنَنُ .
فَإِنْ عَدَلَ عَنْ الْأَحَقِّ الْأَصْلَحِ إلَى غَيْرِهِ لِأَجْلِ قَرَابَةٍ بَيْنَهُمَا أَوْ وَلَاءِ عَتَاقَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ أَوْ مُرَافَقَةٍ فِي بَلَدٍ أَوْ مَذْهَبٍ أَوْ طَرِيقَةٍ أَوْ جِنْسٍ : كَالْعَرَبِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ وَالتُّرْكِيَّةِ وَالرُّومِيَّةِ ; أَوْ لَرِشْوَةٍ يَأْخُذُهَا مِنْهُ مِنْ مَالٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ ; أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ أَوْ لِضَغَنِ فِي قَلْبِهِ عَلَى الْأَحَقِّ أَوْ عَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا ; فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ وَدَخَلَ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1195&ayano=8يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1196&ayano=8وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } .
فَإِنَّ الرَّجُلَ لِحُبِّهِ لِوَلَدِهِ أَوْ لِعَتِيقِهِ قَدْ يُؤْثِرُهُ فِي بَعْضِ الْوِلَايَاتِ أَوْ يُعْطِيهِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ ; فَيَكُونُ قَدْ خَانَ أَمَانَتَهُ ; وَكَذَلِكَ قَدْ يُؤْثِرُهُ زِيَادَةً فِي
[ ص: 249 ] مَالِهِ أَوْ حِفْظِهِ ; بِأَخْذِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ أَوْ مُحَابَاةِ مَنْ يُدَاهِنُهُ فِي بَعْضِ الْوِلَايَاتِ . فَيَكُونُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَخَانَ أَمَانَتَهُ .
ثُمَّ إنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19242_19842الْمُؤَدِّيَ لِلْأَمَانَةِ مَعَ مُخَالَفَةِ هَوَاهُ يُثَبِّتُهُ اللَّهُ فَيَحْفَظُهُ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ بَعْدَهُ وَالْمُطِيعُ لِهَوَاهُ يُعَاقِبُهُ اللَّهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ فَيُذِلُّ أَهْلَهُ وَيُذْهِبُ مَالَهُ . وَفِي ذَلِكَ الْحِكَايَةُ الْمَشْهُورَةُ ; أَنَّ بَعْضَ خُلَفَاءِ
بَنِي الْعَبَّاسِ سَأَلَ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُحَدِّثَهُ عَمَّا أَدْرَكَ فَقَالَ : أَدْرَكْت
nindex.php?page=showalam&ids=16673عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ; قِيلَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَقْفَرْت أَفْوَاهَ بَنِيك مِنْ هَذَا الْمَالِ وَتَرَكْتهمْ فُقَرَاءَ لَا شَيْءَ لَهُمْ - وَكَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ - فَقَالَ : أَدْخِلُوهُمْ عَلَيَّ ; فَأَدْخَلُوهُمْ ; وَهُمْ بِضْعَةَ عَشَرَ ذَكَرًا لَيْسَ فِيهِمْ بَالِغٌ فَلَمَّا رَآهُمْ ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : يَا بَنِيَّ وَاَللَّهِ مَا مَنَعْتُكُمْ حَقًّا هُوَ لَكُمْ وَلَمْ أَكُنْ بِاَلَّذِي آخُذُ أَمْوَالَ النَّاسِ فَأَدْفَعَهَا إلَيْكُمْ ; وَإِنَّمَا أَنْتُمْ أَحَدُ رَجُلَيْنِ : إمَّا صَالِحٌ فَاَللَّهُ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ; وَإِمَّا غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا أُخَلِّفُ لَهُ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ قُومُوا عَنِّي . قَالَ : فَلَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ بَنِيهِ حَمَلَ عَلَى مِائَةِ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ; يَعْنِي أَعْطَاهَا لَمِنْ يَغْزُو عَلَيْهَا .
قُلْت : هَذَا وَقَدْ كَانَ خَلِيفَةُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَقْصَى الْمَشْرِقِ بِلَادِ التُّرْكِ إلَى أَقْصَى الْمَغْرِبِ بِلَادِ
الْأَنْدَلُسِ وَغَيْرِهَا وَمِنْ
جَزَائِرِ قُبْرُصَ وَثُغُورِ
الشَّامِ وَالْعَوَاصِمِ
كطرسوس وَنَحْوِهَا إلَى أَقْصَى
الْيَمَنِ . وَإِنَّمَا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٌ مِنْ أَوْلَادِهِ مِنْ تَرِكَتِهِ شَيْئًا يَسِيرًا يُقَالُ : أَقَلُّ مِنْ
[ ص: 250 ] عِشْرِينَ دِرْهَمًا - قَالَ وَحَضَرْت بَعْضَ الْخُلَفَاءِ وَقَدْ اقْتَسَمَ تَرِكَتَهُ بَنُوهُ فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سِتّمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ ; وَلَقَدْ رَأَيْت بَعْضَهُمْ يَتَكَفَّفُ النَّاسَ - أَيْ يَسْأَلُهُمْ بِكَفِّهِ - وَفِي هَذَا الْبَابِ مِنْ الْحِكَايَاتِ وَالْوَقَائِعِ الْمُشَاهَدَةِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَسْمُوعَةِ عَمَّا قَبْلَهُ ; مَا فِيهِ عِبْرَةٌ لِكُلِّ ذِي لُبٍّ .
وَقَدْ دَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ الْوِلَايَةِ أَمَانَةٌ يَجِبُ أَدَاؤُهَا فِي مَوَاضِعَ : مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ وَمِثْلَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600343قَوْلِهِ nindex.php?page=showalam&ids=1584لِأَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْإِمَارَةِ : إنَّهَا أَمَانَةٌ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا } رَوَاهُ
مُسْلِمٌ . وَرَوَى
الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600344إذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ . قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَمَا إضَاعَتُهَا ؟ قَالَ : إذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ } . وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَعْنَى هَذَا ; فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19814_19440_18300_18303_18310_18308وَصِيَّ الْيَتِيمِ وَنَاظِرَ الْوَقْفِ وَوَكِيلَ الرَّجُلِ فِي مَالِهِ ; عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ لَهُ بِالْأَصْلَحِ فَالْأَصْلَحِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=947&ayano=6وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } .
وَلَمْ يَقُلْ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ حَسَنَةٌ . وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَالِيَ رَاعٍ عَلَى النَّاسِ بِمَنْزِلَةِ رَاعِي الْغَنَمِ ; كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25469كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ; [ ص: 251 ] فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ ; وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْوَلَدُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ; وَالْعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ; أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ } . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600345مَا مِنْ رَاعٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهَا إلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ } رَوَاهُ
مُسْلِمٌ .
وَدَخَلَ
أَبُو مُسْلِمٍ الخولاني عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا الْأَجِيرُ ; فَقَالُوا : قُلْ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا الْأَمِيرُ . فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا الْأَجِيرُ . فَقَالُوا : قُلْ : السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا الْأَمِيرُ . فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا الْأَجِيرُ . فَقَالُوا قُلْ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا الْأَمِيرُ . فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا الْأَجِيرُ . فَقَالَ
مُعَاوِيَةُ : دَعُوا
أَبَا مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ . فَقَالَ : إنَّمَا أَنْتَ أَجِيرٌ اسْتَأْجَرَك رَبُّ هَذِهِ الْغَنَمِ لِرِعَايَتِهَا ; فَإِنْ أَنْتَ هَنَأْت جَرْبَاهَا وَدَاوَيْت مَرْضَاهَا وَحَبَسْت أُولَاهَا عَلَى أُخْرَاهَا : وَفَاك سَيِّدُهَا أَجْرَك وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَهْنَأْ جَرْبَاهَا وَلَمْ تداو مَرْضَاهَا ; وَلَمْ تَحْبِسْ أُولَاهَا عَلَى أُخْرَاهَا عَاقَبَك سَيِّدُهَا .
وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الِاعْتِبَارِ ; فَإِنَّ الْخَلْقَ عِبَادُ اللَّهِ وَالْوُلَاةُ نُوَّابُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَهُمْ وُكَلَاءُ الْعِبَادِ عَلَى نُفُوسِهِمْ ; بِمَنْزِلَةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مَعَ
[ ص: 252 ] الْآخَرِ ; فَفِيهِمْ مَعْنَى الْوِلَايَةِ وَالْوِكَالَةِ ; ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18858الْوَلِيُّ وَالْوَكِيلُ متى اسْتَنَابَ فِي أُمُورِهِ رَجُلًا وَتَرَكَ مَنْ هُوَ أَصْلَحَ لِلتِّجَارَةِ أَوْ الْعَقَارِ مِنْهُ وَبَاعَ السِّلْعَةَ بِثَمَنِ وَهُوَ يَجِدُ مَنْ يَشْتَرِيهَا بِخَيْرِ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ ; فَقَدْ خَانَ صَاحِبَهُ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ بَيْنَ مَنْ حَابَاهُ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ أَوْ قَرَابَةٌ فَإِنَّ صَاحِبَهُ يُبْغِضُهُ وَيَذُمُّهُ وَيَرَى أَنَّهُ قَدْ خَانَهُ وَدَاهَنَ قَرِيبَهُ أَوْ صَدِيقَهُ .
