إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون
ذكر سبحانه آياته الكبرى في خلق السماوات والأرض الدالة على أنه أنشأ كل شيء وأن من أنشأه ابتداء يستطيع أن يعيد ما أنشأ، كما قال: كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة
وبعد ذلك ذكر الذين ينكرون البعث والنشور والقيامة والحساب، وأنهم لا يخافون عقابا ولا يرجون ثوابا لانغماسهم في الأهواء والشهوات، وفسدت مداركهم فلا يفكرون في عواقب أمورهم، وكلما غلبتهم الشهوات ألهتهم عن التفكير في خلق الله تعالى وما يدل عليه، وعن التفكير في الآيات والنذر وما تدعو إليه من إيمان ثابتة دلائله.
اليوم الآخر، هو ما يكون من بعث وحساب وجزاء، وقد قال سبحانه:
الذين لا يرجون لقاءنا إشارة إلى استهانتهم بأنفسهم وخالقهم، ولبيان المهابة في لقاء هذا اليوم والإشعار بأنه يوم خطير على الكافرين عسير.
كما أضاف سبحانه لحال إنكارهم الرضا بالفانية ومتعها بدل الحياة الأخرى الباقية بنعيمها الباقي، ورضوا بالقليل الحاضر عن الكثير المقيم، ولذا قال سبحانه: ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها
أي: أنهم رضوا وقنعوا بها لم تمتد أنظارهم إلى ما وراءها فشغلوا بالطريق وما به من منافع قصيرة عن المرتجى والمنتهى، لأن الحس استغرقهم ولم يجعل في نفوسهم مكانا للنور يدرك به الحق، واطمأنوا وسكنوا لملذاتهم وشهواتهم وقالوا في ذات أنفسهم: إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين [ ص: 3521 ] وقد وصفهم سبحانه بالغفلة عن آياته: هم عن آياتنا غافلون وهذه جملة معطوفة على ما قبلها.
الوصفان متغايران وإن كانا متلازمين.
أولا - وصفهم بعدم توقع لقاء الله وأنهم قنعوا بالحياة الدنيا وما فيها واطمأنوا إلى ذلك واكتفوا به.
ثانيا - وصفهم بالغفلة، وأن الرضا بالحياة الدنيا والاقتناع بها لا يكون إلا من غير المدركين المتنبهين لحقيقة الحياة وما بعدها.
وقد أكد سبحانه وتعالى غفلتهم بسبب انغماسهم في الأهواء والشهوات بالجملة الاسمية.