وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين
بعد أمر الاندماج وتضافر صفوف المؤمنين، أمر نفسي في قوله تعالى: وأن أقم وجهك
قوله تعالى: وأن أقم معطوف على قوله: وأمرت أن أكون من المؤمنين الذي جاء في الآية السابقة، وجاء بصيغة الأمر من الله تعالى ومن آياته البينات الدالة على وحدانيته واستحقاقه للعبادة وحده، وكلمة (وأن) مصدرية هي وما بعدها مصدر، أي: أمرت بالقيام لله وحده، وفي قوله تعالى: وجهك إشارة إلى الاتجاه إلى الله تعالى بنفسه كلها لا يكون فيه شيء لغير الله، فالوجه كناية عن الذات كلها، فيكون حبه وبغضه لله تعالى، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب الشيء لا يحبه إلا لله تعالى " .
وقوله تعالى: حنيفا معناه مستقيما في اتجاهه بلا انحراف ولا اعوجاج ولا ميل لباطل أبدا.
ثم صرح سبحانه ببطلان الشرك وأنه منهي عنه في قوله تعالى: ولا تكونن من المشركين فإنك إذ أمرت بأن تكون من المؤمنين فقد نهيت عن أن [ ص: 3644 ] تكون من المشركين، وقوله تعالى: ولا تكونن من المشركين معطوف على قوله تعالى: وأن أقم وجهك للدين حنيفا
وهكذا كان النهي عن الشرك بعد الأمر بالإيمان وإقامة الوجه لله بلا ميل، ذلك لأن الشرك يدخل إلى النفس من مسارب شيطانية كثيرة يحسبها الناس صغائر وهي كبائر، فالمراءاة في العبادات شرك، والخضوع للحكام والأمراء في معاصيهم شرك، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: . " من تصدق يرائي فقد أشرك، ومن صلى يرائي فقد أشرك "
وقال تعالى: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون
وقد كان تأكيد النهي عن الشرك بنون التوكيد الثقيلة وقد عطف على ذلك قوله تعالى: