وقد جمع الله بين وصفهم بوجل القلب إذا ذكر وبزيادة الإيمان إذا سمعوا آياته . قال الضحاك : زادتهم يقينا . وقال الربيع بن أنس : خشية . وعن ابن عباس تصديقا . وهكذا قد ذكر الله هذين الأصلين في مواضع قال تعالى : { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون } . : ( أحدهما ) : التواضع والذل . ( والثاني ) : السكون والطمأنينة وذلك مستلزم للين القلب المنافي للقسوة ; و " الخشوع " يتضمن معنيين أيضا ولهذا كان الخشوع في الصلاة يتضمن هذا وهذا : التواضع والسكون . وعن فخشوع القلب يتضمن عبوديته لله وطمأنينته ابن عباس في قوله : { الذين هم في صلاتهم خاشعون } . قال : مخبتون أذلاء . وعن الحسن وقتادة : خائفون . وعن مقاتل : متواضعون . وعن علي : الخشوع في القلب وأن تلين للمرء المسلم كنفك ولا تلتفت يمينا ولا شمالا : وقال مجاهد : غض البصر وخفض الجناح وكان الرجل من العلماء إذا قام إلى الصلاة يهاب الرحمن أن يشذ بصره أو أن يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا . وعن عمرو بن دينار : ليس الخشوع الركوع والسجود ; ولكنه السكون وحب حسن الهيئة في الصلاة . وعن ابن سيرين وغيره : { قد أفلح المؤمنون } { الذين هم في صلاتهم خاشعون } الآية . فجعلوا بعد ذلك أبصارهم حيث يسجدون وما رئي أحد منهم بعد ذلك ينظر إلا إلى الأرض . } وعن كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يرفعون أبصارهم في الصلاة إلى السماء وينظرون يمينا وشمالا حتى نزلت هذه : { عطاء : هو أن لا تعبث بشيء من جسدك وأنت في الصلاة . { } . ولفظ " الخشوع " - إن شاء الله - يبسط في موضع آخر . وأبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال : لو خشع [ ص: 29 ] قلب هذا لخشعت جوارحه
إذا لم يكن الرجل مرائيا يظهر ما ليس في قلبه كما روي : { و " خشوع الجسد " تبع لخشوع القلب خشوع النفاق } وهو أن يرى الجسد خاشعا والقلب خاليا لاهيا . فهو سبحانه استبطأ المؤمنين بقوله : { تعوذوا بالله من ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق } فدعاهم إلى خشوع القلب لذكره وما نزل من كتابه ونهاهم أن يكونوا كالذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم وهؤلاء هم الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا . وكذلك قال في الآية الأخرى : { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } . هم الذين إذا ذكر الله تعالى وجلت قلوبهم . فإن قيل : فخشوع القلب لذكر الله وما نزل من الحق واجب . قيل : نعم لكن الناس فيه على قسمين : " مقتصد " " وسابق " فالسابقون يختصون بالمستحبات والمقتصدون الأبرار : هم عموم المؤمنين المستحقين للجنة ومن لم يكن من هؤلاء ولا هؤلاء ; فهو ظالم لنفسه . وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم { والذين يخشون ربهم } . [ ص: 30 ] وقد ذم الله اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ونفس لا تشبع ودعاء لا يسمع في غير موضع فقال تعالى : { " قسوة القلوب " المنافية للخشوع ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة } . قال الزجاج : قست في اللغة : غلظت ويبست وعسيت . فقسوة القلب ذهاب اللين والرحمة والخشوع منه والقاسي والعاسي : الشديد الصلابة . وقال : قست وعست وعتت . أي يبست . وقوة القلب المحمودة غير قسوته المذمومة فإنه ينبغي أن يكون قويا من غير عنف ولينا من غير ضعف . وفي الأثر : { ابن قتيبة القلوب آنية الله في أرضه فأحبها إلى الله أصلبها وأرقها وأصفاها } . وهذا كاليد فإنها قوية لينة بخلاف ما يقسو من العقب فإنه يابس لا لين فيه وإن كان فيه قوة .