وأما " الرضا " فقد تنازع العلماء والمشايخ من أصحاب الإمام
أحمد وغيرهم في
nindex.php?page=treesubj&link=28776_19627الرضا بالقضاء : هل هو واجب أو مستحب ؟ على قولين : فعلى الأول يكون من أعمال المقتصدين وعلى الثاني يكون من أعمال المقربين . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز الرضا عزيز ولكن الصبر معول المؤمن . وقد روي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596713عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لابن عباس : إن استطعت أن تعمل لله بالرضا مع اليقين فافعل فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا } .
[ ص: 41 ] ولهذا لم يجئ في القرآن إلا مدح الراضين لا إيجاب ذلك وهذا في الرضا بما يفعله الرب بعبده من المصائب كالمرض والفقر والزلزال كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=186&ayano=2والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=223&ayano=2أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا } فالبأساء في الأموال والضراء في الأبدان والزلزال في القلوب .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=19638_19627 " الرضا بما أمر الله به " فأصله واجب وهو من الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36429ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا } وهو من توابع المحبة كما سنذكره إن شاء الله تعالى قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=562&ayano=4فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=9ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله } الآية . وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4620&ayano=47ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1298&ayano=9وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون } ومن " النوع الأول " ما رواه
أحمد والترمذي وغيرهما عن
سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36544من سعادة ابن آدم استخارته [ ص: 42 ] لله ورضاه بما قسم الله له .
ومن شقاوة ابن آدم ترك استخارته لله وسخطه بما يقسم الله له } . وأما "
nindex.php?page=treesubj&link=29483الرضا بالمنهيات " من الكفر والفسوق والعصيان فأكثر العلماء يقولون لا يشرع الرضا بها كما لا تشرع محبتها فإن الله سبحانه لا يرضاها ولا يحبها وإن كان قد قدرها وقضاها كما قال سبحانه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=214&ayano=2والله لا يحب الفساد } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4104&ayano=39ولا يرضى لعباده الكفر } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=605&ayano=4وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول } بل يسخطها كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4620&ayano=47ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم } وقالت طائفة ترضى من جهة كونها مضافة إلى الله خلقا وتسخط من جهة كونها مضافة إلى العبد فعلا وكسبا . وهذا القول لا ينافي الذي قبله بل هما يعودان إلى أصل واحد . وهو سبحانه إنما قدر الأشياء لحكمة فهي باعتبار تلك الحكمة محبوبة مرضية وقد تكون في نفسها مكروهة ومسخوطة . إذ الشيء الواحد يجتمع فيه وصفان يحب من أحدهما ويكره من الآخر كما في الحديث الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596714ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه } .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=19638_19626_19627من قال بالرضا بالقضاء الذي هو وصف الله وفعله لا بالمقضي الذي [ ص: 43 ] هو مفعوله فهو خروج منه عن مقصود الكلام . فإن الكلام ليس في الرضا فيما يقوم بذات الرب تعالى من صفاته وأفعاله وإنما الكلام في الرضا بمفعولاته والكلام فيما يتعلق بهذا قد بيناه في غير هذا الموضع . والرضا وإن كان من أعمال القلوب فكماله هو الحمد حتى إن بعضهم فسر الحمد بالرضا ; ولهذا جاء في الكتاب والسنة حمد الله على كل حال وذلك بتضمن الرضا بقضائه .
وفي الحديث : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46514أول من يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون الله في السراء والضراء } وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596715أنه كان إذا أتاه الأمر يسره قال : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا أتاه الأمر الذي يسوءه قال : الحمد لله على كل حال } وفي مسند
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد عن
أبي موسى الأشعري عن النبي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596716قال : إذا قبض ولد العبد يقول الله لملائكته : أقبضتم ولد عبدي ؟ فيقولون : نعم فيقول : أقبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون : نعم فيقول : ماذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك واسترجع فيقول : ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد } ونبينا
محمد صلى الله عليه وسلم هو صاحب لواء الحمد وأمته هم الحمادون الذين يحمدون الله على السراء والضراء . والحمد على الضراء يوجبه مشهدان : ( أحدهما : علم العبد بأن الله سبحانه مستوجب لذلك مستحق له لنفسه ; فإنه أحسن كل شيء خلقه وأتقن كل شيء وهو العليم الحكيم . الخبير الرحيم .
