لا استغفار لمنافق
قال تعالى:
استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين
* * *
كان الرسول الأمين حريصا على هداية الذين بعث إليهم، وكان يرجو أن يتوبوا ويغفر لهم، فكان - صلى الله عليه وسلم - يستغفر لهم، لأن الاستجابة تقتضي التوبة، كما يقول عن كفار مكة: ، وكان يستغفر [ ص: 3391 ] كذلك للمشركين برجاء توبتهم، وأن يعيشوا في صفوف المؤمنين، ويكونوا منهم بالفعل، لا بادعائهم، فبين الله تعالى له أنه ميئوس من إيمانهم; لأنهم ازدادوا كفرا وطبع على قلوبهم إذ باءت بالسوء، وكلما جاءتهم آية ازدادوا نفاقا وكفرا، ولذا قال تعالى: " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم فالأمر في معنى بيان اليأس، كما قال الله تعالى لنوح عليه السلام: لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ومحط الخبر في قوله: إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم وعدد السبعين يراد به الكثرة، وكان العرب يستعملونه في الكثرة التي لا يحصيها عد.
وهذا المعنى الذي اختاره ابن كثير، فقد قال (يخبر الله تعالى نبيه) بأن هؤلاء المنافقين ليسوا أهلا للاستغفار، وأنه لو استغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم، وقد قيل إن السبعين مرة ذكرت حسما لمادة الاستغفار لهم; لأن العرب في أساليب كلامها تذكر السبعين في مبالغة كلامها، ولا تريد التحديد بها، ولا أن يكون ما زاد عليها بخلافها، فهذه الآية فيها بيان أنه لا يرجى إيمانهم، فيرجى الغفران لهم; لأن الله تعالى قد غضب عليهم، فقال تعالى: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم وعلل سبحانه وتعالى ذلك بقوله: ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله ولا رجاء في أن يؤمنوا كما يدل آخر الآية.
ولقد قال بعض المفسرين إن (أو) للتخيير، وإن الأمر للإباحة، فأباح الله تعالى للنبي أن يستغفر أو لا يستغفر، ورد ذلك المعنى عن رضي الله عنهما - وأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ابن عباس ولكن يقول " لأزيدن على السبعين " القشيري: لم يثبت ما روي أنه قال لأزيدن على السبعين. وقد ذكر سبحانه وتعالى في ختام الآية الكريمة ما يدل على أنهم مردوا على النفاق، وأوغلوا في الكفر فقال تبارك وتعالى: والله لا يهدي القوم الفاسقين [ ص: 3392 ] وهذا بيان لليأس من أن يهديهم، والقوم الفاسقون هم الجماعة التي تمردت على الحق وفسقوا عن أمر ربهم، وتحالفوا على الضلال، وكلما بزغ بينهم داعي هدى أسكتوه، وكلما ظهر لهم نور الحق أطفأوه، فهم تعاونوا على الإثم والعدوان.
ولا يهديهم الله سبحانه وتعالى، لأنهم مسلوبو الإدراك، وأصبحوا سادرين في طريق الغواية، وإن أولئك المنافقين كانوا يفرون من الجهاد، ويفرحون بتخلفهم عنه، ولقد قال تعالى في ذلك: