وقد حرض الله تعالى أهل
المدينة بعد الأمر بالصدق على الجهاد; لأن الجهاد من صدق الإيمان كما أشرنا عند الكلام في معنى الصدق، فقال تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=19797_30497_34141_34475_34477_34483_7856_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه
قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120ما كان لأهل المدينة ومن حولهم نفي للشأن والكون، أي: ما كان من شأن أهل
المدينة من
مهاجرين وأنصار آووا ونصروا وهم أهل النجدة والإيواء، ومن حولهم من الأعراب الذين أشربوا الإيمان أن يتخلفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويؤثروا الدعة والراحة، ويتركوه وحده يكابد المشاق، ويتحمل المتاعب في سبيل عزهم ورفع دينهم، ما ساغ لهم ذلك، وهم يرغبون في الدعة وطيب العيش الرغيد، وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120عن نفسه أي: متوقفين عن نفسه في أن يرغبوا له ما رغب فيه لهم.
لقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في ذلك: أمروا بأن يصحبوه على البأساء والضراء، وأن يكابدوا معه الأهوال برغبة ونشاط، لا أن يقوا أنفسهم من الشدائد ما تلقاه نفسه علما بأنه أعز نفس عند الله وأكرمها عليه، فإذا تعرضت مع كرامتها وعزتها، للخوض في شدة وهول، وجب على سائر الأنفس أن تتهافت فيما تعرضت، ولا يكترث لها أصحابها، ولا يقيموا لها وزنا، وتكون أخف شيء عليهم وأهونه فضلا عن أن يربأوا بأنفسهم عن متابعتها، ومصاحبتها ويضنوا بها على ما سمح بنفسه عليه، وهذا نهي بليغ، مع تقبيح لأمرهم، وتوبيخ لهم عليه، وتهييج لمتابعته بأنفس رحيمة.
[ ص: 3479 ] والمعنى على هذا في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه أي: لا يصونوا أنفسهم عما يرغبون فيه من عيش رغيد هين وظل ظليل، فلم يصونوا أنفسهم عن رغباتها، كما لم يصن نفسه عن رغباتها.
ولنا أن نقول: إن عن نفسه معناها متجاوزين نفسه، ولذا كان التعدي بـ (على)، و: (لا) في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120ولا يرغبوا لتأكيد النفي بـ (ما)، أي: ما كان لهم أن يتخلفوا عن رسول الله، ولا كان لهم أن يرغبوا بأنفسهم، فتكرار النفي تأكيد له.
وإن هذا خبر في موضع الطلب بأبلغ معاني الطلب، فيكون المعنى لا تتخلفوا عن رسول الله إذ يخرج للجهاد، ولا ترغبوا في الدعة والإقامة في بحبوحة العيش، وتتركوا الرسول يخرج للجهاد وحده وإن ذلك له جزاؤه، ولذا قال سبحانه بعد ذلك مبينا الجزاء:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح
الإشارة في قوله تعالى: (ذلك) إلى النهي المفهوم من قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120ما كان لأهل المدينة ومن حولهم
إن هذا النفير من أهل
المدينة المأمور به، والمنهي عن التخلف عنه، وألا يرغبوا بأنفسهم، كما فعل
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبو ذر إذ خرج يتبع الرسول حتى حسب أن بعيره يبطئه عن الوصول إلى الرسول، فسار على قدميه يحمل متاعه وآلة الحرب، وكما فعل
nindex.php?page=showalam&ids=11997أبو خيثمة وكانت له زوجة حسناء، قد تزوجها حديثا، فرطبت له الأرض بالماء وفرشت له الحصير، وقدمت له الرطب والماء فتذكر الشدة التي فيها الرسول وصحبه من
المهاجرين والأنصار، فترك ذلك كله، وركب بعيره حتى لحق برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، كما ذكر ذلك بسبب أنهم قد أدركوا وفهموا وعد
[ ص: 3480 ] الله تعالى والله لا يخلف الميعاد; وبسبب أنهم
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120لا يصيبهم ظمأ عطش شديد كذلك الذي اعتراهم في
تبوك حتى كادت أعناقهم تتقطع من العطش، لولا أن النبي استسقى السماء لهم فأغدقت.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120ولا مخمصة أي: جوع شديد، كالذي أصابهم في هذه الغزوة، التي فتحت الباب
للشام، إذ أصابهم جوع شديد حتى إنهم كانوا يتقاسمون التمرة،
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار أي: لا ينزلون أرضا تدخل في حماية الكفار، يكون وطؤها فيه غيظ لهم، إذا انتهكوا حمى أرضهم، ولم يستطيعوا حمايتها من جيش الحق والإيمان، وذلك فيه عنت شديد لهم وإهدار لحرمات أرضهم، وفي ذلك إذلال لهم بعد أن كانوا لا يمس أحدهم حماهم الذي يحمون
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120ولا ينالون من عدو نيلا بأن يحاربوا فيهزموهم.
أي: أن ظمأهم الشديد، وجوعهم الذي صبروا عليه، ووطأهم أرض العدو الكافر التي كانت لا ترام، ونيلهم من بني الأصفر الذين يتحكمون، ولا مسيطر عليهم أو محاسب، ما من أمر يقوم به أهل الإيمان إلا كتب الله تعالى لهم به عملا صالحا عند الله، ينال أهل الإيمان به رضاه أولا - واعتزازهم بالحق ثانيا، وجنة النعيم ثالثا، ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120إن الله لا يضيع أجر المحسنين أي: أن ذلك الجزاء العظيم أجر للعمل الصالح، وسماه سبحانه أجرا تكرما منه وتفضلا، وإلا فلا أجر إلا بفضله لأنه المنعم، والعبد ملك لسيده، وسمي الذين يقومون بحق الجهاد محسنين; لأنهم قاموا بما وجب عليهم، وأحسنوا الطاعة، وأبلوا فاحسنوا البلاء.
هذا نوع الجهاد بأنفسهم، إذ تركوا الراحة ومتعتها، وأثروا البلاء فأخذهم الظمأ، والجوع، ووطئوا أرض العدو ونالوا منه نيلا.
وَقَدْ حَرَّضَ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ
الْمَدِينَةِ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالصِّدْقِ عَلَى الْجِهَادِ; لِأَنَّ الْجِهَادَ مِنْ صِدْقِ الْإِيمَانِ كَمَا أَشَرْنَا عِنْدَ الْكَلَامِ فِي مَعْنَى الصِّدْقِ، فَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=19797_30497_34141_34475_34477_34483_7856_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ
قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ نَفْيٌ لِلشَّأْنِ وَالْكَوْنِ، أَيْ: مَا كَانَ مِنْ شَأْنِ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ مِنْ
مُهَاجِرِينَ وَأَنْصَارٍ آوَوْا وَنَصَرُوا وَهُمْ أَهْلُ النَّجْدَةِ وَالْإِيوَاءِ، وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ أُشْرِبُوا الْإِيمَانَ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُؤْثِرُوا الدَّعَةَ وَالرَّاحَةَ، وَيَتْرُكُوهُ وَحْدَهُ يُكَابِدُ الْمَشَاقَّ، وَيَتَحَمَّلُ الْمَتَاعِبَ فِي سَبِيلِ عِزِّهِمْ وَرَفْعِ دِينِهِمْ، مَا سَاغَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَهُمْ يَرْغَبُونَ فِي الدَّعَةِ وَطِيبِ الْعَيْشِ الرَّغِيدِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120عَنْ نَفْسِهِ أَيْ: مُتَوَقِّفِينَ عَنْ نَفْسِهِ فِي أَنْ يَرْغَبُوا لَهُ مَا رَغِبَ فِيهِ لَهُمْ.
لَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي ذَلِكَ: أُمِرُوا بِأَنْ يَصْحَبُوهُ عَلَى الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَأَنْ يُكَابِدُوا مَعَهُ الْأَهْوَالَ بِرَغْبَةٍ وَنَشَاطٍ، لَا أَنْ يَقُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ الشَّدَائِدِ مَا تَلْقَاهُ نَفْسُهُ عِلْمًا بِأَنَّهُ أَعَزُّ نَفْسٍ عِنْدِ اللَّهِ وَأَكْرَمُهَا عَلَيْهِ، فَإِذَا تَعَرَّضَتْ مَعَ كَرَامَتِهَا وَعِزَّتِهَا، لِلْخَوْضِ فِي شِدَّةٍ وَهَوْلٍ، وَجَبَ عَلَى سَائِرِ الْأَنْفُسِ أَنْ تَتَهَافَتَ فِيمَا تَعَرَّضَتْ، وَلَا يَكْتَرِثَ لَهَا أَصْحَابُهَا، وَلَا يُقِيمُوا لَهَا وَزْنًا، وَتَكُونُ أَخَفَّ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ وَأَهْوَنَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَرْبَأُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ مُتَابَعَتِهَا، وَمُصَاحَبَتِهَا وَيَضَنُّوا بِهَا عَلَى مَا سَمَحَ بِنَفْسِهِ عَلَيْهِ، وَهَذَا نَهْيٌ بَلِيغٌ، مَعَ تَقْبِيحٍ لِأَمْرِهِمْ، وَتَوْبِيخٍ لَهُمْ عَلَيْهِ، وَتَهْيِيجٍ لِمُتَابَعَتِهِ بِأَنْفُسٍ رَحِيمَةٍ.
[ ص: 3479 ] وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ أَيْ: لَا يَصُونُوا أَنْفُسَهُمْ عَمَّا يَرْغَبُونَ فِيهِ مِنْ عَيْشٍ رَغِيدٍ هَيِّنٍ وَظَلٍّ ظَلِيلٍ، فَلَمْ يَصُونُوا أَنْفُسَهُمْ عَنْ رَغَبَاتِهَا، كَمَا لَمْ يَصُنْ نَفْسَهُ عَنْ رَغَبَاتِهَا.
وَلَنَا أَنْ نَقُولَ: إِنَّ عَنْ نَفْسِهِ مَعْنَاهَا مُتَجَاوِزِينَ نَفْسَهُ، وَلِذَا كَانَ التَّعَدِّي بِـ (عَلَى)، وَ: (لَا) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120وَلا يَرْغَبُوا لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ بِـ (مَا)، أَيْ: مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ، فَتَكْرَارُ النَّفْيِ تَأْكِيدٌ لَهُ.
وَإِنَّ هَذَا خَبَرٌ فِي مَوْضِعِ الطَّلَبِ بِأَبْلَغِ مَعَانِي الطَّلَبِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى لَا تَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ إِذْ يَخْرُجُ لِلْجِهَادِ، وَلَا تَرْغَبُوا فِي الدَّعَةِ وَالْإِقَامَةِ فِي بُحْبُوحَةِ الْعَيْشِ، وَتَتْرُكُوا الرَّسُولَ يَخْرُجُ لِلْجِهَادِ وَحْدَهُ وَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ جَزَاؤُهُ، وَلِذَا قَالَ سُبْحَانَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُبَيِّنًا الْجَزَاءَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ
اَلْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (ذَلِكَ) إِلَى النَّهْيِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ
إِنَّ هَذَا النَّفِيرَ مِنْ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ الْمَأْمُورَ بِهِ، وَالْمَنْهِيَّ عَنِ التَّخَلُّفِ عَنْهُ، وَأَلَّا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ، كَمَا فَعَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=1584أَبُو ذَرٍّ إِذْ خَرَجَ يَتْبَعُ الرَّسُولَ حَتَّى حَسِبَ أَنَّ بَعِيرَهُ يُبْطِئُهُ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الرَّسُولِ، فَسَارَ عَلَى قَدَمَيْهِ يَحْمِلُ مَتَاعَهُ وَآلَةَ الْحَرْبِ، وَكَمَا فَعَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=11997أَبُو خَيْثَمَةَ وَكَانَتْ لَهُ زَوْجَةً حَسْنَاءَ، قَدْ تَزَوَّجَهَا حَدِيثًا، فَرَطَّبَتْ لَهُ الْأَرْضَ بِالْمَاءِ وَفَرَشَتْ لَهُ الْحَصِيرَ، وَقَدَّمَتْ لَهُ الرُّطَبَ وَالْمَاءَ فَتَذَكَّرَ الشِّدَّةَ الَّتِي فِيهَا الرَّسُولُ وَصَحْبُهُ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَتَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَرَكِبَ بَعِيرَهُ حَتَّى لَحِقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ قَدْ أَدْرَكُوا وَفَهِمُوا وَعْدَ
[ ص: 3480 ] اللَّهِ تَعَالَى وَاَللَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ; وَبِسَبَبِ أَنَّهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ عَطَشٌ شَدِيدٌ كَذَلِكَ الَّذِي اِعْتَرَاهُمْ فِي
تَبُوكَ حَتَّى كَادَتْ أَعْنَاقُهُمْ تَتَقَطَّعُ مِنَ الْعَطَشِ، لَوْلَا أَنَّ النَّبِيَّ اِسْتَسْقَى السَّمَاءَ لَهُمْ فَأَغْدَقَتْ.