[ ص: 44 ] و ( الثاني : علمه بأن اختيار الله لعبده المؤمن خير من اختياره لنفسه كما روى
مسلم في صحيحه وغيره عن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596717النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له } فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن كل قضاء يقضيه الله للمؤمن الذي يصبر على البلاء ويشكر على السراء فهو خير له . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1769&ayano=14إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } وذكرهما في أربعة مواضع من كتابه . فأما
nindex.php?page=treesubj&link=29480_19627_19585من لا يصبر على البلاء ولا يشكر على الرخاء فلا يلزم أن يكون القضاء خيرا له . ولهذا أجيب من أورد هذا على ما يقضى على المؤمن من المعاصي بجوابين .
( أحدهما : أن هذا إنما يتناول ما أصاب العبد لا ما فعله العبد كما في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4ما أصابك من حسنة فمن الله } أي من سراء {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4وما أصابك من سيئة فمن نفسك } أي من ضراء . وكقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1129&ayano=7وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون } أي بالسراء والضراء كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2539&ayano=21ونبلوكم بالشر والخير فتنة } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=416&ayano=3إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها } فالحسنات والسيئات يراد بها المسار والمضار ويراد بها الطاعات والمعاصي .
( والجواب الثاني أن هذا في حق المؤمن الصبار الشكور . والذنوب تنقص الإيمان فإذا تاب العبد أحبه الله وقد ترتفع درجته بالتوبة . قال بعض
السلف : كان
داود بعد التوبة خيرا منه قبل الخطيئة فمن قضي له بالتوبة كان كما قال
سعيد بن جبير : إن العبد ليعمل الحسنة فيدخل بها النار وإن العبد ليعمل السيئة فيدخل بها الجنة ; وذلك أنه يعمل الحسنة فتكون نصب عينه ويعجب بها ويعمل السيئة فتكون نصب عينه فيستغفر الله ويتوب إليه منها وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596718الأعمال بالخواتيم }
nindex.php?page=treesubj&link=28852_19704_20011والمؤمن إذا فعل سيئة فإن عقوبتها تندفع عنه بعشرة أسباب : أن يتوب فيتوب الله عليه فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له . أو يستغفر فيغفر له أو يعمل حسنات تمحوها فإن الحسنات يذهبن السيئات . أو يدعو له إخوانه المؤمنون ويستغفرون له حيا وميتا . أو يهدون له من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به أو يشفع فيه نبيه
محمد صلى الله عليه وسلم .
أو يبتليه الله تعالى في الدنيا بمصائب تكفر عنه أو يبتليه في البرزخ بالصعقة فيكفر بها عنه . أو يبتليه في عرصات القيامة من أهوالها بما يكفر عنه . أو يرحمه أرحم الراحمين .
[ ص: 46 ] فمن أخطأته هذه العشرة فلا يلومن إلا نفسه كما قال تعالى فيما يروي عنه رسوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=47429يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه } . فإذا كان المؤمن يعلم أن القضاء خير له إذا كان صبارا شكورا أو كان قد استخار الله وعلم أن من سعادة ابن
آدم استخارته لله ورضاه بما قسم الله له كان قد رضي بما هو خير له .
وفي الحديث الصحيح عن
علي رضي الله عنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596719إن الله يقضي بالقضاء فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط } ففي هذا الحديث الرضا والاستخارة فالرضا بعد القضاء والاستخارة قبل القضاء وهذا أكمل من الضراء والصبر فلهذا ذكر في ذاك الرضا وفي هذا الصبر . ثم إذا كان القضاء مع الصبر خيرا له فكيف مع الرضا ولهذا جاء في الحديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596720المصاب من حرم الثواب } في الأثر الذي رواه
الشافعي في مسنده : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596721أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات سمعوا قائلا يقول : يا آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا . فإن المصاب من حرم الثواب } ولهذا لم يؤمر بالحزن المنافي للرضا قط مع أنه لا فائدة فيه فقد يكون في مضرة لكنه يعفى عنه إذا لم يقترن به ما يكرهه الله .
[ ص: 47 ] لكن
nindex.php?page=treesubj&link=29482_29487البكاء على الميت على وجه الرحمة حسن مستحب وذلك لا ينافي الرضا ; بخلاف البكاء عليه لفوات حظه منه وبهذا يعرف معنى {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596722قول النبي صلى الله عليه وسلم لما بكى الميت وقال : إن هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء } فإن هذا ليس كبكاء من يبكي لحظه لا لرحمة الميت ; فإن
nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل بن عياض لما مات ابنه
علي فضحك وقال : رأيت أن الله قد قضى فأحببت أن أرضى بما قضى الله به : حاله حال حسن بالنسبة إلى أهل الجزع . وأما رحمة الميت مع الرضا بالقضاء وحمد الله تعالى كحال النبي صلى الله عليه وسلم فهذا أكمل . كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6130&ayano=90ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة } فذكر سبحانه
nindex.php?page=treesubj&link=29480التواصي بالصبر والمرحمة .
والناس " أربعة أقسام " : منهم من يكون فيه صبر بقسوة . ومنهم من يكون فيه رحمة بجزع . ومنهم من يكون فيه القسوة والجزع . والمؤمن المحمود الذي يصبر على ما يصيبه ويرحم الناس . وقد ظن طائفة من المصنفين في هذا الباب أن الرضا عن الله من توابع المحبة له وهذا إنما يتوجه على " المأخذ الأول " وهو الرضا عنه لاستحقاقه ذلك بنفسه مع قطع العبد النظر عن حظه بخلاف " المأخذ الثاني " وهو الرضا لعلمه بأن المقضي خير له ثم إن المحبة متعلقة به والرضا متعلق بقضائه لكن قد يقال في تقرير ما قال هذا المصنف ونحوه . إن
nindex.php?page=treesubj&link=28683المحبة لله نوعان : [ ص: 48 ] محبة له نفسه ومحبة له لما فيه من الإحسان وكذلك الحمد له نوعان : حمد له على ما يستحقه نفسه وحمد على إحسانه إلى عبده فالنوعان للرضا كالنوعين للمحبة . وأما الرضا به وبدينه وبرسوله فذلك من حظ المحبة ; ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذوق طعم الإيمان كما ذكر في المحبة وجود حلاوة الإيمان .
وهذان الحديثان الصحيحان هما أصل فيما يذكر من الوجد والذوق الإيماني الشرعي ; دون الضلالي البدعي . ففي صحيح
مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36429ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا } وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596723ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار } وهذا مما يبين من الكلام على المحبة فنقول .
وَأَمَّا " الرِّضَا " فَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ وَالْمَشَايِخُ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ
أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28776_19627الرِّضَا بِالْقَضَاءِ : هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مِنْ أَعْمَالِ الْمُقْتَصِدِينَ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ مِنْ أَعْمَالِ الْمُقَرَّبِينَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16673عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الرِّضَا عَزِيزٌ وَلَكِنَّ الصَّبْرَ مِعْوَلُ الْمُؤْمِنِ . وَقَدْ رُوِيَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596713عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : إنْ اسْتَطَعْت أَنْ تَعْمَلَ لِلَّهِ بِالرِّضَا مَعَ الْيَقِينِ فَافْعَلْ فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَإِنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا } .
[ ص: 41 ] وَلِهَذَا لِمَ يَجِئْ فِي الْقُرْآنِ إلَّا مَدْحُ الرَّاضِينَ لَا إيجَابُ ذَلِكَ وَهَذَا فِي الرِّضَا بِمَا يَفْعَلُهُ الرَّبُّ بِعَبْدِهِ مِنْ الْمَصَائِبِ كَالْمَرَضِ وَالْفَقْرِ وَالزِّلْزَالِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=186&ayano=2وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=223&ayano=2أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا } فَالْبَأْسَاءُ فِي الْأَمْوَالِ وَالضَّرَّاءُ فِي الْأَبْدَانِ وَالزِّلْزَالُ فِي الْقُلُوبِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=19638_19627 " الرِّضَا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ " فَأَصْلُهُ وَاجِبٌ وَهُوَ مِنْ الْإِيمَانِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36429ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدِ نَبِيًّا } وَهُوَ مِنْ تَوَابِعِ الْمَحَبَّةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=562&ayano=4فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=9وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ } الْآيَةَ . وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4620&ayano=47ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1298&ayano=9وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ } وَمِنْ " النَّوْعِ الْأَوَّلِ " مَا رَوَاهُ
أَحْمَد والترمذي وَغَيْرُهُمَا عَنْ
سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36544مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ اسْتِخَارَتُهُ [ ص: 42 ] لِلَّهِ وَرِضَاهُ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ .
وَمِنْ شَقَاوَةِ ابْنِ آدَمَ تَرْكُ اسْتِخَارَتِهِ لِلَّهِ وَسُخْطُهُ بِمَا يَقْسِمُ اللَّهُ لَهُ } . وَأَمَّا "
nindex.php?page=treesubj&link=29483الرِّضَا بِالْمَنْهِيَّاتِ " مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ لَا يَشْرَعُ الرِّضَا بِهَا كَمَا لَا تَشْرَعُ مَحَبَّتُهَا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا يَرْضَاهَا وَلَا يُحِبُّهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ قَدَّرَهَا وَقَضَاهَا كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=214&ayano=2وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4104&ayano=39وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=605&ayano=4وَهُوَ مَعَهُمْ إذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ } بَلْ يَسْخَطُهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4620&ayano=47ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } وَقَالَتْ طَائِفَةٌ تَرْضَى مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا مُضَافَةً إلَى اللَّهِ خَلْقًا وَتَسْخَطُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا مُضَافَةً إلَى الْعَبْدِ فِعْلًا وَكَسْبًا . وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُنَافِي الَّذِي قَبْلَهُ بَلْ هُمَا يَعُودَانِ إلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ . وَهُوَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا قَدَّرَ الْأَشْيَاءَ لِحِكْمَةِ فَهِيَ بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْحِكْمَةِ مَحْبُوبَةٌ مَرْضِيَّةٌ وَقَدْ تَكُونُ فِي نَفْسِهَا مَكْرُوهَةٌ وَمَسْخُوطَةٌ . إذْ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ يَجْتَمِعُ فِيهِ وَصْفَانِ يُحِبُّ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَكْرَهُ مِنْ الْآخَرِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596714مَا تَرَدَّدْت عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ } .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=19638_19626_19627مَنْ قَالَ بِالرِّضَا بِالْقَضَاءِ الَّذِي هُوَ وَصْفُ اللَّهِ وَفِعْلُهُ لَا بِالْمَقْضِيِّ الَّذِي [ ص: 43 ] هُوَ مَفْعُولُهُ فَهُوَ خُرُوجٌ مِنْهُ عَنْ مَقْصُودِ الْكَلَامِ . فَإِنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِي الرِّضَا فِيمَا يَقُومُ بِذَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى مِنْ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الرِّضَا بِمَفْعُولَاتِهِ وَالْكَلَامُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا قَدْ بَيَّنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَالرِّضَا وَإِنْ كَانَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ فَكَمَالُهُ هُوَ الْحَمْدُ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ فَسَّرَ الْحَمْدَ بِالرِّضَا ; وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حَمْدُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَذَلِكَ بِتَضَمُّنِ الرِّضَا بِقَضَائِهِ .
وَفِي الْحَدِيثِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46514أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى إلَى الْجَنَّةِ الْحَمَّادُونَ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ } وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596715أَنَّهُ كَانَ إذَا أَتَاهُ الْأَمْرُ يَسُرُّهُ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ وَإِذَا أَتَاهُ الْأَمْرُ الَّذِي يَسُوءُهُ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ } وَفِي مُسْنَدِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامِ أَحْمَد عَنْ
أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596716قَالَ : إذَا قُبِضَ وَلَدُ الْعَبْدِ يَقُولُ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ : أَقَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ فَيَقُولُ : أَقَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ فَيَقُولُ : مَاذَا قَالَ عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ : حَمِدَك وَاسْتَرْجَعَ فَيَقُولُ : ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ } وَنَبِيُّنَا
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ صَاحِبُ لِوَاءِ الْحَمْدِ وَأُمَّتُهُ هُمْ الْحَمَّادُونَ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ . وَالْحَمْدُ عَلَى الضَّرَّاءِ يُوجِبُهُ مَشْهَدَانِ : ( أَحَدُهُمَا : عِلْمُ الْعَبْدِ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ مُسْتَوْجِبٌ لِذَلِكَ مُسْتَحِقٌّ لَهُ لِنَفْسِهِ ; فَإِنَّهُ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَأَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ . الْخَبِيرُ الرَّحِيمُ .
[ ص: 44 ] وَ ( الثَّانِي : عِلْمُهُ بِأَنَّ اخْتِيَارَ اللَّهِ لِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ اخْتِيَارِهِ لِنَفْسِهِ كَمَا رَوَى
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرِهِ عَنْ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596717النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَقْضِي اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ قَضَاءً إلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدِ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ } فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ كُلَّ قَضَاءٍ يَقْضِيهِ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ الَّذِي يَصْبِرُ عَلَى الْبَلَاءِ وَيَشْكُرُ عَلَى السَّرَّاءِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1769&ayano=14إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } وَذَكَرَهُمَا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ . فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29480_19627_19585مَنْ لَا يَصْبِرُ عَلَى الْبَلَاءِ وَلَا يَشْكُرُ عَلَى الرَّخَاءِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ خَيْرًا لَهُ . وَلِهَذَا أُجِيبُ مَنْ أَوْرَدَ هَذَا عَلَى مَا يُقْضَى عَلَى الْمُؤْمِنِ مِنْ الْمَعَاصِي بِجَوَابَيْنِ .
( أَحَدُهُمَا : أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَا أَصَابَ الْعَبْدَ لَا مَا فَعَلَهُ الْعَبْدُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } أَيْ مِنْ سَرَّاءَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=576&ayano=4وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } أَيْ مِنْ ضَرَّاءَ . وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1129&ayano=7وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أَيْ بِالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2539&ayano=21وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=416&ayano=3إنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا } فَالْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ يُرَادُ بِهَا المسار وَالْمَضَارُّ وَيُرَادُ بِهَا الطَّاعَاتُ وَالْمَعَاصِي .
( وَالْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ هَذَا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِ الصَّبَّارِ الشَّكُورِ . وَالذُّنُوبُ تُنْقِصُ الْإِيمَانَ فَإِذَا تَابَ الْعَبْدُ أَحَبَّهُ اللَّهُ وَقَدْ تَرْتَفِعُ دَرَجَتُهُ بِالتَّوْبَةِ . قَالَ بَعْضُ
السَّلَفِ : كَانَ
داود بَعْدَ التَّوْبَةِ خَيْرًا مِنْهُ قَبْلَ الْخَطِيئَةِ فَمَنْ قُضِيَ لَهُ بِالتَّوْبَةِ كَانَ كَمَا قَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : إنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَيَدْخُلُ بِهَا النَّارَ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَيَدْخُلُ بِهَا الْجَنَّةَ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ يَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَتَكُونُ نُصْبَ عَيْنِهِ وَيَعْجَبُ بِهَا وَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَتَكُونُ نُصْبَ عَيْنِهِ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إلَيْهِ مِنْهَا وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596718الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ }
nindex.php?page=treesubj&link=28852_19704_20011وَالْمُؤْمِنُ إذَا فَعَلَ سَيِّئَةً فَإِنَّ عُقُوبَتَهَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ بِعَشَرَةِ أَسْبَابٍ : أَنْ يَتُوبَ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ . أَوْ يَسْتَغْفِرُ فَيُغْفَرُ لَهُ أَوْ يَعْمَلُ حَسَنَاتٍ تَمْحُوهَا فَإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ . أَوْ يَدْعُو لَهُ إخْوَانُهُ الْمُؤْمِنُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا . أَوْ يَهْدُونَ لَهُ مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِهِمْ مَا يَنْفَعُهُ اللَّهُ بِهِ أَوْ يَشْفَعُ فِيهِ نَبِيُّهُ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أَوْ يَبْتَلِيهِ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا بِمَصَائِبَ تُكَفِّرُ عَنْهُ أَوْ يَبْتَلِيهِ فِي الْبَرْزَخِ بِالصَّعْقَةِ فَيُكَفِّرُ بِهَا عَنْهُ . أَوْ يَبْتَلِيهِ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ مِنْ أَهْوَالِهَا بِمَا يُكَفِّرُ عَنْهُ . أَوْ يَرْحَمُهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ .
[ ص: 46 ] فَمَنْ أَخْطَأَتْهُ هَذِهِ الْعَشَرَةُ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيمَا يَرْوِي عَنْهُ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=47429يَا عِبَادِي إنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوفِيكُمْ إيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ } . فَإِذَا كَانَ الْمُؤْمِنُ يَعْلَمُ أَنَّ الْقَضَاءَ خَيْرٌ لَهُ إذَا كَانَ صَبَّارًا شَكُورًا أَوْ كَانَ قَدْ اسْتَخَارَ اللَّهَ وَعَلِمَ أَنَّ مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ
آدَمَ اسْتِخَارَتُهُ لِلَّهِ وَرِضَاهُ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ كَانَ قَدْ رَضِيَ بِمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ .
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596719إنَّ اللَّهَ يَقْضِي بِالْقَضَاءِ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمِنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ } فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الرِّضَا وَالِاسْتِخَارَةُ فَالرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ وَالِاسْتِخَارَةُ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَهَذَا أَكْمَلُ مِنْ الضَّرَّاءِ وَالصَّبْرِ فَلِهَذَا ذَكَرَ فِي ذَاكَ الرِّضَا وَفِي هَذَا الصَّبْرَ . ثُمَّ إذَا كَانَ الْقَضَاءُ مَعَ الصَّبْرِ خَيْرًا لَهُ فَكَيْفَ مَعَ الرِّضَا وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596720الْمُصَابُ مِنْ حُرِمَ الثَّوَابُ } فِي الْأَثَرِ الَّذِي رَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَده : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596721أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَاتَ سَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ : يَا آلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ وَدَرْكًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ فَبِاَللَّهِ فَثِقُوا وَإِيَّاهُ فَارْجُوا . فَإِنَّ الْمُصَابَ مِنْ حُرِمَ الثَّوَابَ } وَلِهَذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالْحُزْنِ الْمُنَافِي لِلرِّضَا قَطُّ مَعَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَقَدْ يَكُونُ فِي مَضَرَّةٍ لَكِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ إذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ .
[ ص: 47 ] لَكِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29482_29487الْبُكَاءَ عَلَى الْمَيِّتِ عَلَى وَجْهِ الرَّحْمَةِ حَسَنٌ مُسْتَحَبٌّ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الرِّضَا ; بِخِلَافِ الْبُكَاءِ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ حَظِّهِ مِنْهُ وَبِهَذَا يُعْرَفُ مَعْنَى {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596722قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَكَى الْمَيِّتُ وَقَالَ : إنَّ هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ } فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ كَبُكَاءِ مَنْ يَبْكِي لِحَظِّهِ لَا لِرَحْمَةِ الْمَيِّتِ ; فَإِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل بْنَ عِيَاضٍ لَمَّا مَاتَ ابْنُهُ
عَلِيٌّ فَضَحِكَ وَقَالَ : رَأَيْت أَنَّ اللَّهَ قَدْ قَضَى فَأَحْبَبْت أَنْ أَرْضَى بِمَا قَضَى اللَّهُ بِهِ : حَالُهُ حَالٌ حَسَنٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَهْلِ الْجَزَعِ . وَأَمَّا رَحْمَةُ الْمَيِّتِ مَعَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَحَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى كَحَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذَا أَكْمَلُ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6130&ayano=90ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ } فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ
nindex.php?page=treesubj&link=29480التواصي بِالصَّبْرِ وَالْمَرْحَمَةِ .
وَالنَّاسُ " أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ " : مِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ فِيهِ صَبْرٌ بِقَسْوَةِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ فِيهِ رَحْمَةٌ بِجَزَعِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ فِيهِ الْقَسْوَةُ وَالْجَزَعُ . وَالْمُؤْمِنُ الْمَحْمُودُ الَّذِي يَصْبِرُ عَلَى مَا يُصِيبُهُ وَيَرْحَمُ النَّاسَ . وَقَدْ ظَنَّ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الرِّضَا عَنْ اللَّهِ مِنْ تَوَابِعِ الْمَحَبَّةِ لَهُ وَهَذَا إنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَى " الْمَأْخَذِ الْأَوَّلِ " وَهُوَ الرِّضَا عَنْهُ لِاسْتِحْقَاقِهِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ مَعَ قَطْعِ الْعَبْدِ النَّظَرَ عَنْ حَظِّهِ بِخِلَافِ " الْمَأْخَذِ الثَّانِي " وَهُوَ الرِّضَا لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْمَقْضِيَّ خَيْرٌ لَهُ ثُمَّ إنَّ الْمَحَبَّةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ وَالرِّضَا مُتَعَلِّقٌ بِقَضَائِهِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ فِي تَقْرِيرِ مَا قَالَ هَذَا الْمُصَنِّفُ وَنَحْوُهُ . إنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28683الْمَحَبَّةَ لِلَّهِ نَوْعَانِ : [ ص: 48 ] مَحَبَّةٌ لَهُ نَفْسِهِ وَمَحَبَّةٌ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِحْسَانِ وَكَذَلِكَ الْحَمْدُ لَهُ نَوْعَانِ : حَمْدٌ لَهُ عَلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ نَفْسُهُ وَحَمْدٌ عَلَى إحْسَانِهِ إلَى عَبْدِهِ فَالنَّوْعَانِ لِلرِّضَا كَالنَّوْعَيْنِ لِلْمَحَبَّةِ . وَأَمَّا الرِّضَا بِهِ وَبِدِينِهِ وَبِرَسُولِهِ فَذَلِكَ مِنْ حَظِّ الْمَحَبَّةِ ; وَلِهَذَا ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَوْقَ طَعْمِ الْإِيمَانِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمَحَبَّةِ وُجُودَ حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ .
وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ الصَّحِيحَانِ هُمَا أَصْلٌ فِيمَا يُذْكَرُ مِنْ الْوَجْدِ وَالذَّوْقِ الْإِيمَانِيِّ الشَّرْعِيِّ ; دُونَ الضلالي الْبِدْعِيِّ . فَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36429ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدِ نَبِيًّا } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596723ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَمَنْ كَانَ يُحِبُّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ وَمَنْ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ } وَهَذَا مِمَّا يَبِينُ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْمَحَبَّةِ فَنَقُولُ .