[ ص: 639 ] سورة النصر
قوله تعالى: إذا جاء نصر الله والفتح (1) ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا (2) فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا
جاء في حديث أنها: وهي مدنية بالاتفاق; بمعنى: أنها نزلت بعد الهجرة إلى "تعدل ربع القرآن " . المدينة، وهي من أواخر ما نزل .
وفي "صحيح " عن مسلم قال: آخر سورة نزلت من القرآن جميعا: ابن عباس إذا جاء نصر الله والفتح . واختلف في وقت نزولها، فقيل: نزلت في السنة التي توفي فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وفي "مسند " عن الإمام أحمد عن محمد بن فضيل عن عطاء عن سعيد بن جبير قال: ابن عباس إذا جاء نصر الله والفتح قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعيت إلي نفسي " بأنه مقبوض في تلك السنة . لما نزلت: عطاء هو ابن السائب اختلط بأخرة . [ ص: 640 ] ويشهد له ما أخرجه في "مسنده " البزار من حديث والبيهقي موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار وصدقة بن يسار قال: نزلت هذه السورة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى، وهو في أوسط أيام التشريق في حجة الوداع ابن عمر إذا جاء نصر الله والفتح فعرف أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء، فرحلت له، ثم ركب، فوقف للناس بالعقبة، فحمد الله وأثنى عليه - وذكر خطبة طويلة" . هذا إسناد ضعيف جدا، عن
وموسى بن عبيدة قال : لا تحل عندي الرواية عنه . وعن أحمد قال: عاش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدها سنتين . وهذا يقتضي أنها نزلت قبل الفتح، وهذا هو الظاهر لأن قوله: قتادة إذا جاء نصر الله والفتح يدل دلالة ظاهرة على أن الفتح لم يكن قد جاء بعد، لأن "إذا" ظرف لما يستقبل من الزمان، هذا هو المعروف في استعمالها، وإن كان قد قيل: إنها تجيء للماضي كقوله: وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وقوله: ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه
وقد أجيب عن ذلك بأنه أريد أن هذا شأنهم ودأبهم، لم يرد به الماضي بخصوصه، وسنذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بعد نزول هذه السورة: اليمن " . ومجيء أهل "جاء نصر الله والفتح، وجاء أهل اليمن كان قبل حجة الوداع . [ ص: 641 ] قوله تعالى: إذا جاء نصر الله والفتح أما نصر الله فهو معونته على الأعداء حتى غلب النبي - صلى الله عليه وسلم - العرب كلهم، واستولى عليهم من قريش وهوازن وغيرهم، وذكر النقاش عن أن النصر: هو صلح الحديبية . وأما الفتح فقيل: هو فتح ابن عباس مكة بخصوصها، قال وغيره: لأن العرب كانت تنتظر بإسلامها ظهور النبي - صلى الله عليه وسلم - على ابن عباس مكة .
وفي "صحيح " عن البخاري عمرو بن سلمة قال: لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت الأحياء تلوم بإسلامها فتح مكة فيقولون: دعوه وقومه، فإن ظهر عليهم فهو نبي - صلى الله عليه وسلم - .
وعن قال: لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسن مكة، قالت العرب: أما إذا ظفر محمد بأهل مكة، وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل فليس لكم به يدان، فدخلوا في دين الله أفواجا . وقيل: إن الفتح يعم مكة وغيرها مما فتح بعدها من الحصون والمدائن . كالطائف وغيرها من مدن الحجاز واليمن وغير ذلك، وهو الذي ذكره . وقوله: ابن عطية ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا المراد بالناس العموم على قول الجمهور، وعن : أنهم أهل مقاتل اليمن .
وفي "مسند " من طريق الإمام أحمد عن شعبة عن عمرو بن مرة أبي البختري عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي سعيد الخدري إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت قال: قرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ختمها فقال: "الناس حيز وأنا وأصحابي حيز"، وقال: لما نزلت هذه السورة: [ ص: 642 ] وأن "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية" . مروان كذبه فصدق رافع بن خديج وزيد بن ثابت أبا سعيد على ما قال . وهذا يستدل به على أن المراد بالفتح فتح مكة،
فقد ثبت في "الصحيحين " من حديث ابن عباس وأيضا فالفتح المطلق هو فتح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم الفتح: "لا هجرة، ولكن جهاد ونية" . مكة كما في قوله: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ولهذا قال: الناس حيز وأنا وأصحابي حيز .
وروى من طريق النسائي هلال بن خباب عن عن عكرمة قال: ابن عباس إذا جاء نصر الله والفتح إلى آخر السورة قال: نعيت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه حين أنزلت فأخذ في أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك: "جاء الفتح، وجاء نصر الله، وجاء أهل اليمن " . فقال رجل: يا رسول الله، وما أهل اليمن؟ قال: "قوم رقيقة قلوبهم، لينة قلوبهم . الإيمان يمان، والحكمة يمانية والفقه يمان " . لما نزلت:
وروى من طريق ابن جرير الحسين بن عيسى الحنفي عن عن معمر عن الزهري عن أبي حازم قال: ابن عباس المدينة إذ قال: "الله أكبر الله أكبر، جاء نصر الله والفتح، جاء أهل اليمن "، قيل: يا رسول الله، [ ص: 643 ] وما أهل اليمن؟ قال: "قوم رقيقة قلوبهم، لينة طباعهم، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية " . بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في
ورواه أيضا من طريق عن عبد الأعلى عن معمر مرسلا، وكذا هو في "تفسير عكرمة ": عن عبد الرزاق أخبرني من سمع معمر فأرسله . وهذا لا يدل على اختصاص أهل عكرمة اليمن بالناس المذكورين في الآية وإنما يدل على أنهم داخلون في ذلك فإن الناس أعم من أهل اليمن . قال : لم يمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي العرب رجل كافر بل دخل الكل في الإسلام بعد حنين والطائف، منهم من قدم، ومنهم من قدم وافده، ثم كان بعد من الردة ما كان، ورجعوا كلهم إلى الدين . ابن عبد البر
قال : المراد - والله أعلم -: العرب عبدة الأوثان، وأما نصارى بني تغلب فما أراهم أسلموا قط في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكن أعطوا الجزية . والأفواج: الجماعة إثر الجماعة كما قال الله تعالى: ابن عطية كلما ألقي فيها فوج
وفي "المسند" من طريق حدثني الأوزاعي أبو عمار حدثني جار لجابر بن عبد الله قال: قدمت من سفر فجاءني يسلم علي، فجعلت أحدثه عن افتراق الناس وما أحدثوا، فجعل جابر بن عبد الله يبكي، ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: جابر [ ص: 644 ] وقوله: "إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا، وسيخرجون منه أفواجا " . فسبح بحمد ربك فيه قولان حكاهما . ابن الجوزي
أحدهما: أن المراد به الصلاة، نقله عن . ابن عباس
والثاني: التسبيح المعروف .
وفي الباء في "بحمد" قولان:
أحدهما: أنها للمصاحبة فالحمد مضاف إلى المفعول، أي فسبحه حامدا له، والمعنى: اجمع بين . تسبيحه وهو تنزيهه عما لا يليق به من النقائص . وبين تحميده وهو إثبات ما يليق به من المحامد .
والثاني: أنها للاستعانة، والحمد مضاف إلى الفاعل، أي سبحه بما حمد به نفسه إذ ليس كل تسبيح بمحمود كما أن تسبيح المعتزلة يقتضي تعطيل كثير من الصفات، كما كان بشر المريسي يقول: سبحان ، . ، ربي الأسفل . وقوله: واستغفره أي اطلب مغفرته، والمغفرة هي وقاية شر الذنب لا مجرد ستره .
والفرق بين العفو والمغفرة أن العفو محو أثر الذنب، وقد يكون بعد عقوبة بخلاف المغفرة فإنها لا تكون مع العقوبة .
وقوله: إنه كان توابا إشارة إلى أنه سبحانه يقبل توبة المستغفرين المنيبين إليه، فهو ترغيب في الاستغفار، وحث على التوبة، وقد فهم طائفة من الصحابة - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 645 ] على هذه النعمة، كما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح أمر بالتسبيح والتحميد والاستغفار عند مجيء نصر الله والفتح، شكرا لله مكة ثماني ركعات، وكذلك صلى سعد يوم فتح المدائن، وكانت تسمى: صلاة الفتح . وأما عمر فقالا: بل كان مجيء النصر والفتح علامة اقتراب أجله، وانقضاء عمره، فأمر أن يختم عمله بذلك، ويتهيأ للقاء الله، والقدوم عليه على أكمل أحواله وأتمها، فإنه لما جاء نصر الله والفتح بحيث صارت وابن عباس مكة دار إسلام، وكذلك جزيرة العرب كلها، ولم يبق بها كافر، ودخل الناس في دين الله أفواجا . وقد بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسالات ربه، وعلم أمته مناسكهم وعباداتهم، وتركهم على البيضاء، ليلها كنهارها، ولم يبق له من الدنيا حاجة، فحينئذ تهيأ للنقلة إلى الآخرة فإنها خير له من الأولى، ولهذا نزلت: اليوم أكملت لكم دينكم بعرفة . وعلم الأمة مناسكهم، وقال لهم: وأشهد الله عليهم بذلك، وودع الناس فقالوا: هذه حجة الوداع . وقد خير - صلى الله عليه وسلم - بين الدنيا وبين لقاء ربه، فكان آخر ما سمع منه: "لعلي لا أراكم بعد عامي هذا" . وقال لهم: "هل بلغت؟ "، قالوا: نعم، "اللهم الرفيق الأعلى" .
ونظير هذا الفهم الذي فهمه من هذه السورة ما فهمه عمر من [ ص: 646 ] قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبته: أبو بكر وقد سبق من حديث "إن عبدا خير بين الدنيا وبين لقاء ربه، فاختار لقاء ربه " . ما يدل على ذلك . ابن عباس
وفي "صحيح " من حديث البخاري عن سعيد بن جبير قال: كان ابن عباس يدخلني مع أشياخ بدر فكان بعضهم وجد في نفسه فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله ؟ فقال عمر : إنه ممن قد علمتم، فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم، فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم، فقال: ما تقولون في قول الله عز وجل: عمر إذا جاء نصر الله والفتح ؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا جاء نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا! فقال لي: أكذاك تقول يا ؟ فقلت: لا، قال: ما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلمه له قال: ابن عباس إذا جاء نصر الله والفتح فذاك علامة أجلك، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا فقال : ما أعلم منها إلا ما تقول وقد رويت هذه القصة عن عمر بن الخطاب من غير وجه . ابن عباس
وفي "المسند" عن أبي رزين عن قال: لما نزلت: ابن عباس إذا جاء نصر الله والفتح علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قد نعيت إليه نفسه .
وقد سبق من حديث ابن عباس [ ص: 647 ] وروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت هذه السورة أخذ في أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة . في "كتاب الشكر" من طريق الخرائطي شاذ بن فياض عن الحارث بن شبل عن أم النعمان الكندية عن قالت: عائشة لما نزلت هذه الآية: إنا فتحنا لك فتحا مبينا اجتهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في العبادة فقيل له: يا رسول الله، ما هذا الاجتهاد؟ أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: "أفلا أكون عبدا شكورا "، إسناده ضعيف .
وروى من طريق البيهقي سعيد بن سليمان عن عباد بن العوام عن هلال بن خباب عن عن عكرمة قال: ابن عباس إذا جاء نصر الله والفتح دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطمة ، وقال: "إنه قد نعيت إلي نفسي "، فبكت، ثم ضحكت، وقالت: أخبرني أنه قد نعي إليه نفسه فبكيت، ثم أخبرني بأنك أول أهلي لحاقا بي فضحكت . لما نزلت:
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول هذه السورة، يكثر من التسبيح والتحميد والاستغفار
ففي "الصحيحين " عن عن مسروق قالت: عائشة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي " يتأول القرآن .
وفي "المسند" و "صحيح " عنها قالت: مسلم إذا جاء نصر الله والفتح " السورة كلها . كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر في آخر أمره من قول: "سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه " . وقال: "إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي، وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده [ ص: 648 ] وأستغفره إنه كان توابا، فقد رأيتها:
وروى من طريق ابن جرير حفص ثنا عن عاصم عن الشعبي قالت: أم سلمة إذا جاء نصر الله والفتح إلى آخر السورة . غريب . كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء إلا قال: "سبحان الله وبحمده "، فقلت: يا رسول الله، إنك تكثر من: "سبحان الله وبحمده "، لا تذهب ولا تجيء ولا تقوم ولا تقعد إلا قلت: "سبحان الله وبحمده " قال: "إني أمرت بها" . فقال:
وفي "المسند" عن أبي عبيدة عن قال: عبد الله بن مسعود إذا جاء نصر الله والفتح كان يكثر إذا قرأها وركع أن يقول: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، إنك أنت التواب الرحيم " ثلاثا . لما نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
واعلم; أن التسبيح والتحميد فيه إثبات صفات الكمال، ونفي النقائص والعيوب .
والاستغفار يتضمن وقاية شر الذنوب . فذاك حق الله، وهذا حق عبده، ولهذا في خطبة الحاجة: "الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره " . وكان رجل في زمن معتزلا الناس فسأله الحسن عن حاله؟ [ ص: 649 ] فقال: إني أصبح بين نعمة وذنب فأحدث للنعمة حمدا، وللذنب استغفارا . فأنا مشغول بذلك، فقال الحسن: الزم ما أنت عليه، فأنت عندي أفقه من الحسن . والاستغفار: هو خاتمة الأعمال الصالحة، فلهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعله خاتمة عمره . كما يشرع لمصلي المكتوبة أن يستغفر عقبها ثلاثا، وكما يشرع للمتهجد من الليل أن يستغفر بالأسحار قال تعالى: الحسن البصري وبالأسحار هم يستغفرون وقال: والمستغفرين بالأسحار وكما يشرع الاستغفار عقيب الحج قال تعالى: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم وكما وروي أنه يختم به الوضوء أيضا . يشرع ختم المجالس بالتسبيح والتحميد والاستغفار وهو كفارة المجلس،
وسبب هذا أن العباد مقصرون عن القيام بحقوق الله كما ينبغي، وأدائها على الوجه اللائق بجلاله وعظمته، وإنما يؤدونها على قدر ما يطيقونه . فالعارف يعرف أن قدر الحق أعلى وأجل من ذلك، فهو يستحي من عمله ويستغفر من تقصيره فيه كما يستغفر غيره من ذنوبه وغفلاته، وكلما كان الشخص بالله أعرف كان له أخوف، وبرؤية تقصيره أبصر، ولهذا كان خاتم المرسلين وأعرفهم برب العالمين - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في الثناء على ربه، ثم يقول في [ ص: 650 ] آخر ثنائه: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " .
ومن هذا قول : لقد هممت أن أوصي إذا مت أن أقيد، ثم ينطلق بي كما ينطلق بالعبد الآبق إلى سيده، فإذا سألني؟ قلت: يا رب، لم أرض لك نفسي طرفة عين . مالك بن دينار
وكان كهمس يصلي كل يوم ألف ركعة، فإذا صلى أخذ بلحيته، ثم يقول لنفسه: قومي يا مأوى كل سوء، فوالله ما رضيتك لله طرفة عين .
فائدة:
الاستغفار: يرد مجردا، ويرد مقرونا بالتوبة، فإن ورد مجردا دخل فيه طلب وقاية شر الذنب الماضي بالدعاء، والندم عليه، وشر وقاية الذنب المتوقع بالعزم على الإقلاع عنه . وهذا بقوله: الاستغفار الذي يمنع الإصرار وبقوله: "ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة" . " لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار" خرجهما . وكذا في قوله تعالى: ابن أبي الدنيا والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم
وفي "الصحيح ": " الحديث . وهو المانع من العقوبة في قوله: "أذنب عبد ذنبا . . . وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون [ ص: 651 ] وإن ورد مقرونا بالتوبة اختص بالنوع الأول، فإن لم يصحبه بل كان سؤالا مجردا فهو دعاء محض، وإن صحبه ندم فهو توبة . والعزم على الإقلاع من تمام التوبة، والتوبة إذا قبلت فهل تقبل جزما أم ظاهرا؟ فيه خلاف معروف . الندم على الذنب الماضي،
فيقال: هو طلب المغفرة بالدعاء فقط . وكذلك التوبة إن أطلقت دخل فيها الانتهاء عن المحظور، وفعل المأمور ولهذا علق الفلاح عليها، وجعل من لم يتب ظالما، فالتوبة حينئذ تشمل فعل كل مأمور، وترك كل محظور ولهذا كانت بداية العبد ونهايته هي حقيقة دين الإسلام . وتارة يقرن بالتقوى، أو بالعمل فتختص حينئذ بترك المحظور والله أعلم الاستغفار المجرد هو التوبة مع طلب المغفرة بالدعاء، والمقرون بالتوبة:
. وفي أحاديث كثيرة منها: حديث: "جلاء القلوب تلاوة القرآن والاستغفار" . وحديث: "فإن تاب واستغفر ونزع صقل قلبه " . وحديث: فضائل الاستغفار "ابن آدم إنك لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني على ما كان [ ص: 652 ] منك، غفرت لك ولا أبالي " .
وحديث : ابن عمر وحديث كنا نعد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المجلس الواحد: "رب اغفر لي، وتب علي، إنك التواب الغفور" مائة مرة . مرفوعا: أبي هريرة خرجه "إني لأستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة، وأتوب إليه " . البخاري
ومن حديثه مرفوعا: خرجه "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم " . مسلم
وفي "المسند" من حديث عطية عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أبي سعيد وحديث: "من قال حين يأوي إلى فراشه، أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر الله له ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر، وإن كانت مثل رمل عالج، وإن كانت عدد ورق الشجر" . خرجه - "من كثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا" من حديث أحمد ، ويعضده قوله تعالى: ابن عباس استغفروا ربكم إنه كان غفارا وقوله: وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا [ ص: 653 ] قال لي نيف وأربعون ذنبا، قد استغفرت لكل ذنب مائة ألف مرة . رياح القيسي:
وقال الحسن: لا تملوا من الاستغفار .
وقال بكر المزني: إن أعمال بني آدم ترفع فإذا رفعت صحيفة فيها استغفار رفعت بيضاء، وإذا رفعت ليس فيها استغفار رفعت سوداء .
وعن قال: أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم، وفي أسواقكم، فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة . الحسن
وقال لقمان لابنه: أي بني; عود لسانك: اللهم اغفر لي، فإن لله ساعات لا يرد فيهن سائلا .
ورئي في النوم فقيل له: ما وجدت أفضل؟ قال: الاستغفار . عمر بن عبد العزيز