[ ص: 3599 ]
بعد أن أكد سبحانه أنهم يفترون سألهم عما يتوقعه الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة.
وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون
الظن هنا هو التوقع المبني على الظن الذي اختاروه لأنفسهم سبيلا بدل أن يتحروا مستيقنين، والاستفهام توبيخي إنكاري وطلب لأن يفكروا فيما يتوقعون يوم القيامة، هل يتوقعون مع افترائهم على الله أن يدخلوا جنات النعيم; أم يتوقعون جزاء وفاقا لما صنعوا في جنب الله تعالى من عصيان وتمرد على أوامره، بل إنهم ساروا في عصيانهم إلى أبعد أنواع الضلال فافتروا على الله في الحلال والحرام، فحرموا على أنفسهم نعمه ونسبوا التحريم إليه، وحللوا ما حرم الله وافتروا كما كانوا يفعلون من الطواف عرايا.
وقد بين سبحانه أنه أنعم عليهم، وهم الذين غيروا وبدلوا وحرموا طيبات أحلت لهم ولم يشكروا بالطاعة والحمد على ما تفضل به عليهم سبحانه، فقال تعالت كلماته: إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون في قوله تعالى تأكيد لفضله بـ (إن) المؤكدة وبالجملة الاسمية، وبأن الفضل يصحب كل تصريفه لأمور العباد تعالى، فقال سبحانه: لذو فضل مؤكدا ذلك باللام.
ولكن أكثرهم لا يشكرون الاستدراك هنا معناه أنه كان حقا عليهم أن يشكروا فاستدرك سبحانه على هذه النتيجة المنطقية وقرر أن أكثرهم عدلوا عنها وانحرفوا عن مسلكها إلى الضلال فكانوا لا يشكرون وجحدوا، وكان التعبير بالمضارع; لدوام عدم شكرهم وتكرر جحودهم وتجدده آنا بعد آن.