أما حاله في النعماء بعد الضراء فقال تعالى فيه: ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور
(اللام) ممهدة للقسم وما قلناه في قوله تعالى: ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة يقال هنا، والنعماء هي النعمة السابغة، والضراء ما يضر في الجسم أو المال ويصيب النفس فيوجد بأسا وضرا لا يرجى زواله عند غير المؤمن.
جواب القسم ليقولن ذهب السيئات عني وكان جواب القسم لدخول اللام، والتأكيد بنون التوكيد الثقيلة، والقسم واللام ذاته تأكيد.
والسيئات الأمور التي ساءته والتعبير بالماضي دليل على تأكيد الذهاب، وهو لا يسند ذلك لله، بل يذكره من غير إسناد للمنعم وكأنه جاء عفوا من غير مسبب الأسباب ومقدر الأقدار.
ومن قوله تعالى، إنه يفرح بذلك ويفاخر به فقال: إنه لفرح فخور أي: إنه يغمره الفرح فينسيه ما كان فيه من ضراء وما أصابه من شقاء. [ ص: 3674 ]
هكذا المادي لا يؤمن إلا بما هو فيه ناسيا ما كان معتبرا به، فله الساعات التي هو فيها لا يفكر فيما سواها، وفي وصفه يقول الله تعالى: فخور أنه يتطاول على غيره مغترا بما آلت إليه حاله، والفخر فيه أمران مفسدان للنفس:
الأمر الأول: المطاولة على الغير وغمط الناس حقوقهم.
الأمر الثاني: إنكار نعمة المنعم معتقدا أنه مجهوده وعمله وليس بعطاء من الله، وإن التفاخر يوهم صاحبه أنه في حال لم يصل إليها غيره فيتخيل ما ليس عنده، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذا حين قال وقال تعالى: " كلوا واشربوا والبسوا من غير سرف ولا مخيلة " إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا
وهذا شأن الإنسان الذي لم يؤته الله تعالى صبر المؤمنين ولا ضبط نفوسهم، ولذلك استثنى الذين صبروا وآمنوا وعملوا الصالحات من عموم الإنسان فقال تعالى: