[ ص: 186 ] باب حد المسكر قال شيخ الإسلام رضي الله عنه أما " الأشربة المسكرة " فمذهب جمهور علماء المسلمين الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر العلماء أن كل مسكر خمر وكل خمر حرام . وهذا مذهب وما أسكر كثيره فقليله حرام مالك وأصحابه والشافعي وأصحابه وأصحابه وأحمد بن حنبل وهو أحد القولين في مذهب أبي حنيفة وهو اختيار صاحب محمد بن الحسن أبي حنيفة واختيار طائفة من المشايخ : مثل وغيره . وهذا قول أبي الليث السمرقندي الأوزاعي وأصحابه والليث ابن سعد وأصحابه وإسحاق بن راهويه وأصحابه وداود بن علي وأصحابه وأصحابه وأبي ثور وابن جرير الطبري وأصحابه وغير هؤلاء من علماء المسلمين وأئمة الدين . وذهب طائفة من العلماء من أهل الكوفة كالنخعي والشعبي وأبي حنيفة وشريك وغيرهم إلى أن ولبن الخيل وغير ذلك فإنما يحرم [ ص: 187 ] منه القدر الذي يسكر . وأما القليل الذي لا يسكر فلا يحرم . ما أسكر من غير الشجرتين - النخل والعنب - كنبيذ الحنطة والشعير والذرة والعسل
وأما فهو خمر يحرم قليله وكثيره بإجماع المسلمين . وأصحاب " القول الثاني " قالوا : لا يسمى خمرا إلا ما كان من العنب . وقالوا : إن عصير العنب الذي إذا غلا واشتد وقذف بالزبد حرم قليله وكثيره ولا يسمى خمرا فإن طبخ أدنى طبخ حل . وأما نبيذ التمر والزبيب إذا كان نيئا مسكرا لم يحل إلا أن يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه . فأما بعد أن يصير خمرا فلا يحل وإن طبخ إذا كان مسكرا بلا نزاع . و " القول الأول " الذي عليه جمهور علماء المسلمين هو الصحيح الذي يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار ; فإن الله تعالى قال في كتابه : { عصير العنب إذا طبخ وهو مسكر إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } . واسم " الخمر " في لغة العرب الذين خوطبوا بالقرآن كان يتناول المسكر من التمر وغيره ولا يختص بالمسكر من العنب ; فإنه قد ثبت بالنقول الصحيحة أن الخمر لما حرمت بالمدينة النبوية وكان تحريمها بعد غزوة أحد في السنة الثالثة من الهجرة لم يكن من عصير العنب شيء فإن المدينة ليس فيها [ ص: 188 ] شجر عنب ; وإنما كانت خمرهم من التمر . فلما حرمها الله عليهم أراقوها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بل وكسروا أوعيتها وشقوا ظروفها ; وكانوا يسمونها " خمرا " . فعلم أن اسم " الخمر " في كتاب الله عام لا يختص بعصير العنب . فروى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : نزل تحريم الخمر وإن بالمدينة يومئذ لخمسة أشربة ; ما منها شراب العنب . وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال : إن الخمر حرمت يومئذ من البسر والتمر . وفي لفظ لمسلم : لقد أنزل الله هذه الآية التي حرم فيها الخمر ; وما بالمدينة شراب إلا من تمر وبسر . وفي لفظ للبخاري : وحرمت علينا حين حرمت وما نجد خمر الأعناب إلا قليلا ; وعامة خمرنا البسر والتمر .
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال . كنت أسقي أبا عبيدة من فريخ زهو وتمر فجاءهم آت فقال : إن الخمر قد حرمت فقال وأبي بن كعب أبو طلحة : يا أنس قم إلى هذه الجرار فأهرقها فأهرقتها . وقد ثبت { } ففي الصحيحين عن عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أن الخمر يكون من الحنطة والشعير ; كما يكون من العنب ابن عمر أن رضي الله عنهما قال على منبر النبي صلى الله عليه وسلم أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة : من العنب والتمر ; [ ص: 189 ] والعسل ; والحنطة ; والشعير ; والخمر ما خامر العقل . وروى أهل السنن عمر بن الخطاب أبو داود والترمذي وابن ماجه عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } زاد إن من الحنطة خمرا ومن الشعير خمرا ومن الزبيب خمرا ; ومن التمر خمرا ومن العسل خمرا أبو داود : { } . وأنا أنهى عن كل مسكر