[ ص: 533 ] سورة النبأ
قوله تعالى: لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا (24) إلا حميما وغساقا (25) جزاء وفاقا
وروي عن ، قال: يستغيث أهل النار من الحر فيغاثون بريح باردة يصدع العظام بردها، فيسألون الحر . وعن ابن عباس ، قال: يهربون إلى الزمهرير، فإذا وقعوا فيه حطم عظامهم حتى يسمع لها نقيض . وعن مجاهد ، قال: إن في جهنم بردا هو الزمهرير، يسقط اللحم حتى يستغيثوا بحر جهنم . كعب
وعن ، قال: بلغني أن أهل النار سألوا خازنها أن يخرجهم إلى جانبها فأخرجوا فقتلهم البرد والزمهرير، حتى رجعوا إليها فدخلوها مما وجدوا من البرد، وقد قال الله عز وجل: عبد الملك بن عمير لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا جزاء وفاقا وقال الله تعالى: هذا فليذوقوه حميم وغساق
قال : الغساق: الزمهرير البارد الذي يحرق من برده . وقال ابن عباس : هو الذي لا يستطيعون أن يذوقوه من برده . وقيل: إن الغساق: البارد المنتن; أجارنا الله تعالى من جهنم بفضله وكرمه . [ ص: 534 ] اعلم أن مجاهد كما قال تعالى: تفاوت أهل النار في العذاب هو بحسب تفاوت أعمالهم التي دخلوا بها النار، ولكل درجات مما عملوا وقال تعالى: جزاء وفاقا قال : وافق أعمالهم، - فليس عقاب من تغلظ كفره وأفسد في الأرض ودعا إلى الكفر كمن ليس كذلك . ابن عباس
قال تعالى: الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون
وقال تعالى: ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب
وكذلك تفاوت عذاب عصاة الموحدين في النار بحسب أعمالهم، فليس عقوبة أهل الكبائر كعقوبة أصحاب الصغائر، وقد يخفف عن بعضهم العذاب بحسنات أخر له أو بما شاء الله من الأسباب، ولهذا يموت بعضهم في النار، كما سيأتي ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى .
وأما الكفار إذا كان لهم حسنات في الدنيا من العدل والإحسان إلى الخلق فهل يخفف عنهم بذلك من العذاب في النار أم لا؟ هذا فيه قولان للسلف وغيرهم:
أحدهما: أنه يخفف عنهم بذلك أيضا، وروى عن ابن لهيعة عطاء بن دينار عن معنى هذا القول، واختاره سعيد بن جبير وغيره . وروى ابن جرير الطبري الأسود بن شيبان عن أبي نوفل قال: قالت : يا رسول الله أين عائشة عبد الله بن جدعان؟ قال: "في النار" فجزعت واشتد عليها، فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك قال: "يا عائشة ما يشتد عليك من هذا؟ " قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إنه كان يطعم الطعام ويصل الرحم، قال: "إنه يهون [ ص: 535 ] عليه بما قلت " عائشة خرجه في كتاب "مكارم الأخلاق " وهو مرسل . الخرائطي
وروى عامر بن مدرك الحارثي عن عتبة بن اليقظان عن قيس بن مسلم . عن ، عن طارق بن شهاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عبد الله بن مسعود أدخلوا آل فرعون أشد العذاب خرجه "ما أحسن من محسن كافر أو مسلم ، إلا أثابه الله عز وجل في عاجل الدنيا أو ادخر له في الآخرة" قلنا: يا رسول الله، ما إثابة الكافر في الدنيا؟ قال: "إن كان قد وصل رحما أو تصدق بصدقة أو عمل حسنة أثابه الله المال والولد والصحة وأشباه ذلك " قلنا: فما إثابة الكافر في الآخرة، قال: "عذابا دون العذاب " ثم تلا: ، ابن أبي حاتم والخرائطي في "مسنده" والبزار في "المستدرك" وقال: صحيح الإسناد، وخرجه والحاكم في كتاب "البعث والنشور" وقال: في إسناده نظر انتهى، البيهقي وعتبة بن يقظان تكلم فيه بعضهم .
وقد سبقت الأحاديث في تخفيف العذاب عن أبي طالب بإحسانه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . وخرج بإسناد ضعيف الطبراني أن أم سلمة أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حجة الوداع: فقال: إنك تحث على صلة الرحم، والإحسان وإيواء اليتيم وإطعام الضعيف والمسكين، وكل هذا كان يفعله الحارث بن هشام هشام ابن المغيرة ، فما ظنك به يا رسول الله؟ قال: "كل قبر لا يشهد صاحبه أن لا إله إلا الله فهو حفرة من حفر النار، وقد وجدت عمي أبا طالب في طمطام من النار . فأخرجه الله بمكانه مني وإحسانه إلي فجعله في ضحضاح من النار" . عن
والقول الثاني: أن بحال، [ ص: 536 ] ومن حجة أهل هذا القول قوله تعالى: الكافر لا ينتفع في الآخرة بشيء من الحسنات وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا
وقوله تعالى: مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ونحو هذه الآيات .
وفي "صحيح " عن مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أنس وفي رواية له أيضا: "إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها" . إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة في الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقب له رزقا في الدنيا على طاعته .