يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم .
ثلاثة أمور تترتب على التقوى مجاوبة لنفس المتقي، وهي الفرقان، وتكفير السيئات، والغفران.
أما الأول وهو الفرقان: فهي كلمة جامعة لمعاني الفصل بين النور والهدى، والحق والباطل، والواضح النير وما فيه إشباه وإبهام، والطاعة والعصيان.
وتطلق كلمة الفرقان على كل ما يؤدي إلى هذه المعاني، فتطلق على النصر; لأنه يعلي الحق، ويخفض الباطل، ويفرق بين العزة والذلة، وتطلق على البيان; لأنه يفرق بين الحق والشبهات، ويشهر الحق ويعلنه، وينشر الاسم والصيت في الأرض.
وكيف تكون التقوى تعمر النفوس، وتطهر القلوب، وتنير الأبصار؟ وفي الحكمة الشرقية أن القلب إذا عمره الإخلاص وقذف الله فيه بالحكمة - فاستقام اللسان، واستقام العمل، واستقام السلوك ولم ينحرف عن الجادة، وحينئذ لا يشتبه أمر من الأمور، وتكون الشبهات ضاحيات نيرات إما إلى الهدى وإما إلى الضلال.
هذا هو الفرقان، وهو أولى ثمرات التقوى، وهو جامع للخير؛ إذ هو جامع للعلم النافع الهادي.
والثاني: هو أن الله تعالى يكفر عنه السيئات، وتكفير السيئات معناه إزالة آثارها في النفس، فإن النفس إذا أذنبت نكتت فيها نكت سوداء تتوالى حتى يرباد القلب، وتكفير السيئات إزالة هذه النكت السوداء أو ما علق منها، حتى يصير القلب أملس كالمرآة، وإن التقوى تفعل ذلك; لأنها تجلو صدأ القلوب ويمتلئ القلب بذكر الله تعالى، فيعبده كأنه يراه، ويحس بعظمته تملأ نفسه، وتنير سبيله.
[ ص: 3110 ] والثالث: فمن بعد تطهير النفس من السيئات بتكفيرها يكون الغفران وستر الذنوب، وتكون الرحمة الشاملة، ولقد ختم الله تعالى ذلك بقوله تعالى: والله ذو الفضل العظيم لأن ذلك كله من فضل الله تعالى والله ذو الفضل العظيم