[ ص: 31 ] باب الرضاع قال شيخ الإسلام رحمه الله فصل وأما " " فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { المحرمات بالرضاع } وفي لفظ : { يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب } وهذا مما اتفق عليه علماء المسلمين ; لا أعلم فيه نزاعا بين العلماء المعروفين . فإذا يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة صار ولدها باتفاق الأئمة وصار الرجل الذي در اللبن بوطئه أبا لهذا المرتضع باتفاق الأئمة المشهورين وهذا يسمى " لبن الفحل " وقد ثبت ذلك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم { ارتضع الطفل من امرأة خمس رضعات في الحولين قبل الفطام عائشة كانت قد أرضعتها امرأة وكان لها زوج يقال له أبو القعيس فجاء أخوه يستأذن عليها فأبت أن تأذن له حتى سألت [ ص: 32 ] النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها : إيذني له فإنه عمك فقالت عائشة : إنما أرضعتني المرأة ; ولم يرضعني الرجل فقال : إنه عمك فليلج عليك .
} وقال : { فإن } . وإذا صار الرجل والمرأة والدي المرتضع صار كل من أولادهما إخوة المرضع ; سواء كانوا من الأب فقط أو من المرأة أو منهما أو كانوا أولادا لهما من الرضاعة ; فإنهم يصيرون إخوة لهذا المرتضع من الرضاعة ; حتى لو يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب : كانا أخوين ; ولم يجز لأحدهما التزوج بالآخر باتفاق الأئمة الأربعة وجمهور علماء المسلمين . وهذه " المسألة " سئل عنها كان لرجل امرأتان فأرضعت هذه طفلا وهذه طفلة ابن عباس فقال : اللقاح واحد يعني الرجل الذي وطئ المرأتين حتى در اللبن واحد . ولا فرق باتفاق المسلمين بين أولاد المرأة الذين رضعوا مع الطفل وبين من ولد لها قبل الرضاعة وبعد الرضاعة : باتفاق المسلمين .
وما يظنه كثير من الجهال أنه إنما يحرم من رضع معه : هو ضلال على صاحبه إن لم يرجع عنه فإن أصر على استحلال ذلك استتيب كما يستتاب سائر من أباح الإخوة من الرضاعة فإن تاب وإلا قتل . وإذا كان كذلك فجميع " أقارب المرأة أقارب للمرتضع من الرضاعة " أولادها إخوته وأولاد أولادها أولاد إخوته وآباؤها وأمهاتها [ ص: 33 ] أجداده وإخوتها وأخواتها أخواله وخالاته : وكل هؤلاء حرام عليه وأما " بنات أخواله وخالاته من الرضاع " فحلال كما يحل ذلك من النسب ; وأقارب الرجل أقاربه من الرضاع : أولاد إخوته وأولادهم أولاد إخوته . وإخوته أعمامه وعماته وهن حرام عليه . وحل له بنات عمه وبنات عماته .
وأولاد المرتضع بمنزلته كما أن أولاد المولود بمنزلته فليس لأولاده من النسب والرضاع أن يتزوجوا إخوته ولا إخوة أبيه لا من نسب ولا رضاع لأنهم أعمامهم وعماتهم وأخوالهم وخالاتهم . وأما إخوة المرتضع من نسب أو رضاع غير رضاع هذه المرضعة فهم أجانب منها ومن أقاربها فيجوز لإخوة هؤلاء أن يتزوجوا أولاد المرضعة ; كما إذا كان أخ للرجل من أبيه وأخت من أمه . وبالعكس : جاز أن يتزوج أحدهما الآخر ; وهو نفسه لا يتزوج واحدا منهما : فكذلك المرتضع هو نفسه لا يتزوج واحدا من أولاد مرضعه ; ولا أحدا من أولاد والديه فإن هؤلاء إخوته من الرضاع ; وهؤلاء إخوته من النسب .
ويجوز لإخوته من الرضاع أن يتزوجوا إخوته من النسب كما يجوز لإخوته من أبيه أن يتزوجوا إخوته من أمه . وهذا كله متفق عليه بين العلماء . [ ص: 34 ] ولكن بعض المنتصبين للفتيا قد يغلظ في هذه المسائل ; لالتباس أمرها على المستفتين ولا يذكرون ما يسألون عنه بالأسماء والصفات المعتبرة في الشرع مثل أن يقول : اثنان تراضعا : هل يتزوج هذا بأخت هذا ؟ وهذا سؤال مجمل . فالمرتضع نفسه ليس له أن يتزوج من أخوات الآخر اللاتي هن من أمه التي أرضعت ; وإن كان له أخوات من غير تلك الأم فهن أجانب من المرتضع فللمرتضع أن يتزوج منهن . وكذلك إذا قيل : ؟ فجواب ذلك أن إخوة كل من المتراضعين لهم أن يتزوجوا أخوات الآخر ; إذا لم يرتضع الخاطب من أم المخطوبة ولا المخطوبة من أم الخاطب وهذا متفق عليه بين العلماء . طفل وطفلة تراضعا أو طفلان تراضعا : هل يحل أن يتزوج أحدهما بإخوة الآخر ويتزوج الأخوات من الجانبين بعضهم لبعض
وأما المتراضعان فليس لأحدهما أن يتزوج شيئا من أولاد المرضعة فلا يتزوج هذا بأحد من إخوة الآخر من الأم التي أرضعته أو من الأب صاحب اللبن ويجوز أن يتزوج كل منهما من إخوة الآخر الذين ليسوا من أولاد أبويه من الرضاعة . فهذا جواب هذه الأقسام . فإن الرضيع : إما أن يتزوج من إخوة المرتضع الآخر من تلك المرأة أو الرجل وإما أن يتزوج من إخوة المرتضع الآخر من النسب أو من رضاعة أخرى . وإخوة الرضيع إما أن يتزوجوا من هؤلاء وإما من هؤلاء وإما من هؤلاء . فإخوة الرضيع لهم أن يتزوجوا الجميع : أولاد المرضعة [ ص: 35 ] وزوجها من نسب أو رضاع . ولإخوة هذا أن يتزوجوا بإخوة هذا ; بل لأب هذا من النسب أن يتزوج أخته من الرضاع . وأما أولاد المرضعة فلا يتزوج أحد منهن المرتضع ; ولا أولاده ; ولا يتزوج أحدا من أولاد إخوته وأخواته ; لا من نسب ; ولا من رضاع فإنه يكون : إما عما وإما خالا . وهذا كله متفق عليه بين العلماء . " ثم " فيه ثلاثة أقوال مشهورة ثلاث روايات عن الرضاع المحرم أحمد " أحدها " أنه يحرم كثيره وقليله . وهي مذهب مالك وأبي حنيفة ; لإطلاق القرآن . " والثاني " لا تحرم الرضعة والرضعتان ويحرم ما فوق ذلك . وهو مذهب طائفة ; لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : { } " وروي " { لا تحرم الرضعة والرضعتان } " وروي { المصة والمصتان } " فنفى التحريم عنهما وبقي الباقي على العموم والمفهوم . الإملاجة ; والإملاجتان
" والثالث " أنه لا يحرم إلا خمس رضعات وهو مذهب الشافعي وظاهر مذهب أحمد لحديثين صحيحين . حديث عائشة : { } ولأمره صلى الله عليه وسلم لامرأة إن مما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة أن ترضع سالما مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة خمس رضعات ; ليصير محرما لها بذلك .
[ ص: 36 ] وعلى هذا فالرضعة في مذهب الشافعي وأحمد ليست هي الشبعة وهو أن يلتقم الثدي ثم يسيبه ثم يلتقمه ثم يسيبه حتى يشبع بل إذا أخذ الثدي ثم تركه باختياره فهي رضعة سواء شبع بها أو لم يشبع إلا برضعات فإذا التقمه بعد ذلك فرضع ثم تركه فرضعة أخرى وإن تركه بغير اختياره ثم عاد قريبا ففيه نزاع .