إن وعد الله على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - آت لا محالة يوم لا ينفع نفسا إيمانها بعد أن كفرت، ولذا قال تعالى:
أثم إذا ما وقع آمنتم به آلآن وقد كنتم به تستعجلون
(ثم) عاطفة وهي للترتيب والتراخي، والترتيب هو ترتيب الاستفهام بعد الاستفهام، والاستفهام السابق كان لتصور العذاب وحالهم عنده ليعتبروا ولا يستعجلوا، وجاء الاستفهام الذي يليه وقد وقع العذاب فعلا; فالأول كان لتصوير العذاب متوقعا، والثاني لوقوعه بهم والتفاوت بينهم كالتفاوت بين المتوقع والواقع والتصور والحقيقة، وفيه الإشارة إلى أنهم لماديتهم لا يؤمنون إلا بما يرون. [ ص: 3588 ]
والتوقع هو ما يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتوقعوه ويتصوروه، وإلا فهم مكذبون مستهزئون.
و: (ثم) متأخرة والتقديم للاستفهام; لأن له الصدارة، وتقدير القول أنه إذا ما وقع ورأيتموه رأي العين في الآخرة آمنتم به وصدقتموه، وقد قضى زمن التكليف وانتهت دار الابتلاء وجاءت دار الجزاء، إنه إيمان لا ينفع.
ثم أردف سبحانه ذلك بتوبيخهم على تأخرهم في الإيمان واستعجالهم العذاب فقال سبحانه: آلآن وقد كنتم به تستعجلون أي: تؤمنون به في هذا الوقت المتأخر وقد كنتم مكذبين وتستعجلون متحدين أو متهكمين أو ساخرين، فالاستفهام إنكاري توبيخي، والتوبيخ من نواح ثلاث:
أولاها - من ناحية إنكارهم البعث.
ثانيتهما - من ناحية تهكمهم على من ينذرهم.
ثالثتها - أنهم لا يؤمنون إلا في الوقت الذي لا ينفع النفس إيمانها.
وقوله تعالى: وقد كنتم به تستعجلون يقول كثير من المفسرين التابعين للزمخشري: تستعجلون معناها تكذبون، وإني أقول أنهم كانوا مكذبين حقيقة ولكن كانوا يستعجلون فعلا ولو بظاهر القول، ويكون ذكر الاستعجال تهكما بهم وتوبيخا لهم في قوله تعالى: وقد كنتم به تستعجلون جمع بين الماضي والحاضر، وهو دليل على استمرار استعجالهم التهكمي وتكذيبهم باليوم الآخر ووعد الله تعالى بالجزاء.
هذه حال المكذبين وإيمانهم بعدم وقوع العذاب وإنكارهم لتوقعه ثم إيمانهم به بعد أن يروه،