الوجه الحادي عشر قولهم : والجنس هو الجزء المشترك والفصل هو الجزء المميز . الحقيقة مركبة من الجنس والفصل
يقال لهم : هذا التركيب : إما أن يكون في الخارج أو في الذهن . فإن كان في الخارج فليس في الخارج نوع كلي يكون محدودا بهذا الحد إلا الأعيان المحسوسة والأعيان في كل عين صفة يكون نظيرها لسائر الحيوانات كالحس والحركة الإرادية وصفة ليس مثلها لسائر الحيوان وهي النطق . وفي كل عين يجتمع هذان الوصفان كما يجتمع سائر الصفات والجواهر القائمة لأمور مركبة من الصفات المجعولة فيها .
وإن أردتم بالحيوانية والناطقية جوهرا فليس في الإنسان جوهران أحدهما حي والآخر ناطق . بل هو جوهر واحد له صفتان . فإن كان [ ص: 56 ] الجوهر مركبا من عرضين لم يصح . وإن كان من جوهر عام وخاص فليس فيه ذلك . فبطل كون الحقيقة الخارجة مركبة .
وإن جعلوها تارة جوهرا وتارة صفة : كان ذلك بمنزلة قول النصارى في الأقانيم وهو من أعظم الأقوال تناقضا باتفاق العلماء . وإن قالوا : المركب الحقيقية الذهنية المعقولة .
قيل - أولا - تلك ليست هي المقصودة بالحدود إلا أن تكون مطابقة للخارج . فإن لم يكن هناك تركيب لم يصح أن يكون في هذه تركيب . وليس في الذهن إلا تصور الحي الناطق . وهو جوهر واحد له صفتان كما قدمنا . فلا تركيب فيه بحال . واعلم أنه لا نزاع أن صفات الأنواع والأجناس منها ما هو مشترك بينها وبين غيرها . كالجنس والعرض العام ومنها ما هو لازم للحقيقة ومنها ما هو عارض لها وهو ما ثبت لها في وقت دون وقت كالبطيء الزوال وسريعه وإنما الشأن في التفريق بين الذاتي والعرضي اللازم . فهذا هو الذي مداره على تحكم ذهن الحاد .
ولا تنازع في أن بعض الصفات قد يكون أظهر وأشرف . فإن النطق أشرف من الضحك . ولهذا ضرب الله به المثل في قوله : { إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون } ولكن الشأن في جعل هذا ذاتيا تتصور به الحقيقة دون الآخر .