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120وَلا مَخْمَصَةٌ أَيْ: جُوعٌ شَدِيدٌ، كَاَلَّذِي أَصَابَهُمْ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ، الَّتِي فَتَحَتِ الْبَابَ
لِلشَّامِ، إِذْ أَصَابَهُمْ جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا يَتَقَاسَمُونَ التَّمْرَةَ،
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ أَيْ: لَا يَنْزِلُونَ أَرْضًا تَدْخُلُ فِي حِمَايَةِ الْكُفَّارِ، يَكُونُ وَطْؤُهَا فِيهِ غَيْظٌ لَهُمْ، إِذَا اِنْتَهَكُوا حِمَى أَرْضِهِمْ، وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا حِمَايَتَهَا مِنْ جَيْشِ الْحَقِّ وَالْإِيمَانِ، وَذَلِكَ فِيهِ عَنَتٌ شَدِيدٌ لَهُمْ وَإِهْدَارٌ لِحُرُمَاتِ أَرْضِهِمْ، وَفِي ذَلِكَ إِذْلَالٌ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ كَانُوا لَا يَمَسُّ أَحَدُهُمْ حِمَاهُمُ الَّذِي يَحْمُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا بِأَنْ يُحَارِبُوا فَيَهْزِمُوهُمْ.
أَيْ: أَنَّ ظَمَأَهُمُ الشَّدِيدَ، وَجُوعَهُمُ الَّذِي صَبَرُوا عَلَيْهِ، وَوَطْأَهُمْ أَرْضَ الْعَدُوِّ الْكَافِرِ الَّتِي كَانَتْ لَا تُرَامُ، وَنَيْلَهُمْ مِنْ بَنِي الْأَصْفَرِ الَّذِينَ يَتَحَكَّمُونَ، وَلَا مُسَيْطِرَ عَلَيْهِمْ أَوْ مُحَاسِبَ، مَا مِنْ أَمْرٍ يَقُومُ بِهِ أَهْلُ الْإِيمَانِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ بِهِ عَمَلًا صَالِحًا عِنْدَ اللَّهِ، يَنَالُ أَهْلُ الْإِيمَانِ بِهِ رِضَاهُ أَوَّلًا - وَاعْتِزَازَهُمْ بِالْحَقِّ ثَانِيًا، وَجَنَّةَ النَّعِيمِ ثَالِثًا، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ أَيْ: أَنَّ ذَلِكَ الْجَزَاءَ الْعَظِيمَ أَجْرٌ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَسَمَّاهُ سُبْحَانَهُ أَجْرًا تَكَرُّمًا مِنْهُ وَتَفَضُّلًا، وَإِلَّا فَلَا أَجْرَ إِلَّا بِفَضْلِهِ لِأَنَّهُ الْمُنْعِمُ، وَالْعَبْدُ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ، وَسُمِّيَ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِحَقِّ الْجِهَادِ مُحْسِنِينَ; لِأَنَّهُمْ قَامُوا بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ، وَأَحْسَنُوا الطَّاعَةَ، وَأَبْلَوْا فَاحْسُنُوا الْبَلَاءَ.
هَذَا نَوْعُ الْجِهَادِ بِأَنْفُسِهِمْ، إِذْ تَرَكُوا الرَّاحَةَ وَمُتْعَتَهَا، وَأَثِرُوا الْبَلَاءَ فَأَخَذَهُمُ الظَّمَأُ، وَالْجُوعُ، وَوَطِئُوا أَرْضَ الْعَدُوِّ وَنَالُوا مِنْهُ نَيْلًا.