وقال تعالى عن مؤمن يس { وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون } { أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون } { إني إذا لفي ضلال مبين } { إني آمنت بربكم فاسمعون } وقال تعالى : { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون } فأخبر سبحانه عن شفعائهم أنهم زعموا أنهم فيهم شركاء ، وقال تعالى : { أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون } { قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون } وقال تعالى : { ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع } وقال تعالى : { وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع } وقال تعالى : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } وقال تعالى : { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون } { لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون } { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون } وقال تعالى : { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى } وقال تعالى : { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير } { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } وقال تعالى : { قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا } { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا }
قال طائفة من السلف : كان قوم يدعون العزير والمسيح والملائكة فأنزل الله هذه الآية يبين فيها أن الملائكة والأنبياء يتقربون إلى الله ويرجون رحمته ويخافون عذابه
ومن : أن يعلم أن الله تعالى أثبت له حقا لا يشركه فيه مخلوق ; كالعبادة والتوكل والخوف والخشية والتقوى كما قال تعالى : { تحقيق التوحيد لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا } وقال تعالى : { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين } وقال تعالى : { قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين } وقال تعالى : { قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون } إلى قوله : { الشاكرين } وكل من الرسل يقول لقومه : { اعبدوا الله ما لكم من إله غيره }
وقد قال تعالى في التوكل : { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } وقال : { قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون } وقال تعالى : { ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون } . فقال في الإتيان : { ما آتاهم الله ورسوله } وقال في التوكل : { وقالوا حسبنا الله } ولم يقل : ورسوله ; لأن الإتيان هو الإعطاء الشرعي وذلك يتضمن الإباحة والإحلال الذي بلغه الرسول فإن قال تعالى : { الحلال ما أحله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }
وأما الحسب فهو الكافي والله وحده كاف عبده كما قال تعالى : { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } فهو وحده حسبهم كلهم ، وقال تعالى : { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } أي حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين هو الله فهو كافيكم كلكم
[ ص: 108 ] وليس المراد أن الله والمؤمنين حسبك كما يظنه بعض الغالطين إذ هو وحده كاف نبيه وهو حسبه ليس معه من يكون هو وإياه حسبا للرسول وهذا في اللغة كقول الشاعر :
فحسبك والضحاك سيف مهند
وتقول العرب : حسبك وزيدا درهم أي يكفيك وزيدا جميعا درهموقال في الخوف والخشية والتقوى : { ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون } فأثبت الطاعة لله والرسول وأثبت الخشية والتقوى لله وحده كما قال نوح عليه السلام { إني لكم نذير مبين } { أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون } فجعل وجعل الطاعة للرسول ; فإنه من يطع الرسول فقد أطاع الله . وقد قال تعالى : { العبادة والتقوى لله وحده فلا تخشوا الناس واخشون } وقال تعالى : { فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } وقال الخليل عليه السلام { وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون } { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون }
وفي الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال : لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : وأينا لم يظلم نفسه ؟ [ ص: 109 ] فقال النبي صلى الله عليه وسلم " { } . وقال تعالى : { إنما هو الشرك أولم تسمعوا إلى قول العبد الصالح : إن الشرك لظلم عظيم فإياي فارهبون } { وإياي فاتقون }
ومن هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته : " { } وقال : " { من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئا . محمد ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد } ولا تقولوا ما شاء الله وشاء
ففي الطاعة : قرن اسم الرسول باسمه بحرف الواو ، وفي المشيئة : أمر أن يجعل ذلك بحرف " ثم " وذلك لأن فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله ، وطاعة الله طاعة الرسول بخلاف المشيئة فليست مشيئة أحد من العباد مشيئة لله ، ولا مشيئة الله مستلزمة لمشيئة العباد بل ما شاء الله كان وإن لم يشأ الناس ، وما شاء الناس لم يكن إن لم يشأ الله . طاعة الرسول طاعة لله