فَصْلٌ إذَا عُرِفَ هَذَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ إلَّا أَصْلَحَ الْمَوْجُودِ وَقَدْ لَا يَكُونُ فِي مَوْجُودِهِ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لِتِلْكَ الْوِلَايَةِ فَيَخْتَارُ الْأَمْثَلَ فَالْأَمْثَلَ فِي كُلِّ مَنْصِبٍ بِحَسْبِهِ وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ التَّامِّ وَأَخَذَهُ لِلْوِلَايَةِ بِحَقِّهَا فَقَدْ أَدَّى الْأَمَانَةَ وَقَامَ بِالْوَاجِبِ فِي هَذَا وَصَارَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ ; وَإِنْ اخْتَلَّ بَعْضُ الْأُمُورِ بِسَبَبِ مِنْ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ إلَّا ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5279&ayano=64فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وَيَقُولُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=295&ayano=2لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } وَقَالَ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=581&ayano=4فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=779&ayano=5يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ } فَمَنْ أَدَّى الْوَاجِبَ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ فَقَدْ اهْتَدَى : وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9510إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرِ فَأْتُوا [ ص: 253 ] مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ ; لَكِنْ إنْ كَانَ مِنْهُ عَجْزٌ بِلَا حَاجَةٍ إلَيْهِ أَوْ خِيَانَةٍ عُوقِبَ عَلَى ذَلِكَ . وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفَ الْأَصْلَحَ فِي كُلِّ مَنْصِبٍ فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=15117_14609الْوِلَايَةَ لَهَا رُكْنَانِ : الْقُوَّةُ وَالْأَمَانَةُ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3306&ayano=28إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } وَقَالَ صَاحِبُ
مِصْرَ لِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّك الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ وَقَالَ تَعَالَى فِي صِفَةِ
جِبْرِيلَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5900&ayano=69إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5901&ayano=81ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5902&ayano=81مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } .
وَالْقُوَّةُ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ بِحَسْبِهَا ; فَالْقُوَّةُ فِي إمَارَةِ الْحَرْبِ تَرْجِعُ إلَى شَجَاعَةِ الْقَلْبِ وَإِلَى الْخِبْرَةِ بِالْحُرُوبِ وَالْمُخَادَعَةِ فِيهَا ; فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ وَإِلَى الْقُدْرَةِ عَلَى أَنْوَاعِ الْقِتَالِ : مِنْ رَمْيٍ وَطَعْنٍ وَضَرْبٍ وَرُكُوبٍ وَكَرٍّ وَفَرٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ ; كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1228&ayano=8وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600346ارْمُوا وَارْكَبُوا وَإِنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا وَمَنْ تَعَلَّمَ الرَّمْيَ ثُمَّ نَسِيَهُ فَلَيْسَ مِنَّا } وَفِي رِوَايَةٍ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600347فَهِيَ نِعْمَةٌ جَحَدَهَا } رَوَاهُ
مُسْلِمٌ .
nindex.php?page=treesubj&link=20147وَالْقُوَّةُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ تَرْجِعُ إلَى الْعِلْمِ بِالْعَدْلِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِلَى الْقُدْرَةِ عَلَى تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ .
nindex.php?page=treesubj&link=19840وَالْأَمَانَةُ تَرْجِعُ إلَى خَشْيَةِ اللَّهِ وَأَلَّا يَشْتَرِيَ بِآيَاتِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا
[ ص: 254 ] وَتَرَكَ خَشْيَةَ النَّاسِ ; وَهَذِهِ الْخِصَالُ الثَّلَاثُ الَّتِي أَخَذَهَا اللَّهُ عَلَى كُلِّ مَنْ حَكَمَ عَلَى النَّاسِ ; فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=718&ayano=5فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } . وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600348الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ : قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ . فَرَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِخِلَافِهِ فَهُوَ فِي النَّارِ . وَرَجُلٌ قَضَى بَيْنَ النَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ . وَرَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ } رَوَاهُ
أَهْلُ السُّنَنِ .
وَالْقَاضِي اسْمٌ لِكُلِّ مَنْ قَضَى بَيْنَ اثْنَيْنِ وَحَكَمَ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ خَلِيفَةً أَوْ سُلْطَانًا أَوْ نَائِبًا أَوْ وَالِيًا ; أَوْ كَانَ مَنْصُوبًا لِيَقْضِيَ بِالشَّرْعِ أَوْ نَائِبًا لَهُ حَتَّى مَنْ يَحْكُمُ بَيْنَ الصِّبْيَانِ فِي الْخُطُوطِ . إذَا تَخَايَرُوا . هَكَذَا ذَكَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ظَاهِرٌ .