الإسلام قوة للمؤمنين إن آمنوا به
واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم
إنه لكي تشعر الجماعات والأفراد بنعمة الحاضر يجب أن تعرف الماضي، وأن تكون صورته حاضرة دائما في حاضرها، وكذلك إذا عرفت ما كان في ماضيها من خير أدركت ما عساه يكون حاضرها، ومن حكمة الله وسنته دائما أن يجعل الماضي نورا للحاضر، أو يكون فيه عبرة للمعتبر إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال
[ ص: 3103 ] يذكر الله سبحانه وتعالى ما كان بالمؤمنين من ضعف؛ ليذكروا ما هم فيه من قوة ونعمة، وليشكروه على ما أعطاهم وعلى ما آتاهم، فيقول: واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض
"الواو" عاطفة على قوله تعالى: استجيبوا لله وللرسول الوقت هنا "إذ" مفعول به، وليست مفعولا فيه، فالذكر ليس ظرفه الوقت، وإنما ذات الوقت هو المذكر، والوقت إذا كان في الوقت يكون مظروفا فيه لا يعدوه، وأما إذا كان هو المقصود فيكون الذكر لذات الوقت، وما كان فيه من أحداث وأحوال.
والمعنى: اذكروا في زمن العزة زمن الذلة، وصور الله سبحانه وتعالى الحال فقال: إذ أنتم قليل أي: عدد قليل، فإن الإسلام إذ نشأ كان عدد المسلمين قليلا، وكان المشركون يستذلونهم، ويستضعفونهم ويؤذونهم مرة بالسخرية والاستهزاء، ومرة بالضرب والأذى، ومرة بوضع الحجر المحمى على ظهورهم، حتى كانوا يضطروهم إلى أن ينطقوا بكلمة الكفر، وقلوبهم مطمئنة بالإيمان، ولم يسلم النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأذى، حتى إنه ليرمى عليه فرث الجزور وهو يصلي، ومع هذا الاستضعاف في الأرض غير مستقرين في أنفسهم وأموالهم فهم في خوف وفزع واضطراب; ولذا وصفهم الله تعالى بقوله: تخافون أن يتخطفكم الناس والتخطف معناه: سلبهم أو سلت أموالهم سريعا من غير تلبث، والتخطف هو موضع الخوف، ولا يكون معه استقرار أبدا، فلا يأمن التاجر، ولا العامل، ولا الزارع - لا على ماله، ولا على نفسه، ولذلك كانت منهم الهجرة إلى الحبشة، وقد بين الله نعمته بالإيواء والتأييد بالنصر، والرزق من الطيبات، فقال سبحانه: فآواكم بالهجرة إلى المدينة حيث الإخوة بالمدينة الذين آووا ونصروا وعوضوكم عن نصرة القرابة والنسب - التي عقها الشرك - أخوة الإيمان، وآثروكم على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة وقال: وأيدكم بنصره فجعل لكم الغلب والقوة، وكان يوم الفرقان، إذ جعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العليا، وأعزكم بعد ذلك، وصاروا هم - أي الكفار - يخافون الاختطاف [ ص: 3104 ] العادل، وسلبهم الله تعالى الأمن والاطمئنان، وقال: ورزقكم من الطيبات أي الطعام الطيب في ذاته، والطيب في طريق الحصول عليه، فوجدتم في المدينة الزرع والثمار بدل الجدب، وأعطاكم من غنائم المشركين حلالا طيبا، ثم قال سبحانه: لعلكم تشكرون أي: رجاء أن تشكروه على ما أنعم.
ونجد أن الخطاب للمؤمنين ليشكروه على ما أنعم من نعم نالوها بإيمانهم، واتجه بعض المفسرين إلى أن الآية تبين نعمة الإسلام على العرب، بعد أن دخل الناس في الإسلام أفواجا أفواجا، ولا يقتصر الإيواء والنصر على ما كان بعد الهجرة مباشرة، بل يعم ما شمل العرب من خير عميم، وجاء ذلك في أقوال بعض التابعين، فقد روي عن في هذه الآية أنه قال: (كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا، وأشقاها عيشا، وأجوعها بطونا، وأعراها جلودا، وأبينها ضلالا، من عاش منهم عاش شقيا، ومن مات منهم زوى في النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم من حاضر أهل يومئذ من كانوا شرا منزلا منهم حتى جاء الإسلام، فمكن به في البلاد، ووسع به في الرزق، وجعلهم ملوكا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا الله على نعمه، فإن ربكم منعم يحب الشكر، وأهل الشكر في مزيد من الله). قتادة السدوسي
وإن هذا ليس رأيا مغايرا للتفسير السابق، ولكنه حكم بعموم النعمة على العرب أجمعين، لا للذين هاجروا وجاهدوا، وأيدهم الله تعالى بنصر النبي - صلى الله عليه وسلم - بل بكل العرب; إذ رفعهم من جهل إلى علم بالإيمان، ومن شظف العيش إلى عيش رفيع، حتى لقد قال خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (والله ليتألمن من النوم على الصوف الأذربي كما يتألم - أحدكم من النوم على حسك السعدان) ولقد حذر الله تعالى من أسباب الفساد عندما يفيض الخير فقال عز من قائل: