[ ص: 230 ] وقد استدل " أئمة السنة "
كأحمد وغيره على أن "
nindex.php?page=treesubj&link=29453كلام الله غير مخلوق " بأنه استعاذ به فقال : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20427من نزل منزلا فقال : أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل منه } . " فكذلك معافاته ورضاه غير مخلوقة لأنه استعاذ بهما والعافية القائمة ببدن العبد مخلوقة فإنها نتيجة معافاته . وإذا كان " الخلق فعله " والمخلوق مفعوله " وقد خلق الخلق بمشيئته دل على أن الخلق فعل يحصل بمشيئته ويمتنع قيامه بغيره فدل على أن أفعاله قائمة بذاته مع كونها حاصلة بمشيئته وقدرته . وقد حكى
البخاري إجماع العلماء على الفرق بين الخلق والمخلوق وعلى هذا يدل " صريح المعقول " .
فإنه قد ثبت بالأدلة " العقلية والسمعية " أن
nindex.php?page=treesubj&link=29426كل ما سوى الله تعالى مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن وأن الله انفرد بالقدم والأزلية ; وقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2939&ayano=25الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام } فهو حين خلق السموات ابتداء ; إما أن يحصل منه فعل يكون هو خلقا للسموات والأرض وإما أن لا يحصل منه فعل ; بل وجدت المخلوقات بلا فعل ومعلوم أنه إذا كان الخالق قبل خلقها ومع خلقها سواء وبعده سواء لم يجز تخصيص خلقها بوقت دون وقت بلا سبب يوجب التخصيص . و " أيضا " فحدوث المخلوق بلا سبب حادث ممتنع في بداية العقل وإذا قيل : الإرادة والقدرة خصصت . قيل : نسبة الإرادة القديمة إلى جميع الأوقات سواء ; وأيضا فلا تعقل إرادة تخصيص أحد المتماثلين إلا بسبب يوجب
[ ص: 231 ] التخصيص ; " وأيضا " فلا بد عند وجود المراد من سبب يقتضي حدوثه وإلا فلو كان مجرد ما تقدم من الإرادة والقدرة كافيا ; للزم وجوده قبل ذلك لأنه مع الإرادة التامة والقدرة التامة يجب وجود المقدور .
وقد احتج من قال : " الخلق " هو المخلوق -
كأبي الحسن ومن اتبعه مثل
Multitarajem.php?tid=13371,13372ابن عقيل - بأن قالوا : لو كان غيره لكان إما قديما وإما حادثا فإن كان قديما لزم قدم المخلوق لأنهما متضايفان ; وإن كان حادثا لزم أن تقوم به الحوادث ثم ذلك المخلوق يفتقر إلى خلق آخر ويلزم التسلسل . فأجابهم " الجمهور " - وكل طائفة على أصلها - فطائفة قالت : الخلق قديم وإن كان المخلوق حادثا كما يقول ذلك كثير من
أهل المذاهب الأربعة وعليه أكثر
الحنفية ; قال هؤلاء : أنتم تسلمون لنا أن الإرادة قديمة أزلية ; والمراد محدث فنحن نقول في الخلق ما قلتم في الإرادة . وقالت " طائفة " : بل الخلق حادث في ذاته ولا يفتقر إلى خلق آخر ; بل يحدث بقدرته . وأنتم تقولون : إن المخلوق يحصل بقدرته بعد أن لم يكن فإن كان المنفصل يحصل بمجرد القدرة فالمتصل به أولى وهذا جواب كثير من
الكرامية والهشامية وغيرهم . و " طائفة " يقولون : هب أنه يفتقر إلى فعل قبله فلم قلتم : إن ذلك ممتنع ؟ وقولكم : هذا تسلسل .
فيقال : ليس هذا تسلسلا في الفاعلين والعلل
[ ص: 232 ] الفاعلة ; فإن هذا ممتنع باتفاق العقلاء ; بل هو تسلسل في الآثار والأفعال وهو حصول شيء بعد شيء وهذا محل النزاع . "
فالسلف " يقولون : لم يزل متكلما إذا شاء ; وقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2267&ayano=18قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا } . فكلمات الله لا نهاية لها وهذا تسلسل جائز كالتسلسل في المستقبل فإن نعيم الجنة دائم لا نفاد له فما من شيء إلا وبعده شيء لا نهاية له .
[ ص: 230 ] وَقَدْ اسْتَدَلَّ " أَئِمَّةُ السُّنَّةِ "
كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ "
nindex.php?page=treesubj&link=29453كَلَامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ " بِأَنَّهُ اسْتَعَاذَ بِهِ فَقَالَ : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20427مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا فَقَالَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهُ } . " فَكَذَلِكَ مُعَافَاتُهُ وَرِضَاهُ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ لِأَنَّهُ اسْتَعَاذَ بِهِمَا وَالْعَافِيَةُ الْقَائِمَةُ بِبَدَنِ الْعَبْدِ مَخْلُوقَةٌ فَإِنَّهَا نَتِيجَةُ مُعَافَاتِهِ . وَإِذَا كَانَ " الْخَلْقُ فِعْلَهُ " وَالْمَخْلُوقُ مَفْعُولَهُ " وَقَدْ خَلَقَ الْخَلْقَ بِمَشِيئَتِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَلْقَ فِعْلٌ يَحْصُلُ بِمَشِيئَتِهِ وَيَمْتَنِعُ قِيَامُهُ بِغَيْرِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَهُ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ مَعَ كَوْنِهَا حَاصِلَةً بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ . وَقَدْ حَكَى
الْبُخَارِيُّ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْمَخْلُوقِ وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ " صَرِيحُ الْمَعْقُولِ " .
فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالْأَدِلَّةِ " الْعَقْلِيَّةِ وَالسَّمْعِيَّةِ " أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29426كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى مَخْلُوقٌ مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَأَنَّ اللَّهَ انْفَرَدَ بِالْقِدَمِ وَالْأَزَلِيَّةِ ; وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2939&ayano=25الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } فَهُوَ حِينَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ ابْتِدَاءً ; إمَّا أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُ فِعْلٌ يَكُونُ هُوَ خَلْقًا لِلسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِمَّا أَنْ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ فِعْلٌ ; بَلْ وُجِدْت الْمَخْلُوقَاتُ بِلَا فِعْلٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخَالِقُ قَبْلَ خَلْقِهَا وَمَعَ خَلْقِهَا سَوَاءً وَبَعْدَهُ سَوَاءً لَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ خَلْقِهَا بِوَقْتِ دُونَ وَقْتٍ بِلَا سَبَبٍ يُوجِبُ التَّخْصِيصَ . وَ " أَيْضًا " فَحُدُوثُ الْمَخْلُوقِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ مُمْتَنِعٌ فِي بِدَايَةِ الْعَقْلِ وَإِذَا قِيلَ : الْإِرَادَةُ وَالْقُدْرَةُ خُصِّصَتْ . قِيلَ : نِسْبَةُ الْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةُ إلَى جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ سَوَاءٌ ; وَأَيْضًا فَلَا تُعْقَلُ إرَادَةُ تَخْصِيصِ أَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ إلَّا بِسَبَبِ يُوجِبُ
[ ص: 231 ] التَّخْصِيصَ ; " وَأَيْضًا " فَلَا بُدَّ عِنْدَ وُجُودِ الْمُرَادِ مِنْ سَبَبٍ يَقْتَضِي حُدُوثَهُ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ مُجَرَّدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْإِرَادَةِ وَالْقُدْرَةِ كَافِيًا ; لَلَزِمَ وُجُودُهُ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعَ الْإِرَادَةِ التَّامَّةِ وَالْقُدْرَةِ التَّامَّةِ يَجِبُ وُجُودُ الْمَقْدُورِ .
وَقَدْ احْتَجَّ مَنْ قَالَ : " الْخَلْقُ " هُوَ الْمَخْلُوقُ -
كَأَبِي الْحَسَنِ وَمَنْ اتَّبَعَهُ مِثْلُ
Multitarajem.php?tid=13371,13372ابْنِ عَقِيلٍ - بِأَنْ قَالُوا : لَوْ كَانَ غَيْرُهُ لَكَانَ إمَّا قَدِيمًا وَإِمَّا حَادِثًا فَإِنْ كَانَ قَدِيمًا لَزِمَ قِدَمُ الْمَخْلُوقِ لِأَنَّهُمَا مُتَضَايِفَانِ ; وَإِنْ كَانَ حَادِثًا لَزِمَ أَنْ تَقُومَ بِهِ الْحَوَادِثُ ثُمَّ ذَلِكَ الْمَخْلُوقُ يَفْتَقِرُ إلَى خَلْقٍ آخَرَ وَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ . فَأَجَابَهُمْ " الْجُمْهُورُ " - وَكُلُّ طَائِفَةٍ عَلَى أَصْلِهَا - فَطَائِفَةٌ قَالَتْ : الْخَلْقُ قَدِيمٌ وَإِنْ كَانَ الْمَخْلُوقُ حَادِثًا كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ
أَهْلِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ
الْحَنَفِيَّةِ ; قَالَ هَؤُلَاءِ : أَنْتُمْ تُسَلِّمُونَ لَنَا أَنَّ الْإِرَادَةَ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ ; وَالْمُرَادُ مُحْدَثٌ فَنَحْنُ نَقُولُ فِي الْخَلْقِ مَا قُلْتُمْ فِي الْإِرَادَةِ . وَقَالَتْ " طَائِفَةٌ " : بَلْ الْخَلْقُ حَادِثٌ فِي ذَاتِهِ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى خَلْقٍ آخَرَ ; بَلْ يَحْدُثُ بِقُدْرَتِهِ . وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ : إنَّ الْمَخْلُوقَ يَحْصُلُ بِقُدْرَتِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ كَانَ الْمُنْفَصِلَ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ فَالْمُتَّصِلُ بِهِ أَوْلَى وَهَذَا جَوَابُ كَثِيرٍ مِنْ
الكرامية والهشامية وَغَيْرِهِمْ . وَ " طَائِفَةٌ " يَقُولُونَ : هَبْ أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى فِعْلٍ قَبْلَهُ فَلِمَ قُلْتُمْ : إنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ ؟ وَقَوْلُكُمْ : هَذَا تَسَلْسُلٌ .
فَيُقَالُ : لَيْسَ هَذَا تَسَلْسُلًا فِي الْفَاعِلِينَ وَالْعِلَلِ
[ ص: 232 ] الْفَاعِلَةِ ; فَإِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ ; بَلْ هُوَ تَسَلْسُلٌ فِي الْآثَارِ وَالْأَفْعَالِ وَهُوَ حُصُولُ شَيْءٍ بَعْدَ شَيْءٍ وَهَذَا مَحَلُّ النِّزَاعِ . "
فَالسَّلَفُ " يَقُولُونَ : لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ ; وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2267&ayano=18قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا } . فَكَلِمَاتُ اللَّهِ لَا نِهَايَةَ لَهَا وَهَذَا تَسَلْسُلٌ جَائِزٌ كَالتَّسَلْسُلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ دَائِمٌ لَا نَفَادَ لَهُ فَمَا مِنْ شَيْءٍ إلَّا وَبَعْدَهُ شَيْءٌ لَا نِهَايَةَ لَهُ .