ولقد قال تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=30428_30431_30437_30443_30532_30539_30564_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=63ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم .
لقد كان هؤلاء المنافقون - مع ما يظهرون من محاولة إرضاء المؤمنين ليبثوا فيهم الخور، وضعف العزيمة، حتى إنه في غزوة "أحد" بتأثيرهم همت طائفتان أن تفشلا بعمل كيدهم - كانوا مع ذلك يستهزءون بالمؤمنين والنبي - صلى الله عليه وسلم - وقد وضعوا أنفسهم في حيز، محادين الله ورسوله، فقال تعالى فيهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=63ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله الاستفهام هنا للنفي والتوبيخ، ولم نافية، ونفي النفي إثبات كما يقول أهل العلم بالعربية، فالمعنى: لقد علموا أنه من
[ ص: 3356 ] يحادد الله ورسوله فأن لهم جهنم، وكان الإثبات بهذه الطريقة البيانية لتأكيد علمهم وتأكيد شرهم، كأنهم أقدموا على هذا الشر عالمين، ووجه التأكيد في التقرير بهذه الطريقة مؤداه أنه سئل عنهم: يعلمون أم لا يعلمون؟ فأجيب عنهم بأنهم يعلمون، فكان في ذلك فضل تأكيد.
وحاده كـ(شاقه) أي: جعل بينه وبين الحق حدا، لا يصل الحق إليه، ولا يحاول هو أن يصل إلى الحق، ومن يكون في جانب والله تعالى في جانب آخر كأنه يناوئه ويقاومه، ولقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=63فأن له نار جهنم فيها قراءتان قراءة
حفص بفتح (أن) وتخريج القول على هذه القراءة أن النار واقعة في جواب الشرط، وأن والمصدر المنسبك منها وما بعدها فاعل لفعل محذوف تقديره: (فقد ثبت أن لهم جهنم خالدين فيها أبدا).
وهناك قراءة بكسر (إن) وتكون هي وما بعدها جملة مبتدأة واقعة في جواب الشرط، أو دالة على جواب الشرط، وذلك على تقدير أن الشرط محذوف، ويكون المحذوف تقديره: (هالك).
قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=63ذلك الخزي العظيم أي أنهم إذا كانوا في الدنيا يتسترون بنفاقهم، ويخفون حقيقة أمرهم - فإن ذلك مكشوف يوم القيامة؛ إذ ينكشف أمرهم ويتبين حالهم، ويكون خزيهم وهم خالدون فيها.
وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=30428_30431_30437_30443_30532_30539_30564_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=63أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ .
لَقَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ - مَعَ مَا يُظْهِرُونَ مِنْ مُحَاوَلَةِ إِرْضَاءِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَبُثُّوا فِيهِمُ الْخَوَرَ، وَضَعْفَ الْعَزِيمَةِ، حَتَّى إِنَّهُ فِي غَزْوَةِ "أُحُدٍ" بِتَأْثِيرِهِمْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ أَنْ تَفْشَلَا بِعَمَلِ كَيْدِهِمْ - كَانُوا مَعَ ذَلِكَ يَسْتَهْزِءُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ وَضَعُوا أَنْفُسَهُمْ فِي حَيِّزٍ، مُحَادِّينَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ تَعَالَى فِيهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=63أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الِاسْتِفْهَامُ هُنَا لِلنَّفْيِ وَالتَّوْبِيخِ، وَلَمْ نَافِيَةٌ، وَنَفْيُ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ كَمَا يَقُولُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَالْمَعْنَى: لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ مَنْ
[ ص: 3356 ] يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ، وَكَانَ الْإِثْبَاتُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ الْبَيَانِيَّةِ لِتَأْكِيدِ عِلْمِهِمْ وَتَأْكِيدِ شَرِّهِمْ، كَأَنَّهُمْ أَقْدَمُوا عَلَى هَذَا الشَّرِّ عَالِمِينَ، وَوَجْهُ التَّأْكِيدِ فِي التَّقْرِيرِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ مُؤَدَّاهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُمْ: يَعْلَمُونَ أَمْ لَا يَعْلَمُونَ؟ فَأُجِيبَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ فَضْلُ تَأْكِيدٍ.
وَحَادَّهُ كَـ(شَاقَّهُ) أَيْ: جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِّ حَدًّا، لَا يَصِلُ الْحَقُّ إِلَيْهِ، وَلَا يُحَاوِلُ هُوَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْحَقِّ، وَمَنْ يَكُونُ فِي جَانِبٍ وَاللَّهُ تَعَالَى فِي جَانِبٍ آخَرَ كَأَنَّهُ يُنَاوِئُهُ وَيُقَاوِمُهُ، وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=63فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ فِيهَا قِرَاءَتَانِ قِرَاءَةُ
حَفْصٍ بِفَتْحِ (أَنَّ) وَتَخْرِيجُ الْقَوْلِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنَّ النَّارَ وَاقِعَةٌ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ، وَأَنَّ وَالْمَصْدَرَ الْمُنْسَبِكَ مِنْهَا وَمَا بَعْدَهَا فَاعِلٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: (فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا).
وَهُنَاكَ قِرَاءَةٌ بِكَسْرِ (إِنَّ) وَتَكُونُ هِيَ وَمَا بَعْدَهَا جُمْلَةً مُبْتَدَأَةً وَاقِعَةً فِي جَوَابِ الشَّرْطِ، أَوْ دَالَّةً عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ، وَذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الشَّرْطَ مَحْذُوفٌ، وَيَكُونُ الْمَحْذُوفُ تَقْدِيرُهُ: (هَالِكٌ).
قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=63ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ أَيْ أَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَتَسَتَّرُونَ بِنِفَاقِهِمْ، وَيُخْفُونَ حَقِيقَةَ أَمْرِهِمْ - فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْشُوفٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ إِذْ يَنْكَشِفُ أَمْرُهُمْ وَيَتَبَيَّنُ حَالُهُمْ، وَيَكُونُ خِزْيُهُمْ وَهُمْ خَالِدُونَ فِيهَا.