بعد أن ذكر الله تعالى الميقات الذي واعد الله
موسى عليه، وما كان من عبادة العجل، ولوم
موسى لأخيه على عبادة بني إسرائيل العجل - بين الله - سبحانه - اختيار
موسى لسبعين من رجال بني إسرائيل يمثلونهم، وكأنه اختار بني إسرائيل كلهم، فقال تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=19881_20009_28723_29694_30454_30527_30538_30550_31928_32064_32416_32498_33177_34092_34183_34513_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا .
[ ص: 2963 ] اختار
موسى سبعين رجلا لميقات الله تعالى الذي واعده
موسى - عليه السلام - وكأنهم صحبوه في هذا الميقات، ولكن انفرد بمكالمة الله
موسى عليه السلام.
وقد طلبوا أن يروا الله تعالى جهرة، ويظهر أن
موسى - عليه السلام - طلب أن ينظر الله تعالى تمهيدا لأن يروه، فقال الله تعالى: لن تراني
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وكانت رجفة في الأرض خر من أجلها موسى صعقا، وأخذتهم الرجفة.
وانتهي من هذا إلى أن الذهاب للميقات واحد، ذهب
موسى ومعه سبعون رجلا اختارهم ممثلين لبني إسرائيل، وهذا ما يمكن أخذه من ظاهر السياق القرآني، وهو أن الميقات واحد.
ولكن يذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12563محمد بن إسحاق أن هذا ميقات آخر، وهو أن
موسى عندما رأى من عبادة العجل ما رأى أخذ ميقاتا من ربه؛ ليذهب هؤلاء السبعون معه، ويستغفروا ربهم، فقالوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=55لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة فصعقوا.
وإن هذا الكلام مقبول في ذاته، ولكن لا نجد له سندا صحيحا من سنة وليس في الكتاب إشارة واضحة إليه ولعله يرشح لهذا النظر قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ولكنه لا يقطع; لأنه ربما يشير إلى أن طلب الرؤية ذاته كان تعديا وسفها، ولذا استغفر عنه، على أن الاستفهام للإنكار، أي لإنكار الوقوع من الله تعالى، أي: أنت يا رب العالمين لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا، أي بما يكون بسبب خفة أو تسرع.
وهنا إشارات بيانية:
الأولى - أن الله تعالى يقول:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا وسبعون بدل من (قومه) بدل بعض من كل، ولكنه يشير إلى أن اختيارهم هو اختيار لجميعهم؛ لأنهم يمثلونهم، وكأنهم هم أنفسهم.
[ ص: 2964 ] الثانية - في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي نادى الله بعنوان الربوبية أنه لو شاء أهلكهم وأهلك موسى معهم، وذكر نفسه معهم; لأن السبب - وهو طلب رؤية الله تعالى - قد اشترك فيه موسى، وتلك مساواة منصفة من كليم الله تعالى موسى مع غيره.
الثالثة - أن الله تعالى هدى
موسى لأن يستنكر بنفسه طلبه الرؤية، وظنه أن ذلك سفه أو تسرع، ولكنه ليس بذنب مقصود، وإنما دقة الحس بالإيمان جعل يظن أن ذلك سفه يدخله في جملة السفهاء; ولذا قال هذا، وقال من قبل:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=151رب اغفر لي ولأخي
الرابعة - من الإشارات البيانية قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155لو شئت أهلكتهم من قبل أي: من وقت الميقات وأنا معهم، ثم قال
موسى: nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء الفتنة: الاختبار، وهي مضافة إلى الله تعالى، ومعناها إنك تعاملنا معاملة من يختبرنا في أنفسنا، تهدي بها من تشاء ممن يعتبرون بالعبر، ويؤمنون بقدرتك، ويطيعونك فيما تأمر به وتنهى عنه، ويضل في هذا الاختبار الحكيم، فلا يدرك عظمتك وجلالك، فيضل عن الطريق
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155أنت ولينا أي: أنت ناصرنا ومعزنا، ومتولي أمورنا، والقريب منا، العفو الغفور.
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين
الفاء هنا للإفصاح عن شرط مقدر، أي: إذا كنت ولينا وناصرنا والقريب الداني منا برحمتك وعفوك - فاغفر لنا ذنوبنا وارحمنا، وأنت خير الغافرين.
فإذا كان منا مخالفة فأنت خير الغافرين، و(خير) هنا للتفضيل، ولكنه في غير بابه، والمعنى: أنت غفار بقدر لا يتصور أن يكون فوقه قدرة، ولا يفاضل بينه وبين غيره.
بَعْدَ أَنَّ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمِيقَاتَ الَّذِي وَاعَدَ اللَّهُ
مُوسَى عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، وَلَوْمِ
مُوسَى لِأَخِيهِ عَلَى عِبَادَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْعِجْلَ - بَيَّنَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - اخْتِيَارَ
مُوسَى لِسَبْعِينَ مِنْ رِجَالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُمَثِّلُونَهُمْ، وَكَأَنَّهُ اخْتَارَ بَنِي إِسْرَائِيلَ كُلَّهُمْ، فَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=19881_20009_28723_29694_30454_30527_30538_30550_31928_32064_32416_32498_33177_34092_34183_34513_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا لِمِيقَاتِنَا .
[ ص: 2963 ] اخْتَارَ
مُوسَى سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي وَاعَدَهُ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَأَنَّهُمْ صَحِبُوهُ فِي هَذَا الْمِيقَاتِ، وَلَكِنِ انْفَرَدَ بِمُكَالَمَةِ اللَّهِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقَدْ طَلَبُوا أَنْ يَرَوُا اللَّهَ تَعَالَى جَهْرَةً، وَيَظْهَرُ أَنَّ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - طَلَبَ أَنْ يَنْظُرَ اللَّهَ تَعَالَى تَمْهِيدًا لِأَنْ يَرَوْهُ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَنْ تَرَانِي
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَكَانَتْ رَجْفَةٌ فِي الْأَرْضِ خَرَّ مِنْ أَجْلِهَا مُوسَى صَعِقًا، وَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ.
وَانْتُهِيَ مِنْ هَذَا إِلَى أَنَّ الذَّهَابَ لِلْمِيقَاتِ وَاحِدٌ، ذَهَبَ
مُوسَى وَمَعَهُ سَبْعُونَ رَجُلًا اخْتَارَهُمْ مُمَثِّلِينَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهَذَا مَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ ظَاهِرِ السِّيَاقِ الْقُرْآنِيِّ، وَهُوَ أَنَّ الْمِيقَاتَ وَاحِدٌ.
وَلَكِنْ يَذْكُرُ
nindex.php?page=showalam&ids=12563مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ هَذَا مِيقَاتٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ
مُوسَى عِنْدَمَا رَأَى مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ مَا رَأَى أَخَذَ مِيقَاتًا مِنْ رَبِّهِ؛ لِيَذْهَبَ هَؤُلَاءِ السَّبْعُونَ مَعَهُ، وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ، فَقَالُوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=55لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ فَصُعِقُوا.
وَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَقْبُولٌ فِي ذَاتِهِ، وَلَكِنْ لَا نَجِدُ لَهُ سَنَدًا صَحِيحًا مِنْ سُنَّةٍ وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ إِشَارَةٌ وَاضِحَةٌ إِلَيْهِ وَلَعَلَّهُ يُرَشِّحُ لِهَذَا النَّظَرِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا وَلَكِنَّهُ لَا يُقْطَعُ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُشِيرُ إِلَى أَنَّ طَلَبَ الرُّؤْيَةِ ذَاتَهُ كَانَ تَعَدِّيًا وَسَفَهًا، وَلِذَا اسْتَغْفَرَ عَنْهُ، عَلَى أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لِلْإِنْكَارِ، أَيْ لِإِنْكَارِ الْوُقُوعِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ: أَنْتَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ لَا تُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا، أَيْ بِمَا يَكُونُ بِسَبَبِ خِفَّةٍ أَوْ تَسَرُّعٍ.
وَهُنَا إِشَارَاتٌ بَيَانِيَّةٌ:
الْأُولَى - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا لِمِيقَاتِنَا وَسَبْعُونَ بَدَلٌ مِنْ (قَوْمَهُ) بَدَلَ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، وَلَكِنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ اخْتِيَارَهُمْ هُوَ اخْتِيَارٌ لِجَمِيعِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يُمَثِّلُونَهُمْ، وَكَأَنَّهُمْ هُمْ أَنْفُسُهُمْ.
[ ص: 2964 ] الثَّانِيَةُ - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ نَادَى اللَّهَ بِعُنْوَانِ الرُّبُوبِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ أَهْلَكَهُمْ وَأَهْلَكَ مُوسَى مَعَهُمْ، وَذَكَرَ نَفْسَهُ مَعَهُمْ; لِأَنَّ السَّبَبَ - وَهُوَ طَلَبُ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى - قَدِ اشْتَرَكَ فِيهِ مُوسَى، وَتِلْكَ مُسَاوَاةٌ مُنْصِفَةٌ مِنْ كَلِيمِ اللَّهِ تَعَالَى مُوسَى مَعَ غَيْرِهِ.
الثَّالِثَةُ - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هَدَى
مُوسَى لِأَنْ يَسْتَنْكِرَ بِنَفْسِهِ طَلَبَهُ الرُّؤْيَةَ، وَظَنَّهُ أَنَّ ذَلِكَ سَفَهٌ أَوْ تَسَرُّعٌ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِذَنْبٍ مَقْصُودٍ، وَإِنَّمَا دِقَّةُ الْحِسِّ بِالْإِيمَانِ جَعَلَ يَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ سَفَهٌ يُدْخِلُهُ فِي جُمْلَةِ السُّفَهَاءِ; وَلِذَا قَالَ هَذَا، وَقَالَ مِنْ قَبْلُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=151رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي
الرَّابِعَةُ - مِنَ الْإِشَارَاتِ الْبَيَانِيَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ أَيْ: مِنْ وَقْتِ الْمِيقَاتِ وَأَنَا مَعَهُمْ، ثُمَّ قَالَ
مُوسَى: nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ الْفِتْنَةُ: الِاخْتِبَارُ، وَهِيَ مُضَافَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعْنَاهَا إِنَّكَ تُعَامِلُنَا مُعَامَلَةَ مَنْ يَخْتَبِرُنَا فِي أَنْفُسِنَا، تَهْدِي بِهَا مَنْ تَشَاءُ مِمَّنْ يَعْتَبِرُونَ بِالْعَبْرِ، وَيُؤْمِنُونَ بِقُدْرَتِكَ، وَيُطِيعُونَكَ فِيمَا تَأْمُرُ بِهِ وَتَنْهَى عَنْهُ، وَيَضِلُّ فِي هَذَا الِاخْتِبَارِ الْحَكِيمِ، فَلَا يُدْرِكُ عَظَمَتَكَ وَجَلَالَكَ، فَيَضِلُّ عَنِ الطَّرِيقِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155أَنْتَ وَلِيُّنَا أَيْ: أَنْتَ نَاصِرُنَا وَمُعِزُّنَا، وَمُتَوَلِّي أُمُورِنَا، وَالْقَرِيبُ مِنَّا، الْعَفْوُّ الْغَفُورُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ
الْفَاءُ هُنَا لِلْإِفْصَاحِ عَنْ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ: إِذَا كُنْتَ وَلِيَّنَا وَنَاصِرَنَا وَالْقَرِيبَ الدَّانِيَ مِنَّا بِرَحْمَتِكَ وَعَفْوِكَ - فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَارْحَمْنَا، وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ.
فَإِذَا كَانَ مِنَّا مُخَالَفَةٌ فَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ، وَ(خَيْرُ) هُنَا لِلتَّفْضِيلِ، وَلَكِنَّهُ فِي غَيْرِ بَابِهِ، وَالْمَعْنَى: أَنْتَ غَفَّارٌ بِقَدْرٍ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَهُ قُدْرَةٌ، وَلَا يُفَاضَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ.