ذكر الله عذاب يوم القيامة لمن : كنز الذهب والفضة من غير إنفاق يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنـزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون .
(يوم) تتعلق بقوله: بعذاب أليم أي: ذلك الإيلام الشديد يوم يحمى عليها أي يوقد عليها، والضمير يعود إلى الذهب والفضة كما يعود ضمير (ينفقونها) إليها على التخريج الذي ذكرنا آنفا، ولهذا النص تصوير لحال الأشحة الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبل الخير، ولا يؤدون ما تعلق بها من نفقات على العيال والفقراء، فلا يعطون المال على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، ويعيشون لأنفسهم، لا يتجاوزونها إلى غيرهم من الفقراء والمحاويج والمجاهدين والمؤلفة قلوبهم والغارمين وفي سبيل الله.
و يحمى عليها أي يوقد عليها فتكون كمقامع تكوى بها وجوههم وجنوبهم وظهورهم، وذكرت هذه الأعضاء؛ لأنها تعم الجسم كله، وابتدأ بالوجوه [ ص: 3296 ] لأنها بها المواجهة، وبها تتميز الأشخاص; ولأنهم يطلبون بكنز المال الوجاهة في الدنيا والشأن فيها؛ ولأنهم بالكنز يصونون ماء وجوههم كما قال : "أن يكون ماء وجوههم مصونا عندهم، يتلقون بالجميل، ويحيون بالإكرام، ويبجلون ويحتشمون، ومن أكل الطيبات يتضلعون منها، وينفخون جنوبهم، ومن لبس ناعمة من الثياب، يطرحونها على ظهورهم، كما ترى أغنياء زمانك هذه أغراضهم وطلباتهم من أموالهم، لا يخطرون ببالهم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الزمخشري ". ذهب أهل الدثور بالأجور
وقيل: لأنهم كانوا إذا بصروا الفقير عبسوا، وإذا ضمهم وإياه مجلس ازوروا عنه، وتولوا بأركانهم، وولوه ظهورهم. وقيل: معناه يكون على الجهات الأربع مقاديمهم ومآخيرهم وجنوبهم. اهـ.
هذه مقالة ، ونرى الأقوال التي ذكرها كلها صادقة، فهم ينتفعون بالأموال مفاخرين بها مباهين مستعلين يملئون بطونهم منها، ويلبسون الدمقس والحرير، ويعبسون للفقراء، ويهشون للأغنياء، ويوم القيامة تحيط بهم النار من الجهات الأربع، بحيث لا ينفلتون عنها، ويكوون بها في كل أجزاء جسمهم، ولا يجدون للفرار منها سبيلا. الزمخشري
هذا ما كنـزتم لأنفسكم هذه النار الموقدة من تنوركم هي ما كنزتموه أي عاقبته ومآله أو ذاته، فذوقوا ما كنتم تكنزون، أي وبال ما كنتم تكنزونه، أو ذوقوه موقدا للنار.
هذا خبر الله تعالى عن الكنوز وأصحابها يوم القيامة، وما يتعلق باليوم الآخر نقبله كما هو، ويصح أن نقول: إنه تصوير لحالهم تسببه عاقبة أمرهم بمن يكوون بذهبهم وفضتهم، والله عليم خبير.
قد ابتدأ في سورة براءة بذكر الأشهر الحرم ومنع القتال فيها، ثم تكلمت على عهود المشركين وعمارة المسجد الحرام، وعلى منع المشركين من المسجد الحرام، وبيان شرك أهل الكتاب، وعبث الأحبار والرهبان بمداركهم.