[ ص: 559 ] سورة الفجر
قوله تعالى: وليال عشر
في حديث المرفوع: ابن عمر "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر" وفي "صحيح " عن ابن حبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: جابر خرجه الحافظ "ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة" . ورويناه من وجه آخر بزيادة، وهي: "ولا ليالي أفضل من لياليهن" . قيل: يا رسول الله، هن أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله؟ قال: "هن أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله، إلا من عفر وجهه تعفيرا، وما من يوم أفضل من يوم عرفة" من جهة أبو موسى المديني أبي نعيم الحافظ بالإسناد الذي خرجه به . وخرجه ابن حبان وغيره من حديث البزار أيضا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: جابر "أفضل أيام الدنيا أيام العشر" . قالوا: يا رسول الله، ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: "ولا مثلهن في سبيل الله، إلا من عفر وجهه بالتراب " . وروي مرسلا وقيل: إنه أصح، وقد سبق ما روي عن : قال: ليس يوم أعظم عند الله من يوم الجمعة، ليس العشر . وهو يدل على أن أيام العشر أفضل من يوم الجمعة الذي هو أفضل الأيام . [ ص: 560 ] وقال ابن عمر سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه، عن ، قال: اختار الله الزمان . فأحب الزمان إلى الله الشهر الحرام، وأحب الأشهر الحرم إلى الله ذو الحجة، وأحب ذي الحجة إلى الله العشر الأول . ورواه بعضهم عن كعب سهيل عن أبيه، عن ، ورفعه، ولا يصح ذلك، وقال أبي هريرة في قوله تعالى: مسروق وليال عشر هي أفضل أيام السنة . خرجه وغيره، وأيضا فأيام هذا العشر يشتمل على عبد الرزاق كما جاء في حديث يوم عرفة . وقد روي أنه أفضل أيام الدنيا، الذي ذكرناه وفيه: "يوم النحر" . وفي حديث جابر عبد الله بن قرط، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: خرجه " أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر " . الإمام أحمد وغيرهما، وهذا كله يدل على أن وأبو داود من غير استثناء، هذا في أيامه . عشر ذي الحجة أفضل من غيره من الأيام
فأما لياليه فمن المتأخرين من زعم أن ليالي عشر رمضان أفضل من لياليه . لاشتمالها على ليلة القدر، وهذا بعيد جدا . ولو صح حديث : أبي هريرة لكان صريحا في تفضيل لياليه على ليالي عشر رمضان، فإن عشر رمضان فضل بليلة واحدة فيه، وهذا جميع لياليه متساوية لها في القيام على هذا الحديث . ولكن حديث "قيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر" الذي خرجه جابر صريح في تفضيل لياليه كتفضيل أيامه أيضا، والأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي تبعا، وكذلك الليالي تدخل [ ص: 561 ] أيامها تبعا . أبو موسى
وقد أقسم الله تعالى بلياليه، فقال: والفجر وليال عشر وهذا يدل على فضيلة لياليه أيضا، لكن لم يثبت أن لياليه ولا شيئا منها يعدل ليلة القدر . وقد زعم طوائف من أصحابنا أن ليلة الجمعة أفضل من ليلة القدر، ولكن لا يصح ذلك عن ، فعلى قول هؤلاء لا يستبعد تفضيل ليالي هذا العشر على ليلة القدر . والتحقيق ما قاله بعض أعيان المتأخرين من العلماء، أن يقال: مجموع هذا العشر أفضل من مجموع عشر رمضان، وإن كان في عشر رمضان ليلة لا يفضل عليها غيرها، والله أعلم أحمد
. وما تقدم عن يدل على أن كعب وكذا قال شهر ذي الحجة أفضل الأشهر الحرم الأربعة، ، راوي هذا الحديث عن سعيد بن جبير : "ما من الشهور شهر أعظم حرمة من ذي الحجة" . ابن عباس
وفي "مسند " عن البزار ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي سعيد الخدري وفي إسناده ضعف . " سيد الشهور رمضان، وأعظمها حرمة ذو الحجة" .
وفي "مسند "، عن الإمام أحمد أيضا: أبي سعيد الخدري [ ص: 562 ] وروي ذلك أيضا عن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في حجة الوداع في خطبته يوم النحر: "ألا إن أحرم الأيام يومكم هذا، ألا وإن أحرم الشهور شهركم هذا، ألا وإن أحرم البلاد بلدكم هذا" . ، جابر ووابصة بن معبد، ونبيط بن شريط . وغيرهم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا كله يدل على أن شهر ذي الحجة أفضل الأشهر الحرم، حيث كان أشدها حرمة . وقد روي عن أن أفضلها المحرم، وسنذكره عند ذكر شهر المحرم، إن شاء الله تعالى . وأما من قال: إن أفضلها رجب فقوله مردود . الحسن:
أخر غير ما تقدم . ولعشر ذي الحجة فضائل
فمن فضائله: أن الله تعالى أقسم به جملة، وببعضه خصوصا، قال تعالى: والفجر وليال عشر فأما الفجر فقيل: إنه أراد جنس الفجر، وقيل: المراد طلوع الفجر، أو صلاة الفجر، أو النهار كله . فيه اختلاف بين المفسرين، وقيل: إنه أريد به فجر معين . ثم قيل: إنه أريد به فجر أول يوم من عشر ذي الحجة . وقيل: بل أريد به فجر آخر يوم منه، وهو يوم النحر، وعلى جميع هذه الأقوال، فالعشر يشتمل على الفجر الذي أقسم الله به .
وأما "الليالي العشر" فهي عشر ذي الحجة، هذا الصحيح الذي عليه جمهور المفسرين من السلف وغيرهم، وهو الصحيح عن . روي عنه من غير وجه والرواية عنه: "أنه عشر رمضان " إسنادها ضعيف . ابن عباس
وفيه حديث مرفوع خرجه ، الإمام أحمد في "التفسير" من رواية والنسائي زيد بن الحباب حدثنا عياش بن عقبة، حدثنا خير بن نعيم، عن ، عن أبي الزبير ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: جابر وهو إسناد حسن . [ ص: 563 ] وكذا فسر "الشفع " و"الوتر" "العشر عشر الأضحى، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر" في رواية ابن عباس وغيره . وفسرهما أيضا بذلك عكرمة عكرمة وغير واحد، وقد قيل في "الشفع " و"الوتر" أقوال كثيرة، وأكثرها لا يخرج عن أن يكون العشر أو بعضه مشتملا على "الشفع " و"الوتر" أو أحدهما، كقول من قال: "هي الصلاة منها شفع ومنها وتر" . وقد خرجه والضحاك الإمام أحمد من حديث والترمذي . عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقول من قال: هي المخلوقات منها شفغ ومنها وتر، يدخل فيها أيام العشر . وقول من قال: الشفع الخلق كله، والوتر الله، فإن أيام العشر من جملة المخلوقات . عمران بن حصين
ومن فضائله أيضا: أنه من جملة الأربعين التي واعدها الله عز وجل لموسى عليه السلام قال الله تعالى: وواعدنا موسى ثلاثين ليلة ولكن هل عشر ذي الحجة خاتمة الأربعين، فيكون هو العشر الذي أتم به الثلاثون، أم هو أول الأربعين، فيكون من جملة الثلاثين التي أتمت بعشر؟ فيه اختلاف بين المفسرين .
روى ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن يزيد بن أبي زياد . قال: ما من عمل في أيام السنة أفضل منه في العشر من ذي الحجة، وهي العشر التي أتمها الله لموسى عليه السلام " . مجاهد
ومن فضائله: أنه خاتمة الأشهر المعلومات، أشهر الحج التي قال الله فيها: الحج أشهر معلومات وهي شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة . [ ص: 564 ] وروي ذلك عن ، وابنه عمر ، عبد الله وعلي، ، وابن مسعود . وابن عباس وغيرهم، وهو قول أكثر التابعين، ومذهب وابن الزبير ، الشافعي وأحمد وأبي حنيفة وأبي يوسف وأبي ثور وغيرهم، لكن وطائفة أخرجوا منه يوم النحر، وأدخله فيه الأكثرون، لأنه يوم الحج الأكبر، وفيه يقع أكثر أفعال مناسك الحج . وقالت طائفة: ذو الحجة كله من أشهر الحج . وهو قول الشافعي ، مالك في القديم، ورواه عن والشافعي أيضا . وروي عن طائفة من السلف، وفيه حديث مرفوع خرجه ابن عمر . لكنه لا يصح . والكلام في هذه المسألة يطول، وليس هذا موضعه . الطبراني
ومن فضائله: أنه الأيام المعلومات التي شرع الله ذكره فيها على ما رزق من بهيمة الأنعام، قال الله تعالى: وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام وجمهور العلماء على أن هذه الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، منهم ، ابن عمر وابن عباس والحسن وعطاء ومجاهد وعكرمة وقتادة ، وهو قول والنخعي أبي حنيفة والشافعي في المشهور عنه . وأحمد
وروي عن : أن الأيام المعلومات هي تسع ذي الحجة غير يوم النحر، وأنه قال: لا يرد فيهن الدعاء . خرجه أبي موسى الأشعري وغيره . وقالت طائفة: هي أيام الذبح . وروي عن طائفة من السلف . وهو قول جعفر الفريابي ، مالك وجعلوا ذكر الله فيها ذكره على الذبح، وهو قول وأبي يوسف، - رضي الله عنهما -، ونقل ابن عمر عن المروذي أنه استحسنه، والقول الأول أظهر . [ ص: 565 ] وذكر الله على بهيمة الأنعام لا يختص بحال ذبحها، كما قال تعالى: أحمد كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم
وقال تعالى: ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام وأيضا فقد قال الله تعالى بعد هذا: فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق فجعل هذا كله بعد ذكره في الأيام المعلومات وقضاء التفث، وهو شعث الحج، وغباره ونصبه . والطواف بالبيت إنما يكون في يوم النحر وما بعده . ولا يكون قبله وقد جعل الله سبحانه هذا مرتبا على ذكره في الأيام المعلومات بلفظة "ثم" فدل على أن المراد بالأيام المعلومات ما قبل يوم النحر . وهو عشر ذي الحجة .
وأما قوله تعالى: ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فقيل: إن المراد ذكره عند ذبحها، وهو حاصل بذكره في يوم النحر، فإنه أفضل أيام النحر، والأصح أنه إنما أريد ذكره شكرا على نعمة تسخير بهيمة الأنعام لعباده، فإن لله تعالى على عباده في بهيمة الأنعام نعما كثيرة قد عدد بعضها في مواضع من القرآن . والحاج لهم خصوصية في ذلك عن غيرهم; فإنهم يسيرون عليها إلى الحرم، لقضاء نسكهم، كما قال تعالى: وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق وقال تعالى: وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ويأكلون من لحومها، ويشربون من ألبانها، وينتفعون بأصوافها وأوبارها وأشعارها . [ ص: 566 ] ويختص عشر ذي الحجة في حق الحاج بأنه زمن سوقهم للهدي الذي به يكمل فضل الحج، ويأكلون من لحومه في آخر العشر، وهو يوم النحر . وأفضل سوق الهدي من الميقات، ويشعر ويقلد عند الإحرام، وتقارنه التلبية، وهي من الذكر لله في الأيام المعلومات .
وفي الحديث: وفي حديث آخر: "أفضل الحج العج والثج " "عجوا التكبير عجا، وثجوا الإبل ثجا " . فيكون كثرة ذكر الله في أيام العشر شكرا على هذه النعمة المختصة ببهيمة الأنعام، التي بعضها يتعلق بدين الحاج، وبعضها بدنياهم . وأفضل الأعمال ما كثر ذكر الله تعالى فيها، منها - خصوصا - الحج، وقد أمر الله تعالى بذكره كثيرا في أيام الحج، قال تعالى: فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم فهذا الذكر يكون في عشر ذي الحجة . ثم قال تعالى: فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا وهذا يقع في يوم النحر، وهو خاتمة العشر أيضا . ثم أمر بذكره بعد العشر في الأيام المعدودات، وهي أيام التشريق .
وفي "السنن " عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [ ص: 567 ] وفي "مسند "إنما جعل الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار، لإقامة ذكر الله عز وجل " . " عن الإمام أحمد معاذ بن أنس : ; يا أبو بكر أبا حفص ، ذهب الذاكرون بكل خير، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أجل " . أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الجهاد أعظم أجرا؟ قال: "أكثرهم لله ذكرا" قال: فأي الصائمين أعظم أجرا؟ قال: "أكثرهم لله ذكرا" . قال: ثم ذكر الصلاة، والزكاة، والحج، والصدقة كل ذلك ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " أكثرهم لله ذكرا" . فقال
وقد خرجه ، ابن المبارك من وجوه أخر مرسلة، وفي بعضها: أي الحاج خير؟ قال: وابن أبي الدنيا وفي بعضها: أي الحاج أعظم أجرا؟ قال: "أكثرهم ذكرا لله " وذكر بقية الأعمال بمعنى ما تقدم، فهذا كله بالنسبة إلى الحاج . فأما أهل الأمصار فإنهم يشاركون الحاج في عشر ذي الحجة، في الذكر . وإعداد الهدي، فأما إعداد الهدي فإن العشر تعد فيه الأضاحي، كما يسوق أهل الموسم الهدي، ويشاركونهم في بعض إحرامهم، فإن من دخل عليه العشر وأراد أن يضحي، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا، كما روت ذلك "أكثرهم لله ذكرا" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . خرج حديثها أم سلمة ، وأخذ بذلك مسلم ، الشافعي ، وعامة فقهاء الحديث . ومنهم من شرط أن يكون قد اشترى هديه قبل العشر . وأكثرهم لم يشرطوا ذلك . وأحمد
وخالف فيه ، مالك ، وكثير من الفقهاء، وقالوا: لا يكره شيء [ ص: 568 ] من ذلك، واستدلوا بحديث وأبو حنيفة : عائشة وأجاب كثير من أهل القول الأول: بأنه يجمع بين الحديثين، فيؤخذ بحديث "كنت أفتل قلائد الهدي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يحرم عليه شيء أحله الله له " . فيمن يريد أن يضحي في مصره، وبحديث أم سلمة فيمن أرسل بهديه مع غيره، وأقام في بلده . وكان عائشة إذا ضحى يوم النحر حلق رأسه، ونص ابن عمر على ذلك . أحمد