[ ص: 657 ] سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة وإذا كان المشركون قد كفروا مع البينات وطلبوا ملائكة ينزلون من السماء ، أو كتابا في قرطاس يقرءونه ، فليس ذلك لنقص في الدليل ; أو لأنه عقلي ويريدون حسيا ; بل الكفر غشاوة تكون على قلب الكافر تجعله ينكر الحق ، ولو كان مع الحق ألف دليل ; وهذا أمر بني إسرائيل : نزلت عليهم عدة آيات ، ومع ذلك قالوا أرنا الله جهرة ; ولذا قال سبحانه : سل بني إسرائيل سل الحاضرين منهم أو استقر أخبار السابقين وسل تاريخهم : كم آتيناهم من آية بينة من معجزة واضحة مثبتة إثباتا لا مجال للشك فيه ، ولا إثارة الريب حوله ; فيد موسى تنقلب بيضاء من غير سوء ، وعصاه تنقلب حية تسعى ، ويضرب بها البحر فتفلقه اثني عشر طريقا ، وتضرب الحجر فينبجس منه اثنتا عشرة عينا ، وتظلهم الغمام في الحر ، وينزل عليهم المن والسلوى ; ومع كل هذه الآيات البينات قالوا : أرنا الله جهرة ، ومنهم من كفر وعبد العجل ; فقوة الدليل لا تحمل الجاحد على الإيمان ، ومن كفر لا يكفر عن نقص في الدليل ، ولكن عن فساد في الفكر، بسبب غشاوة على القلب وضلال في النفس ; وقوة الدليل مع هذه الحال لا تزيده إلا عنادا وإصرارا .
ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته نعمة الله هنا عامة تشمل نعمه الظاهرة والباطنة ; فتشمل نعمة الصحة ، ونعمة المال ، ونعمة الجاه ، كما تشمل نعمة العقل ، ونعمة الهداية بإرسال الرسل وإقامة الأدلة على رسالتهم ; ومن يبدل هذه النعم السابغة فيجعلها حجة عليه تؤدي إلى العقاب ، فلا يبذل جهده في مرضاة الله ، بل في معصيته ، ولا يبذل ماله في النفع بل في الضرر ، ولا يبذل جاهه لإعانة الضعيف ، بل لحيف الشريف ; ولا يعمل عقله ليصل إلى الحق ; بل ليضل نفسه ; ولا يقبل الهداية بل يردها ; ومن يبدل نعمة الله ذلك التبديل ، فإنه سبحانه وتعالى سيعاقبه لا محالة ; ولذلك قال فإن الله شديد العقاب والكلام فيه حذف ، إذ حذف السبب ، اكتفاء بذكر المسبب ، كما تذكر المقدمة ولا تذكر النتيجة لأنها مفهومة ضمنا ; والمعنى : من يبدل ذلك التبديل فإن الله سيعاقبه عقابا شديدا ، لأنه سبحانه شديد العقاب ، كما أنه عفو غفور، تواب رحيم .