قوله تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا
قال في قوله تعالى: قتادة ومن يتق الله يجعل له مخرجا قال: من الكرب عند الموت، ومن أفزاع يوم القيامة .
وقال علي بن أبي طلحة عن - رضي الله عنهما - في هذه الآية: ننجيه من كل [ ص: 483 ] كرب في الدنيا والآخرة . ابن عباس
وقال في قوله تعالى: زيد بن أسلم إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا قال: يبشر في ذلك عند موته، وفي قبره ويوم البعث، فإنه لفي الجنة، وما ذهبت فرحة البشارة من قلبه .
وقال في هذه الآية: بلغنا أن المؤمن حين يبعثه الله من قبره يتلقاه ملكاه اللذان كانا معه في الدنيا فيقولان له: لا تخف ولا تحزن، فيؤمن الله خوفه ويقر عينه، فما من عظمة تغشى الناس يوم القيامة إلا وهي للمؤمن قرة عين، لما هداه الله ولما كان يعمل في الدنيا . خرج ذلك كله ثابت البناني وغيره . ابن أبي حاتم
وأما من لم يتعرف إلى الله في الرخاء، فليس له أن يعرفه في الشدة لا في الدنيا ولا في الآخرة .
وشواهد هذا مشاهدة حالهم في الدنيا، وحالهم في الآخرة أشد، وما لهم من ولي ولا نصير .
* * *
قال الله عز وجل: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه ، وقال له: "لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم " . أبي ذر يعني: لو أنهم لو حققوا التقوى والتوكل لاكتفوا بذلك في مصالح دينهم [ ص: 484 ] ودنياهم . قال بعض السلف: وقد قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه - الآية على فكم من عبد من عباده قد فوض إليه أمره فكفاه منه ما أهمه . ثم قرأ: بحسبك من التوسل إليه أن يعلم من قلبك حسن توكلك عليه، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح، ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها، وكلة الأمور كلها إليه، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه . وحقيقة التوكل:
قال : التوكل جماع الإيمان . سعيد بن جبير
وقال : الغاية القصوى التوكل . وهب بن منبه
قال إن توكل العبد على ربه: أن يعلم أن الله هو ثقته . الحسن:
وفي حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ابن عباس "من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله " .
وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في دعائه: "اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك "، وأنه كان يقول: "اللهم اجعلني ممن توكل عليك فكفيته " .
واعلم أن تحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر الله سبحانه المقدورات بها، وجرت سنته في خلقه بذلك، فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمان به، قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم [ ص: 485 ] وقال: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل وقال: فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله
قال سهل التستري : من طعن في الحركة - يعني: في السعي والكسب - فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان . فالتوكل حال النبي - صلى الله عليه وسلم -، والكسب سنته، فمن عمل على حاله، فلا يتركن سنته .